الإشـاعة او الشائعة هي الاخبار والاحاديث والمرويات الشفاهية التييتناقلها افراد المجتمع الواحد دون ان يتحققوا من صحتها . وعلى هذا، فهي تعتبر من اكثر المعلومات سذاجة طالما انها غير دقيقة وعاجزةعن تحقيق هدفها المطلوب .
وتأسيساً على ذلك ، تعتمد أغلب الدول في الظروف الاعتيادية فيتقصي المعلومات الموثوقة المتعلقة بالآخر ، من مصادر مختلفة ولاسيماوسائل الاعلام المختلفة . اما في ظروف الارباك والاجواء الرماديةالممهدة للحروب ، فإن الاشاعات تأخذ في الانتشار وتؤدي في الأخيرالى تصعيد هذا الارباك . وفي ظروف كهذه ، يجد المرء نوعين منالاخبار المتضاربة ، فمن جهة ، يجد الاخبار التي تنشرها وسائلالاعلام الوطنية التي يفترض انها صحيحة وموثوقة ، ومن الجهةالاخرى ، هناك الاخبار غير المؤكدة التي يتناقلها الناس .
والاشاعة في السلم لا تختلف عنها في الحرب ، وهي تقوم اساساًعلى الترويج ومادتها الافتراء والخبر غير الصادق ، واسلوبها المبالغةفي عرض الخبر وتضخيم تفاصيله ومسخ حقائقه . وتنتشر الاشاعةليس لكسب الرأي المحلي / الوطني فقط بل والعالمي ايضاً . وكما يعبـرالخبر عن الحقيقة ويعكس الواقع فإن الاشاعة هي صدى للحالة التييمر بها المجتمع ، وهي الى حد ما تعبر عنه المخاوف والتوقعات .
والشائعات في أوقات السلم تهدف الى البلبلة ونشر الاكاذيب التيتضعف الروح المعنوية وتنشر القلق وتصدع الجبهة الداخلية ، ومن هناتبرز مسؤولية المواطن في تحمل المسؤولية لمكافحة الاشاعة عن طريقالتسلح بالعلم والمعرفة ومتابعة الحقائق ، كما تبرز ايضاً مسؤوليةالاعلام الصادق في ضخ الصحيح من الاخبار لتحصين المواطن ضدالاشاعات وسمومها .
الشائعة لا تعرف هوية مطلقها ، تبدأ بالتنامي فالانتشار ، فتصبحبأهميتها محور اهتمام عام ، وتبلغ الذروة قبل ان تعود فتتراجع وتتفككالى نيران خامدة كثيراً ما تنطفىء تماماً في الأخير .
الجدير ذكره ، ان كلمة شائعة تستحضر بالنسبة الى العامة ظاهرةغامضة وشبه سحرية يعكسها تحليل المفردات الرائجة . فالشائعةتطير وتزحف وتتعرج وتعدو ، وهذا ما يجعلها على المستوى المادياشبه بحيوان مباغت وسريع الحركة يتعذر أسره ولا ينتمي الى أيفصيلة معروفة ، اما تأثيرها في البشر فإشبه بالتنويم المغناطيسيوخصوصاً انها تبهر وتغوي وتسحر الالباب وتلهب الحماسة .
اننا رأينا ان هذا المفهوم خاطىء ، فالشائعات أبعد ماتكون عنالغموض بل انها تخضع لمنطق قوي من الممكن تفكيك آلياته . وفيايامنا هذه بات من السهل تقديم اجابات فضلُى عن الاسئلة الكبيرةالتي تثيرها الشائعات :-
من أين تنشأ ؟
كيف تتبلور ؟
لماذا تظهر في وقت ما ، في مجموعة محددة او مكان معين ؟
الى ذلك ، من الممكن تفسير الشائعات :-
ما الذي يجعلها مكروهة ؟
ما القواعد التي تحكم مرسلتها ؟
ما هي المرسلة الخفية التي تتجاوز المضمون الصريح للشائعات ؟
اضف ، من غير الممكن تحليل ظاهرة الشائعات من دون الحديث عندورها في الحياة اليومية ، فكيف يتفاعل المرء مع الشائعات ، وكيفيستخدمها ، ولأي غايـة ، وما تداعياتهـا المتوقعـة وغيـر المتوقعة ؟
اما السؤال الأخير فهو :- هل يمكن اخماد شائعة ما ؟
لقد اقتصر الأمر حتى اليوم هذا على اجراء تحليل توصيفي اوتفسيري للظاهرة ، غير ان الحقائق الاجتماعية تحثنا على الذهاب الىابعد من ذلك ، وتحديداً الى معالجتها ، فعندما نتعمق في درسمشكلة التحكم بالشائعة نبلغ فعلياً صميم منطقها ، أي ظاهرةتصديقها.
ترويج الاشاعة
تنتشر الشائعات – رغم افتقارها الى دليل يسندها – عندما تقضيطبيعة ظروف الاوضاع الداخلية المرتبكة للدولة ، الكتمان وحجبالمعلومات المهمة . او عندما تكون مصادر المعلومات الاعتيادية غيرقادرة على تغطية الاخبار بشكل تام ، اما بحجة عدم توفرها او انالرقابة لم تصرح بنشرها .
وعندما يتعذر على الناس الحصول على المعلومات من مصادرهاالاعتيادية ، فأنهم يلجأون لتأمينها من مصادر اخرى . وفي مثل هذهالحالة تلقى الاشاعة رواجاً كبيراً بأعتبارها المصدر الوحيد للمعلومات.
وتنتشر الشائعات بشكل خاص بين افراد القوات المسلحة ، لأنالضرورة تقضي بعدم اطلاعهم على تفاصيل العمليات العسكريةالمقبلة . وعليه ، يتعين على الآخرين والقادة التحوط من الاشاعة ، لانهاتقضي على خططهم المرسومة وتمهد الطريق الى تثبيط المعنوياتوربما تقود الى الذعر والهزيمة .
قد يكون من المفضل عدم ترويج خبر غير مؤكد عن قضية مهمة . معذلك ، ان الجواب يكمن في الحقيقة بأن القضية تهم الشخص الذييروج للاشاعة . يروجها في حالة واحدة فقط عندما تستجيب لمتطلباتالشخص السامع . فالاشاعة التي تعتمد الشك او الكراهية او تبعثالخوف او الأمل ، ستروج وتعزز بأنفعالات الشخص الراوي . لهذافعندما تنتشر الشائعات بسرعة فيعني هذا ان الكراهية والخوفاصبحت شائعة بين الناس الذين يروجونها .
ويتبع ذلك ، ان الشائعات تروج حتى من قبل اولئك الافراد الذين لايصدقونها ، طالما انها توفر فرصة التعبير عن عاطفة كان ينبغي كبتها. فإذا شعر احد افراد المجتمع او مجموعة اجتماعية معينة ، بكراهيةازاء احد افراد حكومته او مؤسسته من يأتمر بأوامره ، فهو بالتعبيرالمجازي يطعنه من الخلف ، وفي وقت الازمات والظروف المرتبكة ، لايقدم على القول علانية بأن مرؤسه مستبد وطاغية .
على أي حال ، لنفترض ان هذا الشخص سمع اشاعة بان مرؤسهفاسد ادارياً وغير نزيه ولا يؤتمن على احوال المؤسسة ، واصبح هذاالأمر يؤثر على سمعته المهنية والسلوكية وربما ستكون السبب فياقالته من الخدمة ، من الجائز عدم توفر دليل يسند الاشاعة ، ولكن ماالذي سيحدث ؟
ان هذا الشخص المعني سينقل الاشاعة ، لانه لايشعر بأقتراف أيذنب وانه غير مسؤول عن الرواية ، ان كل ما قام به هو مجرد ترديد مايقوله محيطه المهني / الاجتماعي ، وعلى الرغم من ذلك ، فأن ترويجهللاشاعة قد يحصل على قدر من القناعة النفسية وربما التخفيف عنمشاعره ازاء قضية او عدة قضايا في مؤسسته .
ان ترويج اشاعة كون رئيس المؤسسة غير نزيه ، ربما تشير الى اكثرمن كراهية محسوسة اتجاهه . وقد تعني بأن الشخص / الموظف يتهممرؤسه بهذا السلوك الشائن لانه يود القيام بنفس الشيء الا انه لايجرأ على ذلك ، بهذا ينقل الاشاعة الى الآخرين ضمن محيطهالوظيفي مع علمه بخيبة امله .
يطلق على هذا النوع من الاشاعات ، بالاشاعات العدائية او ادامةالاسفين . وعند نشرها يتخلص ناقلها من بعض شعور العداء الكامنفي نفسيته بتشجيع الآخرين على القيام بنفس الشيء .
ليس من الضروري ان يفهم المرء هنا ، لماذا يحس ناقل اشاعة معاديةبالارتياح بعد تداولها ، قد يكون السبب كافياً لأن يشعر بإرتياح أفضلبعد نشرها .
لازال هناك نوع آخر وسبب آخر لانتشار الشائعات . فعندما يشعرالانسان بالتوتر والضيق فإنه يتشبث بأي خبر يلائمه . كما انه ينهمكفي تفكير وتعقيد بصحة الاشياء لمجرد الرغبة بأنها صحيحة .
يطلق على الشائعات المستندة على الرغبة بالوهمية . وتنتشر هذهالشائعات لانها تجعل الناس يحسون بالسعادة . وتظهر بعضالشائعات بشكل عفوي في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ،وتوصف بصراحة بانها شائعات . واذا لم تحصل مبالغة اثناء ترويجها، يبقى الوصف على انها شائعات ، فليس هناك سوى ضرر طفيف ،اما الشائعات الاخرى فهي الخفية والمتداولة سراً التي تنتشر بشكل لايصدقه العقل . ان هذه الشائعات خطرة لأن الراوي لا يشعـربمسؤوليته وانه حر في التعبير عن نزواته ومخاوفه وخصوماته . انه ،يمكن القبول سلبياً بمعظم الشائعات طالما انها خفيفة وتأثرها بطىءفي زعزعة الثقة . ومع ذلك ، هناك اشاعات تحفز على العمل ، وهذهاشاعات ذعر تأتي بشكل تقاريـر ولاسيما في حالة دخول البلد اجواءحرب وما يرافقها من ارباكات على الصعد كافة .
ان خطر هذه الاشاعات يكون حقيقي وصريح وآني ، لان السامعيميل لاتخاذ اجراء سريع وفعال بخصوصها . قد يجمع عائلته فيسيارته الخاصة ويصطحب معه اعز ممتلكاته ، ثم يهرب بعيداً عنالعـدو . بعد ذلك يصبح هذا الشخص نفسه اشاعة وتصبح الاشاعةحقيقة واقعة ، لان الناس حالما يشاهدونه هارباً يقرروا الرحيل معه .
ان الركب الذي يمتد على طول الطريق هو اقوى من كل الاشاعات ،ورمز مرئي لا يحتاج الى اثبات وينشد كل فرد اللحاق به بعد ان يعمالذعر .
مروجوا الإشاعة
أن الحالة التي تشجع على انتشار الشائعة يمكن تحسسها في كلمن الجو العام للجماعات الاجتماعية ، وكذلك في الاحتياجاتالشخصية للأفراد الذين يؤلفون هذه الجماعات .
تنتشر الشائعات في الوسط المتجانس بمنتهى السهولة ، لأنالاحاسيس تكون متشابهة كما ان اجواء الحرب او الممهدة لها ،تساعد على انتشارها اكثر ، لانها تخلق انفعالات حارة بين افرادالمجتمع الواحد ، ولاسيما اولئك الذين يرتبطون بشكل مباشر بظروفالحرب واجوائها ، لانهم يشاطرون آمال النصر وخشية الهزيمة وألمفراق محبيهم ومخاصمتهم للعدو وجميع من يهددهم بالفشل . لهذا ،ان الاشاعة التي تعبر عن تلك الانفعالات هي سهلة القول والتداول……
ومما يشجع على انتشار الاشاعات ، هو عدم توفر المعلومات حولقضايا مصيرية مهمة تهم افراد المجتمع الذين يسعون وراء المعلوماتالتي تهمه اكثر . وكلما زاد اهتمامه كلما احتاج الى معلومات اكثر .
وفي ظروف الحرب عندما تكون الرقابة المدنية مشدودة والاخبار قليلة ،يزداد تهافت افراد المجتمع على سماع آخر الاخبار التي تلجأ وسائلالاعلام للاسهاب في عرضها لكي تلبي رغبات الجمهور . لهذا تنتشرالاشاعات بسهولة ، لأن افراد المجتمع يحبذون سماع الاخبار مهماكان نوعها . كما انه يتقبل أي تقرير اخباري لأن افتقاره للمعلوماتالحقيقية يحول دون التصدي للاشاعة الكاذبة .
ان مما يشجع الاشاعة على الانتشار هو الاستياء والاخفاق والمللالكسل . لهذا نرى ان الاشاعات تنتشر بمنتهى السهولة في الوحداتالاجتماعية الصغيرة .
في الواقع ، يقتضي ان يكون الافراد نشطين لأن الكسل يجعلهم فيوضع متوتر . والاشاعة تؤمن المناخ المناسب للتفتيش عن هذا التوترولو انه غير شافي ، لهذا يتطلب من الدولة محاربة الاشاعة والضجربجعل افراد دولتها منشغلين حتى لو كانوا يؤدون أي عمل .
ان افراد المجتمع مستعدون لتصديق ما هيأتهم الاحداث والتجاربالسابقة التي مروا بها لتصديقه ، وانهم يرفضون القصص التيتخالف توقعاتهم . فأفراد المجتمع يختلفون بخصوص الاشاعات التييصدقونها واحتمال تداولها ، فالمتشائمون يتقبلون اشاعات القلق بينمايتقبل المتفاءلون اشاعات التمني .
ان الشخص القلق حول قضية مـا يتأثر بسرعة بالاشاعات التيتسبب قلقه من قضايا اخرى . اما الشخص العاطل والمتضجروالمرتبك فإنه يتقبل الاشاعة وينشرها في سبيل خلق الاثارة والتنفيسعن ملله واضطرابه .
ان الدافع لنقل الاشاعة معقد الا ان هناك طرق نموذجية متعددة تحتمعلى الفرد اتباعها ، بالاضافة الى الاحقاد والمخاوف والرغبات :-
1- الاظهار ، محاولة لفت الانظار لذات الشخص . قد يروي الشخصاشاعة لكي يزيد من قيمته الاعتبارية بحيث يجعل الآخرين علىاعتقاد بأنه شخص مهم وعلى علم بمجريات الامور ، وربما يروياشاعة لمجرد جذب شخص آخر اليه .
2- تأكيد الثقة بالنفس والمساندة العاطفية ، تروى الاشاعة في هذاالمجال على امل ان بأستطاعة السامع نفي او دحض الاشاعة او اننقلها قد يضعف من توتر الشخص الراوي عن طريق مشاركة الآخرينبنفس العبء . وفي هذه الحالة ، ينشد الشخص العطف وليس الرفض.
3- الاسقاط ، قد يروي شخص اشاعة تجسد المخاوف والرغباتوالاحقاد المتأصلة في نفسيته ولا يشعر بوجودها .
4- الاعتداء ، قد يروي شخص اشاعة بدافع جرح شعور الآخرينولربما انه متورط في فضيحة او وشاية.
5- المحاباة ، يمكن نقل الاشاعة بقصد التودد الى السامع وكسبرضاه . وتبدأ الاشاعة بملاحظة اطرائية لا تستند الا على جزء قليل منالحقيقة او بدونها تقريباً ثم تتحول الى حقيقة راسخة .
ترويج الاشاعة = مقياس نفسية الفرد
تشكل الشائعات مقياساً مهماً للحالة النفسية والادراكية للفرد طالما انترويجها يشبع بعض رغبـات الشخص الراوي ، فالاشاعات المتشائمةالتـي تروج حول هزيمة او كارثة او خيانة – كأشائعات داقة الاسفيناو الشائعات المروعة – هي تلميح من طرف خفي بأن بعض افرادالمجتمع الذين يتداولونها ، اما قلقين او عدائيين .
شائعات التشائم او التفاؤل تدور عادة حول قضايا حياتية / معيشية / مهنية … اشاعات خيالية تشير الى قناعة ذاتية او ثقة متزايدة . يمكنان تؤدي هذه الى اضعاف الحالة المعنوية للمواطن .
وتشير اشاعات القلق على الدوام الى هبوط الحالة النفسية للمواطنكما تشير اشاعات الثقة المتزايدة لنفس الشيء ايضاً .
ان الثقة المتزايدة تجعل المرء اكثر تقبلاً للاشاعة الخيالية واقل تقبلاًللحقائق الواقعية . لهذا نرى ، ان الاطلاع على الاشاعات المتداولة فيأي وقت قد يؤمن دليلاً لاحتياجات ومشاعر افراد المجتمع الذين تتداولالشائعة بينهم .
وتعتبر الاشاعات مقياس الحالة النفسية لجماعات معينة ايضاً . ومادامت الاشاعات تنقل عموماً عن طريق الكلام فإن الشخص الذييسمعها يحتمل ان يرددها امام اصدقائه او ضمن محيطه الاجتماعياو المهني . ولما كانت الاشاعات تتداول على الاكثر عن طريق شبكاتقائمة فإن بعضها يسري في جماعة معينة بينما يسري البعض الآخرفي جماعات اخرى ، تصدق بعض هذه الجماعات الاشاعات ذاتالطابع الانفعالي ، بينما تصدق الاخرى اشاعات من لون آخر .
ان احتياجات الجماعات المختلفة – رغباتهم ، مخاوفهم ، خصوماتهم– تنكشف من خلال الاحاديث غير المؤكدة والمتداولة فيما بينهم . فعددالاشاعات المتداولة في جماعة معينة هو مقياس الدرجة التي تلبيفيها وسائل الاعلام الرسمية احتياجاتهم للمعلومات . فأذا كانت نسبةالاشاعات عالية جداً فهذا يعني بإن افراد المجتمع لا يحصلون علىمعلومات كافية من مصادرها الرسمية . كما يعني في الوقت نفسه بأنهذه الجماعات لا تثق بوسائل الاعلام الرسمية .
اذا كانت الدولة بوسعها تعقيب الاشاعات المتداولة بين افراد مجتمعها، فسوف تعرف الكثير عن مخاوفهم وتطلعاتهم ، كما ستتوفر لديهاقياس بواسطته يمكن معرفة ارتفاع وهبوط حالتهم النفسية . وفيسبيل ذلك يتطلب منها الاجابة على التساؤلات الثلاثة :-
1- بين أي الجماعات تسري الاشاعات ؟
هناك فرق بين أي الجماعات تروج هذه الحكايات .
2- حول أي المواضيع تدور الاشاعات ؟
هنا تكمن الاشارة الى أي المواضيع يفكر بها الافراد ونوع مخاوفهموتطلعاتهم .
3- أي الانفعالات تعبر عنها الاشاعات ؟ هل تشجع على الكآبةوالحزن او هل تبعث السرور ، هل تنم عن صراع ؟
ان الدولة التي تستطيع الاجابة على هذه الاسئلة سنتعرف حتماً علىالكثير بخصوص معنويات افراد مجتمعها .
دور الاعلام
كما ان الاعلام الرسمي قد يساهم من حيث يدري او لا يدري بزيادةرقعة الاشاعة عن طريق بثه لاخبار النغمة الواحدة لكف كل شيءممكن معالجته عن طريق اتاحة الفرصة للرأي الآخر لكي يدلي بدلوهفي المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع .
ويستطيع الاعلام ان يلعب دوراً متقدماً في ابطال مفعول الاشاعاتعن طريق الالتزام بأمانة الرسالة والحرص على احاطة الرأي العامبكل ما يمس مصالحه ويشكل حياته ومستقبله لكي يبقى الارتباطوثيقاً بين الرأي العام والخبر ، بين الفعل ورد الفعل ، ومع ارتفاعمنسوب الاشاعة مع بداية مرحلة السلام التي يعيشها المجتمع ،وحرصاً من دولته على البحث عن الطريق السليم لتطويق الاشاعةوالاشاعات في مضاجعها وبحثاً منها عن الدور الصحيح الذي منالممكن ان تتخذه وسائل الاعلام المحلية .
الاشاعة = الاهمية × الغموض والالتباس
ان الاشاعة تلعب دوراً رئيسياً في الحرب وفي السلام ايضاً ، لانهاتثير العواطف وتترك آثاراً عميقة في النفوس . وتخضع شدة سريانالاشاعة الى شرطين اساسيين :-
الاول – اهمية الموضوع بالنسبة لناقله والمستمع اليه .
الثاني – مقدار الغموض الذي يغلف الموضوع ويحيط به .
والقانون الاساسي في الاشاعة عبارة عن حاصل ضرب الاهمية فيالغموض وليس حاصل جمعها . فإذا كانت الاهمية كبيرة والغموضصغيراً فلن تكون هناك اشاعة . كذلك اذا كان الغموض شديداً فيموقف لا يهمنا فلن تكون هناك اشاعة . وبتعبير آخر ، اذا لم يكنللموضوع اهمية فأن غموضه لا يكفي وحده لاطلاق شائعة .
كذلك ، فأن الشائعة لن تقوم لها قائمة اذا كانت الامور واضحة لاغموض فيها ، لأن الشائعة في تعريفها هي معلومة لا يتحقق منصحتها ولا من مصدرها ، تنشر عن طريق النقل الشفوي . لذلك فهيخطرة جداً خاصة اذا كانت من نوع شائعات الأحلام والأماني التيتنفس عن حاجات الناس ورغباتهم وآمالهم ، لانها تشعر بشيء منالرضى والسرور وتشبع فيهم بعض الحاجات والرغبات او تخفف عنهمبعض المتاعب والآلام .
ومن هنا ، تكمن خطورتها لانها تؤدي الى الوقوع في الفخ الذي ينصبهلهم العدو ، كما تؤدي الى التراضي وعدم الاهتمام بمقاومته .
ان الشائعة تظهر كرد فعل عن غموض تمارسه وسائل الاعلام ويرددبطريقة انفعالية تنم عن ردود افعال مختلفة حول الموضوع الذي تطرحهالشائعة وبالتالي في تسبب رد فعل للمجهود الذي يتداولها في عملعلى تسيير حياته وفقاً لما جاء بها .
اذن ، فالشائعة هي جزء من دائرة كاملة ، دوائر عديـدة نعيش فيها اوبالاحرى تدور فيها ، وسواء اثارت الشائعة ازمة ام رافقتها ام اظهرتها، فأن الناس يفهمونها على اساس انها كلام شديد الخطر مما يعنيان الشائعات هي نبأ ينتقل دون ان يراقبه احد وتنتشر معه مشاعرالخوف والقلق ، لان الشائعات تظهر الازمة العرقية والحالة الاجتماعية، انها الدخان الذي يوحي بوجود نار وليس عود ثقاب الذي يشعلالحريق ، لذلك يجب ان تؤخذ الاشاعة بعين الاعتبار من قبل مسؤوليالمؤسسات الاعلامية ، لان الاشاعة رد فعل طبيعي على عدم احاطةوسائل الاعلام بكل جوانب موضوع الاشاعة التي هي نتاج ثانويلعملية الاتصال الاجتماعي ولها قانونها الخاص والمميز بحيث تكونضعيفة وبدون أي أثر عند المجتمعات المتفتحة والتي تملك وسائلاعلام فعالة . اما في المجتمعات التي تعاني من ضعف قطاع الاعلامتصبح الاشاعة قوة مسيطرة ذات تأثير كبير .
تكرار الاشاعة
من الغريب حقاً ، ان الاشاعة التي نسمعها اليوم وكأنها اخبار جديدةقد تكون قصة مشهورة لعقود عديدة سابقة ظهرت بطابع جديد . انالشائعات تستمر بالتداول طالما انها تلبي رغبات الناس من خوفوآمل وعداء .. التي لا تتغير من جيل لأخر .
ومن الأسباب الأخرى التي تساعد على استمرار الاشاعة وظهورهابين عام وآخر هو توقيتها وسهولة تذكرها وتكرارها . وتعتبر مقبولةظاهرياً ولو ان هذا القبول لا يتطلب الاعجاب او التحقق من صحتها .
ولكي تتداولها الاجيال المقبلة ، فأن الاشاعة شأنها كأي شكل مناشكال الادب الرفيع لابد ان يحتفظ بصفات تستحق الاهتمام . كماتقتضي ان تكون مثيرة وتستحوذ على المشاعر وتنتهي بنهاية ساخرةغير متوقعة .
تبدل الاشاعة:
لما كان الاشخاص متعصبين لقصصهم الخاصة ويرفضون أي شكحولها . فإن اجاباتهم للمتشككين تكون اكثر ايجابياً وتفصيلاً ، وذلكلزيادة قبول الاشاعة .
تنسب الاشاعة في البداية الى مصدر مسؤول وفيما بعد الى شخصبارز ، تداول الاشاعة هنا كحقيقة حتى لو صرح مروجها بأنها اشاعة:- ” سمعت هذا لكن لا اعلم ان كان هذا صحيحاً أم لا ” .
ان هذه الصنيعة تحرر المرء الناقل للإشاعة من أية تبعية او مسؤوليةوتسمح له بترديدها دون أي شعور بذنب . كما إنها تتيح اليه الفرصةلزخرفتها والمبالغة قليلاً وإضافة نقطة او نقطتين لجعلها قصة متكاملة.
تعتبر الأسماء والأرقام والأماكن من أكثر المكونات غير الثابتة لأيإشاعة . هناك العديد من الإشاعات التي تتناقل في بلدان مختلفة وانمصدرها واحد ، ولو ان كل بلد يستخدم الأسماء والأماكن المعروفةلدى مواطنيه .
تميل الاشاعة دوماً لتكون واقعية وواضحة رغم غموضها في البداية . ان الاشارات الملموسة اسهل تذكراً واعداداً ، ولهذا السب انالاشارات الغامضة قد تتلاشى او تتغير .
الرقابة وتقييد الاشاعة
ما دامت الرقابة تحجب الاخبار الهامة فأن الاشاعة تبقى في طورالتداول . وعندما تكون الرقابة صارمة فأن جميع الشائعات المثبطةللمعنويات تلقى رواجاً . اما اذا كانت الرقابة متسامحة نوعاً ما فلاتنتشر الشائعات ولا تثبط المعنويات . وبالطبع ، ان الرقيب يبقى بيننارين . فأذا سمح بتدفق الاخبار بكثرة فأن العدو ينتفع منها بأفراط ،واذا حجبها عن النشر فأنها تـؤدي الى اضعاف معنويات ابناء وطنه. لهذا ، لابد ان يختار الرقيب حلاً وسطياً بين الاثنين .
ان الرقباء او المسؤولين عن تقييد الاشاعة ورصدها بين افرادمجتمعهم يمكن ان يستفيدوا من القواعد المذكورة ادناه والمبينة علىالملاحظة العلمية :-
1- تأمين حسن النية في وسائل الاتصالات الرسمية – تبدأ الاشاعةبالانتشار عندما يفقد الشعب الثقة بصحة بيانات حكومته وقواتهاالمسلحة وصحافتها وبقية وسائل اعلامها ….
2- تنمية شعور الاخلاص لافراد الحكومة ورموز الدولة – يمكن لافرادالمجتمع تحمل الرقابة وفقدان الاخبار عندما يتأكدوا بأنهم لم يخدعوابمعلومات مزيفة وان كل ماحجب لسبب معقـول . ان هذا ينطبق علىاكبر مسؤول في الدولة الى اصغر موظف ….
3- ذكر حقائق اكثر كلما أمكن – يستوجب فسح المجال لوسائلالاعلام المختلفة بنشر اخبار كاملة ومفصلة كلما امكن دون ان يستفادالآخر المختلف منها . ان الافراد بحاجة الى حقائق وعندما لا يجدونهافأنهم يأخذوا بالاشاعة .
4- اجعل رجالك منهمكين في اعمالهم – يجب تجنب الكسل والمللضمن السهل املاء العقول الفارغة بقصص خيالية ومفزعة ، كما انالبطالة تشجع الثرثرة .
5- حارب مروجي الاشاعة – نظم حملة ضد الشائعات ، اكتشفالاشاعة والدعايات التي يروجها العدو . كذب بعض الشائعات ببيانبأنها مزيفة وغير حقيقية ، حاول رسم صورة كاريكاتورية ساخرةلمروجي الاشاعة .
إشاعة الحروب
تعتبر الإشاعة سلاح فعال في الحرب النفسية لانها تصل اذن السامعبدون ان تبدو كدعاية وتنتشر بفعل قوتها الذاتية . ان الطرق التيتستخدم فيها الإشاعة في الحرب الدعائية هي :-
1- أحداث التمزق – يمكن استخدامها هنا لإحداث الاضطراببالمعنويات او لزيادة شقة الخلاف بين أبناء البلد الواحد . يمكن تحطيمالوحدة الوطنية القائمة بمجرد إثارة شك مقبول .
ان الإشاعة لا تبث أي شيء أبدا ولكن قد تؤدي مهمتها اذا استطاعتخلق جو من عدم الثقـة .
2- استخدامها كحجاب دخان – يمكن للإشاعة أخفاء الحقيقة ، انطريقة الترويج هي التصريح بعدة أسرار بحيث ان السر الحقيقييتعذر كشفه من بين التصريحات المتضاربة .
3- تكذيب مصادر الأخبار– يعتبر هذا الأسلوب من الأساليب البارعة . ففي عام 1941 ، حاول البريطانيون قصف محطة الإذاعة الرئيسيةفـي برلين عدة مرات ، وعندما أخفقت محاولاتهم نشر الألمان – تقاريرغير مؤكدة – على ان البريطانيون نجحوا في مسعاهم ولمدى وصولالشائعات الى انكلترا اعتبرها البريطانيون تأكيد لنجاحهم ونشروهاعن طريق الإذاعة البريطانية ، بعد ذلك قامت وزارة الدعاية الألمانيةبأصطحاب الصحفيين الأمريكان الى ساحة العمليات لإثبات عدمصحة التقارير البريطانية وكشف زيف الإذاعة البريطانية .
4- الإغـراء – يمكن استخدام الإشاعة لمعرفة الحقيقة . ففي الحربالعالمية الثانية ، شرع اليابانيون بترويج إشاعات حول الخسائرالأمريكية في المعارك البحرية ، لم يكن اليابانيون يعرضون حجمالخسائر الأمريكية ، ومع ذلك فقد رغبوا بمعرفتها …. استمرتالإشاعات بالانتشار وكانت مؤثرة على معنويات الأمريكان رغم حداثةالأسلوب . لو أذاعت الحكومة الأمريكية الحقيقة فيما بعد في سبيلتعزيز وتحصين المعنويات لحصل اليابانيون على المعلومات التيينشدونها .
فـي أي مبولة سمعت ذلك ؟
هناك – عيادة للشائعات – تقوم هذه العيادة بجمع كافة الشائعات منالإفراد المسؤولين عن مكافحة الشائعات او الإفراد الذين يزودونالعيادة بالشائعات كمتعهدي المقاهي ونوادي الليل والبارات …. الذينيسمعون الكثير من اللغط والكلام غير المجدي بعد ذلك تقوم العيادةبفحص الشائعات وتقرر تقيدها او تصحيحها ، كما تبين بأن هذهالشائعات كاذبة ولابد من معاملتها بسخرية .
بإمكان صانع القرار فتح عيادة خاصة للشائعات في كل دوائر دولتهمع لوحة إعلان للشائعات المتداولة ، كما ان بإمكانه تشجيع أفرادمؤسساته الرسمية وتعويدهم على التساؤل بنفس الطريقة التي تعوّدعليها الجنود الأمريكان لسنوات عديدة ” فـي أي مبولة سمعت ذلك ؟ ” . وعندما تثار المشاعر وهناك شحه في الأخبار الصحيحة فمنالمستحيل وقف الإشاعة .
ان هذه الحقيقة لا يمكن التأكيد عليها أكثر من ذلك ، وعلى الرغم منذلك فأن تأثيرات الإشاعة يمكن تقييدها وجعلها تافهة باستخدام هذهالوسائل المختلفة .
وتؤثر هذه الوسائل ليس على المدنيين فحسب وإنما على الجنود الذينجرت عليهم التجربة. وعموماً ، ان أفضل طريقة للقضاء على الإشاعةهي تجاهلها . ويتعين على أفراد المجتمع ان يبقوا منهمكين فيأعمالهم .
التوثيق :
1ـ ارثر مارديك – الحرب والتحول الاجتماعي في القرن العشرين ،ترجمة – سمير عبد الرحيم الجلبي ، ط1، دار المأمون ، يغداد ، 1990
2ـ جاستون بوتول– الحرب والمجتمع ، تحليل اجتماعي للحروبونتائجها الاجتماعية والثقافية والنفسية ، ترجمة – عباس الشربيني،دار النهضة العربية ، بيروت ،1983
3ـ جان.نويل كابفيرير – الشائعات ، الوسيلة الاعلامية الاقدم فيالعالم ، ترجمة – تانيا ناجيا، دار الساقب ، بيروت ،2007
4ـ علاءالدين حسين مكي خماس – افكار حول الحرب ، ط1، دارالشؤون الثقافية ، بغداد ،1987
5ـ مختار التهامي – الرأي العام والحرب النفسية ، د ط ، دار المعارف، القاهرة ،1967
6ـ ماركو ميلوش – الحرب النفسية ، ترجمة – لبيب طه ، د ط ، دارالثقافة الجديدة ، القاهرة ، 1973