ظهرت تيارات سياسية ودينية , ترسخت انظمة سياسية , تعملقت شخصيات عسكرية وحزبية , وتعددت أتجاهات أجتماعية راحت تلهث وراء الحكومات بتحقيق مآربها ومصالحها .
كل ذلك حدث بعد الوقائع السريعة التي شهدها البلد خلال السنوات الماضية , وهي انعكاس او نتيجة تداعيات عقود من السياسات التي فرضها الواقع العربي المكتنز بالمتناقضات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتداخل السياسات والافكار المؤثرة اقليميا ودولياً..حيث ظلت ولم تزل الساحة العربية ميداناً للصراعات المذهبية التي غدت لضىً يحرق البسطاء والعامة من الناس. وجد الادعياء والمخططين لها ووقودها يستعرفي العقول والنفوس لدى الجهلاء والسذج الذين يشكلون طيفاً واسعاً من الشعب .
ان تيار الكفاح المسلح الذي برز في بدايات عقد الخمسينات وما تلاها من اعوام شهدت حروباً خسر فيها العرب الكثير من البشر والمال نتيجة عبثية التصرف القائم على تعظيم وتمجيد الحكام والشخصيات السياسية الممزوجة بالروحية والسلوك العسكري والعشائري والبدوي .
ان ذلك جاء نتيجة طبيعية للتماهي مع شخصية شيخ القبيلة والعشيرة التي نشأ فيها (السيد الرئيس) قبل ان يكون حاكماً او قائداً عسكرياً يسعى الى رضوخ الافراد واعتماد سياسة القطيع .. تلكم عقدة الشيخ والاقطاعي الذي قمع ابناء عشيرته ومنطقته ظلت متقده كالجمر في عقول الكثيرين من الذين دخلوا الكليات العسكرية , ليمتلكوا السلطة والسلاح والتطلع ولو بعد حين.
ان هذه السلوكيات انعكست على تصرفات وافكار الحكام الذين سيطروا على الشعوب العربية ومنها العراق .. وما عمق الفجوة هو رضوخ الافراد وتقزيمهم من ناحية وتأليه الحاكم وصناعة الولاء المطلق له من ناحية اخرى .
ان هذه المعادلة أدت الى غياب الولاء للوطن . وقبلها العمل مع استمرار التهديد الداخلي والخارجي على صناعة ولاءات اخرى تبدأ من الولاء للاسرة والمنطقة (فالفرد العربي مازال لحد الان , رغم الجهود المبذولة , يدين بالولاء الاقوى لاسرته وبالولاء القوي لعصبيته سواء كانت العصبية قبلية ام عائلية , وبالولاء الاعتباري لمذهبه , وهنا تنتهي حدود الولاء لان الفرد يكون قد استنفذ الطاعة الولائية ).
وقد كشفت السنوات الماضية عن تحول المجردات السياسية الى وقائع ملموسة عن طريق الرمز الحسي حيث ان الحاكم يتجسد من خلاله الولاء للوطن , وبالتالي اصبح الوطن بكل تأريخه وقيمه وحضارته وتقدمه وحتى تخلفه مرهون بالشخص الذي يقود (عربة) الوطن . فهو صانع الحروب والسلام والربح والخسارة . بل ان كيان المجتمع يقترن وجوده بكلمه من الحاكم. وبذلك تتحول المجردات السياسية والاجتماعية الى وقائع ملموسة .
ان هذه الوقائع أدت الى خراب المجتمع والفرد مما أنعكس على الدولة والولاء لها . وفي ظل هذه التداعيات طرحت المنظومة الدينية نفسها على الواقع الجديد بديلاً..تلك المنظومة التي تعيش مفردات الماضي السحيق والاختلاف حول الخلافة مما ولد جيلاً جديداً يعيش على الفرقة والقتل ليندحر الولاء الاكبر للوطن .