23 ديسمبر، 2024 2:33 ص

كأي صناعة أخرى , وتحتاج لإيمان بها وقدرات إبتكارية لبنائها وتنميتها وتطويرها , والوصول بها إلى ذروتها التفاعلية والإبداعية اللازمة لتسويقها , وتحقيق تنافسية عالية على التوافق معها والإنطلاق بها ومنها.
والشعوب التي تريد الحياة تستجيب لإرادتها وتنطلق فيها بقدرات لا محدودة , ولا فرق ما بين شعوب الدنيا إلا بهذا التفاعل القائم ما بينها والحياة , فبعضها لا يريد الحياة والبعض الآخر يريدها , وفي الحالتين يتم توظيف المعتقدات والرؤى والتصورات والموروثات لإنجاز مشاريع قتل الحياة أو صناعتها وإحيائها.
وفي المجتمعات العربية يتحقق سلوك كراهية الحياة وإحتقارها والعدوان عليها وتسفيهها , ويقوم المتاجرون بالدين بتوظيف ما يحلو لهم من الآيات والأقوال والخطب والأشعار وغيرها , لتعميق سلوك كراهية الحياة وتحبيب الموت والخراب والضياع والدمار.
أي أن العملية بجوهرها عبارة عن تسويق أفكار وتطلعات وتأكيدها في الواقع اليومي للبشر , مما يدفع بهم إلى سلوكيات متراكمة ومعززة للحالة التي يريدونها.
وهكذا تجد العالم العربي متخوم بثقافات الموت والدعوات المتواصلة للقفز إلى ميادينه , والعمل الجاد على التكريه بالحياة وتوفير الأسباب والمسوغات لتأكيد ذلك , ويقوم المعممون بإصدار الفتاوى وإلقاء الخطب الموتية , القاضية بضرورة وأهمية وقيمة الموت والتمتع بحياة ما بعده , التي هي أبهى وأبقى من الحياة في الدنيا , بمعنى أن ما يُشاع هو ثقافة الآخرة المتصورة والمتخيلة , والتي يُراد للبشر أن يتقافز إليها بالجملة , ومنعه من ممارسة الحياة وصناعتها والتعبير عما فيه من طاقات وقدرات فيها.
وهذه الثقافات السلبية المدمرة تساهم بقوة في تأسيس الواقع الأليم الذي يعيشه الناس في المجتمعات العربية , وعلى ضوئه تتشكل الأحزاب والفئات والمجاميع الفاتكة بالدنيا والحياة.
ولا يمكن لمجتمع بشري أن يمارس الحياة الحرة السعيدة , وهو مبتلى بثقافات موتية حارقة تثير فيه مشاعر العدوانية والكراهية والبغضاء , والإنتقامية من معاني وجوده وما يدور حوله من منطلقات حياة.
وعليه فأن المجتمعات العربية لكي تكون قوية وذات قيمة تفاعلية معاصرة , عليها أن تنتبه إلى ما يسود من ثقافات سوداوية موتية تحبب الموت وتكرّه بالحياة , ولا بد من إشاعة ثقافة الحياة والبناء والجد والإجتهاد والقدرة على التقدم والرقاء , بدلا من ثقافات اليأس والقنوط والخراب وإستلطاف الضراء والنفور من السراء.
إنها ثقافة ما فينا تؤسس لما حولنا من الوقائع والشواهد والتفاعلات , فهل سنغير ما فينا لكي يتغير العالم من حولنا؟
وهل سنتعلم مهارات صناعة الحياة يا عرب؟!!