22 ديسمبر، 2024 6:18 م

صناعة الثورات والانقلابات

صناعة الثورات والانقلابات

بعيدا عن الخوض في تاريخ العديد من الثورات العالمية واسبابها ودوافعها ومدى تأثيرها في المجتمعات التي حدثت فيها، خاصة تلك التي تسببت في إراقة دماء الآلاف من البشر أو ربما بسببها ارتفع منسوب الضحايا إلى الملايين، ويصح العكس أيضا في ثورات ناعمة كالتي اعتمدها المهاتما غاندي في الهند، لكن ما يهمنا هنا هو الخوض في غمار ثورات وانقلابات وقعت في الشرق الأوسط والكثير من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وبسببها سالت دماء كثيرة وضاعت فرص ذهبية للتطور والإزدهار بسبب التقاتل على السلطة، وبعيداً عن التعريف السياسي والفلسفي والفكري للثورة وأسبابها وأساليبها وأهدافها وبسؤال بسيط يمكننا فتح لغز كثير من عمليات التغيير الفوقية التي حصلت في دول الشرق الأوسط، والتي ادعت بأنها ثورات بمفهومها السياسي والفكري والاجتماعي خاصة تلك التي وقعت في العراق وليبيا وسوريا ومصر واليمن والسودان، بما فيها ما حصل في بلدان ما يسمى بالربيع العربي الذي ماتزال شعوب تلك الدول تدفع فاتورة باهظة لتداعياتها دون أن تحقق الحد الأدنى مما كان يرتجى منها.
وهذا السؤال يكمن في مَن المستفيد من تلك العمليات التي ساهمت فيها كثير من الدول وأجهزة الاستخبارات العالمية، وإذا ما نحينا الشعب جانبا لأنه لم يكن المستفيد بالمطلق باستثناء اكسسوارات لا تسمن ولا تغني من جوع، استخدم أصحاب تلك العمليات شعارات تخديرية كوسيلة للوصول الى السلطة لتثبيت وتكريس دعائم حكمهم ومخططهم الذي يخفي الكثير من المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة، قلنا اذا ما نحينا الشعب جانباً سندرك من هي تلك القوى المستفيدة من العمليات سواء في الداخل حيث يهيمن حزب أو فرد أو مكون قومي أو ديني أو مذهبي على الحكم ويحيله الى دكتاتورية مقيتة، كما حصل في انقلابات العراق وسوريا واليمن والعديد من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخارجياً تلك الدول التي حققت مصالحها ضمن مشروع الهيمنة على المنطقة سواءً أيام الحرب الباردة أو ما بعدها في الصراع الأمريكي الروسي، ثم الروسي- الصيني مع أمريكا وأخيراً الصراع الإيراني والتركي على كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولة الهيمنة عليهم من خلال أذرع سياسية وميليشيات مسلحة.
وبالرغم من بعض الهفوات هنا وهناك فقد تصدرت الثورة الكردية والفلسطينية والجزائرية قائمة الثورات التي تستحق أن تحمل تلك الصفة بتعريفاتها الحقيقية وليس السلطوية بما تميزت به من تأثير اجتماعي وسياسي وثقافي لغالبية الأمة، والتي أحدثت على الأرض تغييرا جذريا في مفاصل مجتمعاتها رغم ما واجهها من تحديات وربما انقلابات او انقسامات إلا أنها حررت الجزائر وحققت خطوات متقدمة للاستقلال الذاتي في كل من كردستان وفلسطين، وهذا لا ينفي وقوع عمليات تغيير لم ترتق الى مستوى الثورة الحقيقية بسبب تآكلها أو تفرد قيادتها بالسلطة وإخضاع غالبية الأمة إلى هيمنتها المطلقة كما حصل في العراق وإيران والدول متعددة المكونات، حيث أن تداعيات تلك الانقلابات أكدت أن المستفيد الرئيسي لم يكن الشعب، فقد تحولت بعد سنوات قليلة إلى دكتاتوريات وأنظمة شمولية لا تسمح لغيرها بالمشاركة في الحكم إلا تابعا، ولا تقبل المعارضة الحقيقية بل وتنفي بالمطلق التعبير عن الرأي ما لم يكن لصالحها أو مؤيداً لها، وبذلك سقطت عنها صفة الثورة التي اعتمدت شعار من أجل الشعب أساساً لانطلاقها، فأصبح الشعب في حكمها أكثر بؤساً مما كان عليه في حكم غيرها، والنماذج التي تؤكد ذلك عديدة بل طاغية على تلك التي نجحت نسبيا بإحداث تغييرات جذرية لصالح شعوبها.
[email protected]