صناعة التفاهة والانتخابات العراقية:الأسباب والتداعيات

صناعة التفاهة والانتخابات العراقية:الأسباب والتداعيات

انتشرت ثقافة التفاهة في العراق بشكل كبير، خاصة بين الأجيال الشابة، مما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية. يبدو أن صناعة التفاهة أصبحت قوة مؤثرة في المشهد السياسي العراقي، خاصة خلال الانتخابات.

وبات التركيز على المظاهر من أهم وسائل التأثير، فالمشاهير والسياسيبن يركزون على المظاهر الخارجية، مثل الشكل والملابس، بدلاً من الجوهر والقيم الحقيقية.

وتُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لصناعة وتصدير بعض التافهين، وتصورهم على أنهم نجوم وقدوة.

اما الترويج للقيم السطحية فيتم عبر الشهرة والمال، على حساب القيم الحقيقية، مثل الأخلاق والوطنية.

ففي خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها العراق، لم تعد أزمة الدولة محصورة في البُعد السياسي أو الاقتصادي فحسب، بل تجاوزته إلى عمق النسيج الثقافي والاجتماعي، حيث تسير تحولات صامتة، لكنها عميقة الأثر، تعيد رسم ملامح الشخصية الجمعية، وتُعيد إنتاج القيم والسلوكيات، في ظل ما يمكن وصفه بـ”سيولة ثقافية” باتت تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية. فبينما تنشغل النخب بخطابات السلطة وتقلبات التحالفات، يجري على الضفة الأخرى انزياح غير مسبوق في بنية الذوق العام، وتحوُّل تدريجي نحو التفاهة والسطحية، تحت وطأة الإعلام الرقمي وتأثير النماذج الاستهلاكية العابرة للحدود.

قطاع الشباب يشهد وهو الشريحة الأكبر في المجتمع العراقي – تحوّلات لافتة في منظومة الاهتمام والانشغال، يتأرجح فيها بين قطبين متطرفين: الأول هو اللهو الافتراضي غير المنضبط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي حوّلت الواقع إلى “حالة رقمية” تقترن غالباً بالهروب من قسوة الواقع إلى عالم لا تحكمه قواعد الهوية الثقافية أو المحددات الأخلاقية. أما القطب الثاني فيتمثل في الاستغراق في الجدل السياسي المفرغ من أيّ عمق معرفي، فتنقلب ساحات النقاش إلى زوايا للتخوين والتسقيط، تُبنى مواقفها على معلومات مبتورة، ومصادر مضلّلة، ومشاعر غاضبة.

وعلى هوامش هذا الاضطراب، تنمو طبقات جديدة من “المؤثرين” الذين يستمدّون شرعيتهم من عدد المتابعين لا من عمق الفكر، اذ صعدت نماذج جديدة من صُنّاع محتوى فارغ، يتاجرون بالسطحية ويستثمرون في الترفيه الفارغ مستفيدين من غياب الرقابة القيمية وانهيار المعايير الرمزية، بل أن بعضهم صار مادةً للتداول الإعلامي والسياسي، في مفارقة تُجسّد بدقة ما وصفه المفكر الكندي (آلان دونو) في كتابه “نظام التفاهة”، حين اعتبر أن الأزمة لا تكمن في صعود التافهين، بل في قدرة المجتمع على منحهم الشرعية والتأثير.

ان أسباب انتشار التفاهة يعود إلى

– التأثير على وعي الناخبين ويمكن أن تؤدي صناعة التفاهة إلى تضليل الناخبين وتأثير على وعيهم السياسي.

– تفضيل المرشحين التافهين، قد يفضل الناخبون المرشحين الذين يظهرون بمظهر تافه، بدلاً من المرشحين الذين لديهم برامج سياسية حقيقية.

– تدهور الخطاب السياسي يمكن أن يؤدي صناعة التفاهة إلى تدهور الخطاب السياسي وتحويله إلى صراعات شخصية وحزبية.

لقد وظّفت الأحزاب التافهين لتسويق مشروعها، ولم يكن صعود التافهين إلى المشهد العام في العراق محض صدفة، بل هو نتاج هندسة متعمدة من قبل منظومة الفساد التي أدركت أن التافه أسهل ترويضاً وأسرع تبنياً لخطابها من صاحب الرؤية.

فتحول التافهون، بأسلوبهم السوقي وتفكيرهم الممسوخ، إلى أدوات دعاية، ليس لحزب أو شخصية، بل لمنظومة فساد كاملة، ينشرون السمّ بعنوان “الوطنية”،لذا لابد من تعزيز الوعي بين الناس حول تأثير صناعة التفاهة على المشهد السياسي.

ويجب دعم الإعلام الحقيقي والموضوعي، بدلاً من الإعلام التافه.، فضلا عن تعزيز القيم الحقيقية، مثل الأخلاق والوطنية، بدلاً من القيم السطحية.

وللخروج من هذا المنعطف لا يمكن أن يتمّ عبر إصلاحات تجميلية أو حملات إعلامية وقتية، بل يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تعيد الاعتبار للثقافة بوصفها ركيزة الأمن القومي، وتستثمر في التعليم النوعي، وتُفعّل دور المؤسسات الثقافية، وتُعيد للمثقف دوره كفاعل اجتماعي لا كمجرّد كاتب رأي، كما يتعين على الدولة أن تضع حداً للفوضى الإعلامية، وأن تضع ضوابط تحمي الذوق العام دون المساس بحرية التعبير، لأن الخطر الحقيقي لا يكمن في أن يصرخ الجهل، بل في أن يصمت العقل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات