قضاء ما فات عن المتوفي من صلاة وصوم , هل هي واجبة على ابنه الاكبر ؟! وهل جاء بها نص قراءني ؟! ولماذا يكون القضاء على الولد الاكبر دون اخوته؟! اسئلة عدة تحتاج الوقوف عندها بتدبر.
لم يثبت بالفحص والتدقيق بدليل قطعي وغير قابل للنقاش ان مابذمة المتوفي من فرائض ملزم بها ابنه الاكبر بعنوان الواجب , لانه لم نجد اية في القران الكريم تشير بالوجوب لهذا , نعم وردت روايات قلائل غير مستفيضة بعضها مخدوش.
الرواية الاولى: عن عبدالله بن سنان عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولَى الناس به» تدبر نص قول الامام , الصلاة التي دخل وقتها وليس الماضية وهذا لا يتعدى اكثر من 2 ركعة صبحا او 8 ركعات ظهرا وعصرا او 7 ركعات في المغرب والعشاء , حسب وقت الوفاة , وهذا يعني ان الصلاة مرتبطة بالوقت الفائت المحدد لا القضاء , القضية الاخرى الامام (ع) لم يقل الابن الاكبر بل قال اولى الناس به , قد يبرر معنى الاولى به بالابن الاكبر لكونه ينال من رعاية ابويه اكثر من غيره من الابناء باعتبار طول الفترة التي يقضيها مع والديه وكذلك يعطى من الميراث الحبوة , فهذه العوامل تصلح ان تكون سببا لفرض تكليفه بقضاء ما ترتب في ذمة ابيه, ولكن اليوم وبعد تعقيدات الحياة تغيرت الحبوة فبدل الفرس اصبحت سيارة قد تكون غالية الثمن جدا وبدل السيف اصبحت البندقية والمسدس , فهل الاخوة يتنازلون بها لاخيهم الاكبر ؟! ثم ماذا يكون الحكم لو ان الابن الاكبر في خلاف مع ابيه وليس هو المذنب ونحن نشهد كثيرا من الحالات ان ابا يهمل اولاده الكبار ويهتم بالصغار من زوجته الثانية حتى بعضهم يسجل ممتلكاته الثابته باسماءهم ويحرم ابناءه الكبار منها ولا يبقى لهم ميراث في حالة وفاته .
الرواية الثانية: عن ابن ابي عمير حفص البختريّ، قال الامام الصّادق (ع) [الرّجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال : يقضي عنه أولى النّاس بميراثه، قلت : فإن كان أولى النّاس به امرأة ؟ فقال : لا إلَّا الرّجال]…راوي الحديث البختري , المحقق الحلي يرى الحديث ضعيف , والشيخ الطوسي اهمله , وموثق فقط من النجاشي , مع ان المحقّق الحلي في الشرائع في مبحث الصلاة لم يتكلّم حول قضاء الصلاة عن الميت أصلاً , وكذلك العلامة الحلي في التذكرة ذكر قضاء الصوم أو التصدّق مكانه، وحكم من صام تبرّعاً عن الميت ، وذكر روايات الفريقين وأقوالهم فيه ، أمّا في كتاب الصلاة فلم يأت بكلمة في موضوع قضاء الوليّ للصلاة… على العموم الحديث لم يخصص فيه الابن الاكبر حتى وان صح فرضا , يبقى متعارضا مع الاية القرائنية الكريمة التي تقول :[ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى – النجم – الآية – 38 ] اي كل إنسان وحده محاسب عن أعماله كلها، ولا يتحمل إنسان حمل عمل آخر حتى ولو كان ابنه , فوازرة النفس لا تحمل حمل غيرها، كل إنسان محاسب عن عمله، مسؤول عن خطئه.
اليزدي في «العروة الوثقى» قال: «يجب على وليّ الميت ـ رجلاً كان الميت أو امرأة على الأصحّ حرّاً كان أو عبداً ـ أن يقضي عنه ما فاته من الصلاة، لعذر من مرض أو سفر أو حيض فيما يجب فيه القضاء، ولم يتمكّن من قضائه»الملاحظة على راي اليزدي انه اضاف المراة حتى وان كانت عبده ولكن المشكلة في كيف تفوت الصلاة لعذر ؟! وليس هناك عذر لترك الصلاة الا في قضية المراة الحائض وهذه لا قضاء فيها.
راي الفقهاء المتقدين بان الصوم والصلاة وغيرها مما اشتغلت به ذمة الميت لاتشتغل به ذمة ولي الميت بل يلزم على ولي الميت تفريغ ذمة الميت من تركته , لكن الفهاء المتأخرين استندوا الى روايات قالت في الصلاة والصوم يقضي عنه ولده الأكبر والواقع ان هذه الروايات ضعيفة السند معتبرين أولى الناس به هو الابن الاكبر , لكن لا اختصاص لهذا الحكم بالولد الأكبر , فشغلوا ذمته بما فات من صلاة وصوم لابيه, واختلفوا هل يقضي جميع ما فات بذمة ابيه او يقضي ما فات منها بعذر…المشكلة في لو ان الميت عليه صلاة وصوم ليس بعذر, فهل يقضى عنه ؟! اغلب الفقهاء قالوا على الاحوط وجوبا القضاء عنه , فكيف لشخص يعصى الله ولا يطعه بعد ان يموت يصبح على ابنه الاكبر واجبا اداء صلاته وصومه؟!
مدرسة اهل السنة لا يقرون بالقضاء من الصلاة الواجبة الفائتتة عن الميت سواء بعذر او بدونه , نعم القرطبي يقول : من البِرِّ بعد الموت أن تصلِّيَ لوالديك مع صلاتِك ـ وأن تصومَ لهما مع صيامِك” وذلك في النّوافل المُهداة لا في الفُروض من حيث القضاء , اما الصيام الواجب على راي فقاءهم فبقضى عن الميت , فقد روي عن عائشة أنّ النبيّ(ص) قال: من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه، ورووا أن امرأةً جاءت إلى النبيّ (ص) فقالت: إنه كان على أمّي صوم شهرٍ فأقضيه عنها؟ فقال: أرأيت لو كان على أمّك دَينٌ أكنت تقضينه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يُقضى، ومثل ذلك رووا في الحجّ .
اخيرا…انا ابريء ذمة ولدي الاكبر ولم اشغل ذمته ما بذمتي من صلاة وصوم سواء ما فات مني من اداء هذه الفرائض بعذر او بدونه , فانا اولى بتكليفي الشرعي واتحمل مسؤولية تقصيري.
بنفس الوقت هذا المقال لا يعتبر دعوة وتبرير للابن الاكبر ان لا يؤدي الواجب اتجاه والده فهذا يعتبر عقوق عليه , وانا اردت تبيان وايضاح بان الواجب الشرعي لا يمكن ان ينتزع من ذمة لاخرى حتى وان كان بين الوالد وولده , وان المعطيات الدالة لم تثبت اختصاص الابن الاكبر بهذا الواجب , فالاولى بالميت كل من يرثه , فلماذا انحصرت في الابن الاكبر؟!وهذا التحديد والعنوان لم يرد على لسان اهل البيت (ع) كما بينا بل هو من افكار الفقهاء المتاخرين .
في النهاية اشيركم الى قول الامام الصادق(ع) بقوله: ما يمنع الرجل منكم ان يبر والديه حيا وميتا ويصلي ركعتين تطوعا واستحبابا ويهدي ثوابها للميت .