كُنتُ أتمنى أن يكون تحقيقاً صحفياً، أكشف من خلالهِ الإبتزاز الأخلاقي، الذي تتعرض لهُ بعض العاملات في الوسط الإعلامي والثقافي والأدبي وحتى السياسي، لكن للأسف فأن الخوف من الفضيحة بسبب نظرة المجتمع، والثاني من ردة فعل المفضوحين الإبتزازيين، سكتت ألسن المتعرضات للإبتزاز الأخلاقي، وإنما أعطوني رؤوس أقلام، بأن ثمة شبكات دعارة يقودها أُناس مرموقون في تلك الأوساط(من كلا الجنسين)، منهم مدراء مؤسسات إعلامية وثقافية، مهمتها تجنيدهم للعمل ضمن الشبكة…
هذا الموضوع ذكرني بفضيحة المخابرات المصرية ومديرها “صلاح نصر”وضابطهُ المُكلف “صفوت الشريف” الذي إعترف بشكل كامل عن تجنيد كثيرات لا سيما من الوسط الفني، منهم المقتولة والمسجلة كمنتحرة “سعاد حسني”، وكيف تم إستدراجها وتجنيدها، وإليكم نص إعترافات “الشريف” بخصوص “سعاد حسني” حسب ما جاء في محضر التحقيقات يوم الخميس الموافق 29/2/1968 الساعة 11 صباحاً بمبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة /عبد السلام حامد أحمد: رئيس النيابة وعضو مكتب التحقيق والادعاء، ومحمود عباس: أمين سر مكتب التحقيق والادعاء:
“من ذلك عملية خاصة بالممثلة سعاد حسني تمت في حوالي أكتوبر أو نوفمبر سنة 1963 حيث اتصل بي حسن عليش وطلب مني إجراء عملية كنترول عليها(يقصد سعاد حسني) كما أصدر نفس الأمر لمحمود كامل شوقي وكان الأخير قد اقترح من حوالي شهرين سابقين على حسن عليش أن يتم تجنيد بعض السيدات من الوسط الفني للعمل معنا ضمن خطة لتوسيع قاعدة المندوبات وكانت سعاد حسني من ضمن الأسماء المقترحة ولكن حسن عليش وقتها لم يوافق على التجنيد من الوسط الفني وقال دول ناس كلامهم كتير ومافيش داعي دلوقتي. ولما كلمني بعد كده بشهرين قال لي أنه عاوز ينفذ الموضوع الخاص بسعاد حسني فوراً ويتعمل عليها كنترول وقال لي اتصل بمحمود كامل شوقي علشان تتفاهم معاه وتعطيه التعليمات اللازمة وأنا حا أكلمه وفعلاً اتصل به وأعطاه نفس التعليمات حسبما سبق أن ذكرت.
وبناء على ذلك اتصل محمود كامل شوقي بإحدى مندوباته وتدعى “ريري” وفهم منها أن الممثلة ليلى حمدي هي اللي تقدر تجيب سعاد حسني مقابل مبلغ 300 جنيه على ما أذكر وأن سعاد ما تحبش تتصل بمصريين وإنما اتصالاتها بتكون بأجانب أو عرب؛ وعرضنا هذا الكلام على حسن عليش فأعطى تعليمات باستخدام ممدوح كامل مترجم اللغة الفرنسية في قسم المندوبين ليتظاهر بأنه فرنسي وعلى هذا الأساس يتصل بسعاد حسني، وكان ممدوح في الوقت ده يعيش فعلاً تحت ستار أنه فرنسي في عملية أخرى خاصة الإدارة، وعلى ذلك قمت باستدعائه وعرضت عليه الموضوع فأبدى استعداده وسلمته لمحمد كامل شوقي ليستخدمه وحصل تعارف بين ممدوح وسعاد حسني عن طريق ليلى حمدي المشهورة برفيعة هانم وأعطاها 300 جنيه كنت قد سلمتها لـه من نقود قسم المندوبين واصطحبها إلى شقة مصر الجديدة وأجريت عملية الكنترول عليهما أثناء ممارسة العملية الجنسية معها، وقد قمت أنا وأحمد الطاهر وصلاح شعبان بتنفيذ العملية من ناحية التصوير الذي تم بطريقتين الطريقة الأولى هي التصوير بكاميرا 35 مم والطريقة الثانية هي التصوير السينمائي 8 مم وكانت هذه أول مرة تستخدم فيها هذه الطريقة الأخيرة في عمليات الكنترول.
وكان أحمد الطاهر تولى التوجيهات في هذا الشأن بناء على التعليمات الصادرة لـه من حسن عليش، وقد فوجئت في ذلك اليوم بحضور صلاح نصر رئيس المخابرات إلى غرفة العمليات بصحبة حسن عليش وأشرفا على تنفيذ العملية وأنا استغربت من حضور صلاح نصر وكان حضوره مفاجأة لي لأن دي كانت أول مرة يحضر فيها بنفسه تنفيذ عملية كنترول ومحدش قال لي أنه جاي وكان يعطينا تعليمات بإتقان التصوير، وقبل وصول صلاح نصر وحسن عليش حضر لنا محمود كامل شوقي كما أن يسري الجزار حضر العملية أيضاً وكان جاي معايا ولاحظت أثناء تنفيذ العملية أن صلاح نصر أصدر أمراً ليسري الجزار ومحمود كامل شوقي باقتحام غرفة النوم وضبط سعاد حسني متلبسة وقد تم ذلك فعلاً.
وعقب ذلك تم اصطحابهما بمعرفتهما وبناء على أوامر من صلاح نصر أيضاً إلى مبنى الاستجواب بإدارة المخابرات وإيهامها بأن الشخص الذي كان معها وهو ممدوح كامل هو جاسوس فرنسي وعرض عليها يسري الجزار في مبنى الاستجواب أن تعمل مع المخابرات مقابل ستر فضيحتها وقد وافقت على ذلك وحررت بناء على طلب يسري تقريراً بواقعة وظروف تعرفها بممدوح كامل حتى القبض عليها ونموذج شخصي مطبوع يحرره المندوبون ويحتوي على بيانات شخصية عن المندوب وهو نموذج أشبه بالكراسة ويعرف عندنا باسم(PRQ)، ونموذج آخر مطبوع عبارة عن إقرار بالموافقة على العمل مع المخابرات يحرره المندوبون أيضا،ً وأعطاها يسري الجزار تعليمات بأن يكون اتصالها في العمل بمحمود كامل شوقي وهو اللي يعطيها التوجيهات اللازمة بخصوص العمل وقد تولى محمود كامل شوقي وصلاح شعبان بعد ذلك توصيلها لمنزلها وجابوا منها الفلوس اللي كانت أخدتها من ممدوح كامل وهي 300 جنيه كما سبق أن ذكرت وسلموني المبلغ ورجعته للخزينة تاني”.إنتهى
باقي القصة منشور في مواقع الإنترنت، وأن سعاد حسني تم تصفيتها بعد أن عزمت على كتابة مذكراتها، وفضح بعض الأسماء الكبيرة، ولنا في قصتها كفاية لتوضيح ما نرمي إليهِ في هذه العُجالة؛ لكن ما يؤسفني حقاً في هذا الموضوع هو “التجنيد”، لأن في المجتمعات من العاهرات ما يكفي، ومن اللواتي يرغبن أن يصبحن كذلك مقابل الشهرة والمال، فبعض اللواتي نراهن في النوادي الثقافية والملتقيات الأدبية، تحت عناوين واهية (مثل الشاعرة والقاصة والروائية) وهي لا تفقهُ مما تقولُ شئ، بل يسخر منها المثقفون والجمهور الجالسون، ما هّنَّ سوى عاهرات رخيصات ثمة مَنْ يدعمهن ويطبع لهن الكتب، ويسوقهن إعلامياً، وهن فرحات بذلك، قد سلكن طريق المجون، يعتقدن أن الناس منبهرةٌ بأعمالهن وشعرهن المقرف؛ فمع وجود هكذا عاهرات لماذا اللجوء لتوريط أُناس آخرين من الأبرياء؟! أولئك الذين أحبوا الفن والشعر والأدب، يحملون هموم الشعب والوطن؟ يطمحون لبناء حلم جميل؟ لماذا؟!
المصيبة والطامة الكُبرى أن أكثر الذين يطالبون بحقوق المرأة وحريتها وتحررها، هم مَنْ يستغلونها بأعمالهم القذرة!.
بقي شئ…
على أخواتنا اللواتي يتعرضن لمثل هذا الإبتزاز اللجوء للأجهزة الأمنية وكشف الفاسدين، وليسقطوا كما سقط صفوت الشريف وأمثالهِ، وأن لا يخافن ولا يخشين، لأنهم يستغلون هذين العاملين للتمكن منكن، فحذارِ حذار من أن تنزلقن معهم تحت عناوين(حرية المرأة وتحررها وغيرها من الشعارات الفارغة).