23 ديسمبر، 2024 12:46 ص

صفقة القرن وإقليم الأنبار

صفقة القرن وإقليم الأنبار

يبدو أن خطة تقسيم بلادنا قد اكتملت بعد اعلان الرئيس الأمريكي ترامب توقيع صفقة القرن التي منحت دولة لاسرائيل مقابل دويلة مفروضة على الفلسطينين، وبتصفيق حار من الدول العربية وبمقدمتها دول الخليج التي أناب عنها سفراء الإمارات والبحرين وعمان وأيدتها السعودية وقطر بموقف حكومي رحب بخطوة السلام كما وصفتها الرياض والدوحة، رغم اعتراض الفلسطينين حكومة وشعبا وهتافات الرافضين في العاصمة الأردنية عمان، لكن ترامب حقق ما تعهد به لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتيناهو منذ وصوله للبيت الابيض قبل ثلاث سنوات.

هذه الصفقة التي انتظر الاسرائيليون اكثر من 70 عاما لحصد ثمارها نجحت بمساعدة خنجر مسموم زرعته تل ابيب وواشنطن في خاصرة الوطن العربي، مقدمته في الإمارات ووسط الخنجر كانت في السعودية ونهايته في قطر التي تكلفت كل واحدة منها بمهمة تسهيل تحقيق هدف صفقة القرن اولها من خلق الفوضى في البلدان الرافضة لهذا المشروع وصولًا الى تهيئة ارض مناسب لجمع الفلسطينين الذين “سيبعدون بعد تضييق مساحة دولتهم”، وهذه النقطة وجدتها ابو ظبي بمساحة صحراوية فيها الظروف والأرض المناسبة لتحقيق مشروعها تحت عنوان اقليم الأنبار، ولعل احد ابرز أسباب تعطيل صفقة القرن خلال السنوات الماضية فشل المحاولات السابقة لكسب شخصيات سياسية يعتمد عليها المحور الخليجي للعب هذا الدور، لكنها وجدت ضآلتها اخيرا، بجيل من الشباب “متسرع” باتخاذ القرارات وباحث عن الشهرة والأموال بأقصر الطرق.

إن جيل الشباب الذي يستطيع اتخاذ القرارات من دون حساب العواقب، اكتمل بوصول محمد الحلبوسي إلى اعلى سلطة تشريعية في بلادنا، ليسبقه قبل ذلك تميم بن حمد على راس دولة قطر ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي والإمارات بابناء زايد، لتصبح أدوات التطبيق جاهزة وبانتظار نتائج الاجتماع السري الذي عقد في العاصمة الأردنية، لكن الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، دفعت للاستعجال بالتحرك بتنفيذ خطوة تهيئة الأرض قبل الإطاحة بالحلبوسي، فكان القرار عقد اجتماع اخر وايضا في عمان شارك فيه رئيس البرلمان الشاب القادم من منصب محافظة الأنبار وبعض المقربين منه وجهات من السعودية والإمارات وقطر، للإسراع بإعلان اقليم الأنبار، لكن اكتشاف المخطط من قبل الحكومة العراقية ومخاطبة بغداد للرياض التي استقبلت رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي نهاية شهر أيلول من العام الماضي 2019، دفعت الحلبوسي لنفي تلك التحركات ليبلغنا ‏برسالة قال عنها بانها “مخلفات العملية السياسية من الخرفين وخاطبهم.. لا تزاودوا على المؤمنين بوحدة العراق وشعبه، الذين يملكون من الوطنية ما لا تملكونه”، ليصدر بعدها توجيهات لنواب مقربين منه، بمهاجمة القوى السياسية التي تتحدث عن مشروع اقليم الأنبار، او (الإقليم السني)، لكي يبعد عنه الشبهات بطريقة مكشوفة.

لكن خطة اقليم الأنبار قد تعلن قريبا باجتماع سيعقد بالعاصمة القطرية الدوحة لتنتهي اخر فصول صفقة القرن باستقبال الفلسطينين على ارض المحافظة الغربية بحجة الأيدي العاملة التي يحتاجها الإقليم الجديد لكونه سيتحول إلى كيان اداري واجهزة تغني عن الحاجة للحكومة المركزية في بغداد، كما يروج عرابو مشروع التقسيم، وفي محاولة لكسب التعاطف من بقية المحافظات لهذه الخطوة، اخبرنا المقرب من السيد رئيس البرلمان النائب فالح العيساوي والمتحدث باسم تحالف القوى بان “ما تعرضت له المحافظات الغربية من مؤامرة تتعرض له الان محافظات الوسط والجنوب”، كاشفا عن “مخطط إقليمي يسعى لتدمير المحافظات الجنوبية واضعاف الشيعة من خلال استهدافهم في محافظاتهم”، فالعيساوي وصف ما يحصل من تظاهرات شعبية بانها مؤامرة تعرضت لها مناطقهم سابقا، متجاهلا كيف كان يصفق لما يصفها بالمؤامرة حينما كانت اعتصامات للمطالبة بالحقوق، وهو بهذه يخلق الأعذار مقدما، في حال اعلان الإقليم باعتباره خطوة لحماية محافظته من المؤامرات.

الخلاصة.. ان اعلان تنفيذ مخطط الإقليم سيجعل فيما بعد الأنبار ضمن المشروع السعودي الذي يهدف لتقطيع أوصال المناطق المعترضة على صفقة القرن من خلال ربط الأنبار بالسعودية عبر حدودها المشتركة في الصحراء، لتكون الخط الواصل إلى المناطق السورية التي تمتلك فيها واشنطن نفوذا على الأرض من خلال قواعدها العسكرية لتصبح الأنبار مستقبلا نقطة تلتقي فيها مصالح الاسرائيليين والأمريكان ودول الخليج لتتحول إلى مستوطنة سكانها فلسطينيون يزاحمون أهلها على الأرض من دون ارادتهم، لكن حتى لو نجحت صفقة القرن في فلسطين، وهذا قد يكون احد المستحيلات، فان الوقت مازال مبكرا لضياع الأنبار والحل باختيار حكومة “قوية” بديلة عن المستقيل عادل عبد المهدي وبالمواصفات التي حددها المتظاهرون، لتمنع مخطط التقسيم.. أخيرا.. السؤال الذي لابد منه: هل ستتحقق أحلام الصفقة؟