عشت اللحظات الاخيرة من حيا ة ابي …
رأيته يحتضر… ينظر الي َّ بعينين يملئهما الالم والحزن وبدى عليه شعور الخوف الرهيب .
……………………..
بقي ابي مسجى في فراشه …كلماته المتقطعة ,اجمع معانيها واستعرض استنطاق حروفها لأكون منها جملة مفيدة .
هو يخبرني انه ذاهب الى حيث اللاعودة واعترف انه قد اخفق في جعل حياته مستقيمة وان يفعل ما يرضي الرب. كانت دموعه تتحدر على وجنتيه كأنها لسان حال يتكلم بكل لغات الارض ,وحين اطبق جفنيه للمرة الاخيرة انقبضت اصابع يده كأنه يكتب عبارة جاهدت كثيرا لقراءتها فكانت(ليس عندي ما اعطيك اياه وما اورثه لك ).
نعم هو ليس عنده ما يعطيني اياه فقد قضى حياته معدما فقيرا منبوذا من الاباعد ومحاربا من الاقارب فهو بحد زعمهم خرج على مألوقهم وحاد عن طريقهم .
………………..
ها هو مسجى في فراشه وانا وحيد لا املك ثمن كفن يدرج فيه او لحد يواريه بل وليس بي من قوة تمكنني من حمله ودفنه ولو بفناء الدار.
……………..
غسلت ابي بدموعي وكفنته بحسراتي ومضيت الى اصدقائي الصغار اطلب عونهم في حمله ودفنه فهبوا الي بادئ ذي بدء وكانت نيتهم مساعدتي لكن عيون الكبار رصدتهم وبنظرة شزراء منها دفعت بهم الى داخل بيوتهم واغلقت الابواب دونهم بأقفال محكمة.
فبقيت وحيدا مع جسد ابي المسجى .
انا اعذرهم فهم مثلي صغار لاحول لهم ولا قوة.
……………………..
ظل ابي مسجى اذ اشرقت الشمس اذ كانت وفاته بعد منتصف الليل بربع ساعة كان جسده باردا وبدى لي انه قد مل انتظار ان يلحد في قبره لكنه كعهدي به صبورا في الشدائد عنيدا فيما يصاب من مصائب فعدت الى جسد اب المسجى وهمست اليه معتذرا …
انا وحيد يا ابي …ماذا افعل…؟
هنا تنبهت لحالتي وعاتبت نفسي التي تهمس لجسد مسجى فتزيد المه الم وشقاءه شقاء لذا ارتميت على الجسد وبكيت حتى تورمت عيني .وبينا انا كذلك جاء اليَّ الشيطان يحمل كفنا ومعول.
وقف الى جواري وربت على كتفي وقال لي
انظر يا فتى لقد خذلك الجميع لكني هنا انا اقف الى جانبك .
سأحمل اباك واغسله واكفنه وبهذا المعول سأحفر فبرا له وبيدي سأواريه الثرى. وابتسم الشيطان ابتسامة عريضة ثم هتف قائلا :- الحق كان ابوك صعب المنال ,لم يمد لي يوما يده هو بالنسبة مشكلة كبيرة لم اوفق في حلها …وبعد لحظات تمتم بنبرة الفائز :- لم اتمكن منه حيا لكن ها انا مطره بمنني ميتا واحمرت عيناه ولمعت بشهاب من نار محرقة سرعان ما دفع لهيبهما الى محجريه وقهقه بصوت جهوري خشيت ان تجتمع لضوضائه شياطين الارض جميعا اذ بدت لي قهقهته تلك دعوة لهم بالحضور ,ثم تمتم بصوت خفيض مشيرا لي بيده التي تنتهي بمخالب حادة طويلة…هيا …هيا يا ولد …هيا لنقم بالعمل…..وادنى شفتيه الغليظتين من اذني هاتفا :- ليس لك من معين سواي . وحين لاحظ امتعاضي من كلمته اضاف :- الم يخذلك اصدقاؤك…؟ ها اااااا انا ادري
الم يوصد الكبار ابوابهم دون الصغار لتظل وحيدا مع جسد اباك المسجى …؟
قال هذا وخطا نحو الجسد خطوتين واخرج من بين جناحيه كفن ابيض راح يلف به جسد ابي .
فكرت ان اعترض ,ان ارفض عرضه لكني لم اجد بدا من ان اقبل منة الشيطان وفعلا مددت يدي الى ما تبقى من الكفن لأدرج جسد والدي به لكن الجسد اختلج كانه جسم حي ورفض الكفن المنشور حوله ما دعاني الى ان اصرخ بألم ….لا….لا…لا اريد الكفن…اذهب عني…اذهب لا اريد عونا منك.
لكن تذكر يا بني انك وحيد ثم انك صغير لا تقوى على تجهيز والدك ودفنه .
لا عليك اذهب عني اني ارفض عونك.
جحظت عيناه ونفث من فيه دخان اسود اظلم خلاله الافق وزمجر …ستخسر يا ولد …اجل ستخسر …كما خسر ابوك.
اللعنة عليك …اذهب عني.
تلعنني ياغبي وانا اقدم لك مساعدتي …يا لك من شقي بائس.
اذهب عني لا اطلب عونك ولا اريد مساعدتك,
سأذهب عنك ,لكن ثق انك ستحتاجني وستدعوني اليك متلهفا.
لو دعوتك يوما فلا تجبني مهما توسلتك .
لكني اشفق عليك ,وانا يا بني ليس كما يقولون عني قاس وشرير ,بل انا رقيق المشاعر ولذا فأن احساسي بالأخر يدعوني لعونهم وتيسير مبتغاهم حتى لوكان لا يرضي الله عز وجل لكنهم سرعان ما يتنكرون لي ويحملوني سبب آثامهم وتلاحقني لعناتهم .
نعم هم يحملوك سبب آثامهم وتلاحقك لعناتهم فأنت من تشير لهم وتزين لهم وتدعوهم فيستجيبون لك لكنهم ينسون او يتناسون نفوسهم الأمارة بالسوء التي تستجيب لندائك متحدية جبروت الرب العظيم .