الإدارات الامريكية المتعاقبة بدأ بقانون تحرير العراق في إدارة كلنتن وما تلى ذلك بعد احداث التفجيرات الإرهابية في 11ايلول 2001 جاءت كمشاهد من حالة هيمنة جناح المتصهيين والمتعصبين الجدد على سياسات البيت الأبيض بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكيك المعسكر الاشتراكي وتفرد الولايات المتحده وحلفائها الغربيين بوضع الاستراتيجات اللاحقة لمصير منطقة الشرق الاوسط الجديد والذي بدافع الهيمنة على النفط والغاز والتمسك والحفاظ على أمن الدولة الصهيونية كجزء مهم من أمن الولايات المتحدة ،وبمبرر اختلاق حادث التفجيرات ، تبنت إدارة بوش وبروح من الانتقام والترويع والصدمة التدخل العسكري لإسقاط نظام طالبان في افغانستان ونظام البعث في العراق والذي تسببت في إثارة ردود فعل معاكسة واستفزاز اوسع تيار اسلامي وقومي شعبي في الدولتين وبسبب ما اقترفته قوات الاحتلال من جرائم وانتهاكات بمقاومة سريعة وفاعلة لم تكن في حسبان الإدارة الامريكية التي ضنت ان اسناد التيارات والاحزاب الطائفية الدينية ونظام ولاية الفقيه في ايران لها سيجنبها ما وقعت ،وعندما انعكست هذه المستجدات على الشارع العربي فيما سميّ بالربيع العربي وجدت في جماهيره فرصة لإحتواء ما تسميه بالاسلام المعتدل والتي انتهت بصراع على السلطة في ليبيا واليمن وسحبت اسنادها للإخوان المسلمين وحزب النهضة فيمصر وتونس . وتحاول منذ فترة فتح حوارات مع طالبان في افغانستان والنصرة في سوريا وليبيا .
في العراق بسبب حجم الخسائر البشرية والمادية التي منيت فيها الولايات المتحدة تبنت القيادات العسكرية تشكيل الصحوات ومجالس الاسناد وميليشيات الاحزاب الطائفية للقيام بمهمتها تمهيدا للإنسحاب نهاية عام 2010 بعد ان أطبقت ايران بنفوذها المباشر والواسع على العراق .
سحبت الادارة الامريكية قواتها في ظل فوضى عارمه و وجود ميليشيات مسلحة وعملية سياسية تبناها الفاسدون بهيمنة الاحزاب الدينية الطائفية وفي ظل غياب الخدمات وانهيار البنية التحتية وانقسام اجتماعي مع استهداف مستمر لإجتثاث الكفاءات والخبرات المهنية بالخطف والقتل والتهديد وابتزاز المال والتهجير والنزوح، وهذا الأمر ينم عن فقدان أي استراتيجية واضحة على المدى القريب والبعيد لبناء الدولة في حين يشهر العديد من قيادات الادارة الامريكية تهديداتهم وتصريحاتهم بتقسيم العراق . في غضون مظاهرات واعتصامات عديده ومتكرره تطالب بالحقوق والاصلاح والتغيير، دخل مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية وامام وتحت أنظار الاستخبارات الامريكية بشكل واضح وكثيف ومن منافذ متعدده الى المحافظات العراقية الغربية وتم ّ بمخطط رهيب التصدي لساحات الاعتصام والتظاهر لصالح دخول مقاتلي تنظيم الدولة الذي استطاع شن هجومه على نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك والانبار ليدحر ما يقارب 400 مقاتل عشرات الألوف من قطعات الجيش العراقي في غضون ايام قليلة دون مقاومة او معارك تذكر . لم تتحرك الإدارة الأمريكية وحلفائها بردود على الأرض إلا بعد اقتراب مقاتلي التنظيم الى آبار النفط واربيل عاصمة الاقليم الكردي من خلال ارسال المعونات والاسلحة العسكرية وتشكيلها التحالف الدولي الجوي والطلعات الجوية العسكرية والتي لا يزال العديد يشكك بقدراتها وكفائتها في الاستهداف الحقيقي لمقاتلي التنظيم وفق معلومات ميدانية ، وبالرغم من هذه الطلعات المكثفة تم دخول التنظيم الى الرمادي عاصمة المحافظة !. وما زالت تصريحات القادة الأمريكان تتصاعد في تقدير الفترة الزمنية التي تعلنها للقضاء على التنظيم لفترات تجاوزت العقدين من الزمن . وخلال هذه الفترة نسقت الادارة الامريكية مع العديد من دول الاقليم للحفاظ على عمليتها السياسية الفاشلة ومهدت لمجيء حيدر العبادي وتشكيله لحكومة وفق اسس المحاصصة واحتفظت للمالكي بمنصب نائب رئيس الجمهورية في الوقت الذي تعلن فيه الادارة الامريكية وقيادة كردستان مسئولية المالكي عن سقوط نينوى وتوغل تنظيم الدوله في العراق بقدرات الدولة بعد ان توفرت له الاسلحة والمال والارض والموارد والسكان الأسرى لديه . لم تستطع الاستراتيجية الامريكية من الحد من استغلال التنظيم للنفط والموارد الاخرى لإضعاف موارده ، او تحقيق هزيمة عسكرية كاسحة به لتطويقه ، سواء في نينوى او الانبار لغياب في استرتيجية القتال واختلاف واضح في اسبقية المعارك وتحرير المناطق ، ولم تعر اهمية واسبقية لملايين النازحين او اغاثتهم بشكل يخفف من محنتهم ومعاناتاهم ، وهي مازالت تكيل التهم للحكومة اللاحقة ورئيسها بالتردد والتاخير في تحقيق التغيير بعد المالكي سواء بطبيعة الحكومة او بالتشريعات او بالاستعدادات الفاعلة لبناء جيش مهني كفوء وسمحت بتشكيل الحشد الشعبي للقتال بقيادات وخلفيات طائفية ومرجعية وهي التي تعلن ان مشاركتها بالقتال محصورة بمعارك الجيش فقط وتنفي مسئوليتها عن فعاليات الحشد الشعبي والمشاركة في إسناد مقاتليه . هكذا يبدو الدور الامريكي في احداث العراق المريرة بشكل واضح ؛دور فاعل في اختلاق الأزمات بتوافقات اقليمية وطائفية ودور متفرج او مصطنع غير فاعل في حل الازمات لا بل اختلاقها . ليس هناك استراتيجية ثابتة في حلول قريبة المدى ولا وضوح فيما تريد ان يصل العراق اليه على المدى البعيد .المرشحون الجدد للرئاسة الامريكية في خطاباتهم وتصريحاتهم سواء ضمن الحزب الواحد او من بين الحزبين لا يتفقون على صيغة طرح مشروع واضح لمعالجة اوضاع العراق ولا حتى القضايا التي لها علاقة بالعراق سواء بالموقف من الاتفاق النووي الايراني او بالحل الامثل لوضع سوريا والموقف من بشار الاسد ونظامه . فيما يتفق الجميع باللائمة على شن الحرب في العراق او طريقة التعامل بعد شنها، ولا يتردد اي منهم في الاتفاق ان العراق قبل احتلاله كان دولة قوية يحكمها رجال دوله وان احتلال العراق انتج حالة اللادولة في ظل غياب طبقه سياسية حاكمة بمواصفات الدولة الحديثة . الذين جاءوا مع الاحتلال والذين اصطفوا في عمليته السياسية او رحبوا بها وشرعنوها هم اليوم اشد تمسكا وتشبثا بها من الذين اسسوها لانهم بشكل مباشر وعلني هم اكثر المستفيدين منها فسادا وسرقة
واستغلالاَ.
الرئيس اوباما وقبله بوش الابن وبوش الأب وكلنتن ومجموعة المتصهيينين المتعصبين هم الذين اسسوا وسيسوا الفكر الديني المتطرف داخل البيت الابيض وفي العالم وبالتركيز منطقة الشرق الاوسط وهم الذين انشئوا واحتووا الاحزاب الدينية الطائفية والفكر الديني التفكيري بشكل مباشر وبشكل غير مباشر من خلال تسليطهم على رقاب الشعوب وقييمهم ومعتقداتهم كي ينشئوا جيلا حاقدا على ارثه وتراثه . وهم الذين جائوا بالقيادات الفاسدة في العراق المنكوب وسلموا العراق على طبق من ذهب للنفوذ الايراني الذي اشرف بشكل مباشر على تنفيذ سيناريوا الاحتلال بكل صفحاته ونكباته وأزماته . واوباما الذي كان يعارض المشاركة بصراع عسكري على الارض مع داعش ويحذر من مخاطر ذلك يناقض اليوم نفسه حين يطرح ان الصراع العسكري مع داعش اصبح ضرورة دولية والا في انها اصبحت من القوة والمنعة خطرا يهدد العالم كله ، وهو يدرك جيدا ان ادارته وادارات من قبله في العراق هي التي قوّت داعش وفشلت في خلق دولة رصينة قادرة على بناء جيش عراقي مهني لا يندحر او يهزم امام بضع مئات من مقاتلي داعش وهم يجتاحون المحافظات التي تهيمن داعش عليها اليوم ، ان سياسات الادارة الامريكية هي التي قوّت داعش في العراق وهي التي مهدت لداعش ان تحتل وتتقدم فيه وهي حين تعجز اليوم سياسيا فيه ، تطرح الصراع العسكري كحل لا بديل له يضع تنظيم الدولة كطرف والعالم كله كطرف مقابل في الصراع ويكون العراق في المنطقة هو أرض الصراع الرئيسي وليحرق العراق ومن عليه ، ولكن العراقيون يدركون جيدا ان الصراع السياسي القائم فيه والأزمات السياسية التي حولته لحالة اللادولة هو عامل رئيسي لهيمنة داعش وقوتها يحول دون دحرها ، وأن هناك إرادات سياسية دولية وإقليمية تجد في بقاء داعش قوية في العراق ولفترة طويلة قادمة يتوافق مع تحقيق مصالحها واهدافها .وقد صرحت قيادات امريكية عديدة علنا بذلك وهذا الأمر لم يعد خفياّ ، وهذا ما يدفعها لتصريح شخوصا عديدين منها بأن الحرب مع داعش هي حرب طويلة الأمدقد تمتد لأكثر من عقدين او ثلاثة من الزمن .
العراقيون الثائرون اليوم بمظاهراتهم واعتصاماتهم يجدون الحل والضمانiraq لكبح تنظيم الدوله ، لايمكن ان يتحقق الا بالإصلاح الجذري للسلطة السياسية الحاكمة فيه ، وهم محقون في الوقت التي تتناقض وتساوم فيه الإدارة الأمريكية واستراتيجيتها المرتبكة لتحقيق أي خطوة إيجابية عراقية بهذا الإتجاه .
الشعوب التي يطالها المشروع الامريكي الخطير في الشرق العربي بعد ان اتضحت ويلاته وبانت اهدافه هي وحدها كفيلة بالثورة الشعبية التي ستحرق ما تبقى من ملفات هذا المشروع وستقضم ادواته واحزابه . ولعل بوادر هذا الحراك الشعبي الواسع والتظاهرات والاعتصامات الشعبية العراقية هي التي ستكون الحل للخلاص من الاحتلال وانصاره واسقاط اهدافه ونواياه .