يطيب للإنسان ان يسمو ويرتقي بروحه بعد ان يدرك بنظرة متفحصة تغير البشر احياناً وتحولهم الى وحوش ضاربة فاغرة افواهها، كل منها يود ان يبتلع الكم الاكبر من الناس، ويضنيه اعماق البحث عن قيم يمكن ان تعطي لحياته رونقها.. وعندما يعود الى اعماق نفسه منقبا.. يجد كل الخير.. كل الحب.. وكل الجمال.
فالمعاني التي افتقدها البشر تجد في اعماقه ارضا خصبة قادرة على النمو والعطاء.. ففيها فطرة الانسان التي خلقه الله عليها وضاعت في زحام حياة البشر، حتى اصبحت لندرتها تعد صفات الملائكة.
فيحلق في عالمهِ الاخر متجولا بين رياضه وبساتينه.. هائماً في ملكوت لا يرقى إليه الا من صفت نفسه من الشوائب وتطهرت روحه من المطامع.
لذا فهو حين يتمعن في حياة الآخرين يُشفق عليهم وهو يراهم يشوهون أرواحهم ويقتلون معاني الخير والحب فيها.
ولكنه رغم ذلك لا يستطيع ان يعيش في برج عال، اذ يتعين عليه ان يضع اقدامه على الارض بين البشر.. عليه ان يعمل بينهم ويتفاعل معهم، ويواجه اطماعهم التي تصل الى ادنى متطلبات حياته كإنسان، ويجد نفسه يوما ما وقد اصبح احد اطراف الصراع في لعبة الحياة ان شاء او أبى.. وان سمت نفسه وترفع عن الرد عليهم اعتبر الآخرون ذلك ضعفاً وتهاوناً يدفعهم للتمادي في تسديد المزيد من الضربات له.. بل ان صفاته النبيلة تعد وحدها سبباً كافياً لحقد الآخرين عليه فهي تذكرهم دائماً بالفرق الشاسع بينه وبينهم.
ورغم كل نواياه الصادقة لإنقاذ روحه من براثن تلك الصراعات الدنيوية، والاساليب الملتوية الا انه يجد نفسه مرغماً على الرد عليهم من منطلق مفاهيمهم، وبذات الطرق التي يلجأون اليها، في حين انه يتمزق ألما، فشيء ما في اعماقه يرفض ذلك بشدة ويستنكره، لكن ما باليد حيلة فلا مكان للملائكة بين بني البشر.