صرخة في مشهد: الزوار العراقيون بين قدسية المكان وسرقة الكرامة

صرخة في مشهد: الزوار العراقيون بين قدسية المكان وسرقة الكرامة

في وقت يُفترض فيه أن يكون السفر إلى إيران، لا سيما إلى المدن المقدسة مثل مشهد وقم المقدسة ، تجربة روحية وسياحية وإنسانية آمنة، باتت هذه الرحلة، للأسف، محفوفة بالمخاطر، ومرادفًا للابتزاز، والسرقة، وغياب العدالة، وانكشاف الكرامة العراقية أمام لامبالاة الأجهزة الأمنية الإيرانية، وعجز البعثات الدبلوماسية العراقية عن حماية مواطنيها.

بات من المألوف – للأسف – أن تُسرق عائلة عراقية في شوارع مشهد أو أزقة طهران أو في باحات الفنادق والأسواق، ثم تجد نفسها وحيدة، مكسورة، لا ناصر لها ولا معين، فيما يتنصل الجميع من المسؤولية… ؛  فالشرطة الإيرانية – كما يروي العشرات من الضحايا – ما إن تعرف أن المشتكي عراقي الجنسية، حتى تشرع في أداء مسرحية “الاهتمام الزائف”، والتي تنتهي إما بتسجيل شكلي بلا متابعة، أو بإلقاء اللوم على الضحية، أو بمماطلة لا نهاية لها… ؛  أما القنصليات والسفارة العراقية، فتقف موقف العاجز الحزين، إذ يروي أحد موظفي القنصلية العراقية في مشهد بالحرف: “تعبنا من كثرة إبلاغات المسافرين العراقيين الذين تُسرق أموالهم في مشهد، وعندما نراجع الشرطة أو نتصل بالجهات الرسمية الإيرانية لا نحصل منهم سوى الوعود والمماطلات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.”

انفلات أمني مقلق وظروف اقتصادية محفوفة بالخطر

ظاهرة السرقة في إيران ليست جديدة، لكنها تزايدت بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة ما تمر به إيران من أزمة اقتصادية خانقة بسبب الحصار والعقوبات وارتفاع معدلات الفقر والبطالة… ؛  وقد أفرز هذا التردي بيئة خصبة لتفشي الجريمة في الشوارع والأسواق، وخصوصًا تلك التي يرتادها الزوار الأجانب من العرب، وفي مقدمتهم العراقيون.

هؤلاء العراقيون الذين يُعدّون أكبر مصدر للعملة الأجنبية لإيران من خلال السياحة الدينية والعلاجية وغيرها ، لا يلقون أي نوع من الحماية والدعم ، لا من قبل السلطات الإيرانية، ولا من قبل بعثاتهم الدبلوماسية… ؛  بل الأسوأ من ذلك، أن بعض الضحايا يرون في تعمد غض الطرف عن الجناة حين يكون المسروق “عراقيًا”، مؤشّرًا على نوع من التمييز الممنهج أو الاستعلاء القومي، أو حتى الرغبة في التنفيس عن الغضب الشعبي الإيراني ضد سياسة حكومتهم من خلال الانتقام من الزائر الأجنبي ولاسيما العربي .

حادثة مشهد: مأساة واحدة من مئات

في يوم 2025/8/5، وفي تمام الساعة الواحدة وخمسٍ وعشرين دقيقة ليلًا، وقعت جريمة سرقة بشعة في شارع “إمام رضا 9” في مشهد، راح ضحيتها عائلة عراقية قدمت للعلاج، تحمل معها كل ما تملك من أموال ومصوغات. حيث باغتها شخصان يستقلان دراجة نارية (موتور) وانتزعوا منها محفظة تحتوي على مبلغ 7300 دولار أميركي، وذهب وبطاقات مصرفية عراقية وإيرانية.

الشرطة الإيرانية حضرت إلى المكان بعد فوات الأوان، وسُجل البلاغ، لكن من دون أي إجراء فعلي حتى ساعة كتابة هذا النص… ؛  ولم ترجع المسروقات، ولم تُلاحق الجناة، ولم تُقدم أي وعود واقعية بإعادة الحقوق… ؛  والنتيجة: عائلة عراقية منهارة نفسيًا، ومشردة فعليًا، بلا مأوى أو نقود أو علاج، تعيش في مدينة مقدسة، لكن بلا أدنى إحساس بالأمن أو الكرامة.

صمت رسمي عراقي مريب

المفارقة الصادمة أن الحكومة العراقية، رغم علمها بتكرار هذه الحوادث، لم تصدر أي موقف رسمي صريح يُدين تقاعس الجهات الأمنية الإيرانية… ؛  كما أن وزارة الخارجية لم تُفعّل أدواتها الدبلوماسية لحماية الزوار والسواح ، ولم تُجبر الجانب الإيراني على تحمل مسؤوليته الأمنية تجاه السياح الذين يرفدون اقتصاده يوميًا بملايين الدولارات.

فهل بات دم العراقي وممتلكاته أرخص من أن يُطالب بها؟ وهل يتحول الحسين وعليّ والرضا، عليهم السلام، إلى مظلةٍ لسرقة الزوار لا لتكريمهم؟

النداء الأخير: إلى الحكومة العراقية والحكومة الايرانية

إننا، كعراقيين، إذ نشعر بالأسى من تكرار هذه الانتهاكات، نرفع نداءنا إلى دولة رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني المحترم، وإلى سماحة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي المحترم ، بالتدخل الفوري والعاجل لإيقاف هذه المهزلة الأمنية والأخلاقية التي تُرتكب يوميًا بحق الزوار العراقيين في إيران، ولا سيما في مدينة مشهد المقدسة وقم المقدسة وبقية المدن السياحية .

فما يحدث لا يُعقل، ولا يُغتفر، ولا يُمكن تسويغه بأي ظرف سياسي أو اقتصادي… ؛  نحن أمام ظاهرة تستدعي مراجعة شاملة للعلاقة الأمنية بين البلدين، وتوقيع بروتوكولات حماية قانونية، وتفعيل دور المخابرات العراقية في تتبع شبكات السرقة، إن كانت إيران غير قادرة أو غير راغبة.

خاتمة

ليست هذه الحادثة سوى واحدة من مئات القصص التي لا تصل إلى الإعلام، ولا تجد آذانًا صاغية في بغداد أو طهران… ؛  ولكن استمرار هذا الصمت والخذلان سيؤدي إلى قطيعة وجدانية بين الشعبين، وإلى هجر الأماكن المقدسة، وإلى انفجار شعبي في الشارع العراقي ضد كل من يتواطأ على كرامته … ؛ فكرامة العراقي أغلى من أي علاقة سياسية أو دينية … ؛ والأمن لا يُمنح بالكلام، بل يُحمى بالفعل.