إنّ صدى إعلان أمريكا لامتلاكها قنابل الثقوبالسوداء كان له تداعيات خطيرة جدًا على القضيّةالفلسطينيّة.
كما أنّها أدارت دفّة الخطة الإسرائيليّة التي وضعوهافي اجتماع الكابينت منذ قرابة عشر سنوت، والتيكان من مضامينها العمل على إنهاك قوى أمريكاوالروس وحلفائهما على حدٍ سواء.
فلابدّ لهم من التفاعل مع المرحلة الحاليّة بعد أن أدارالعالم كلّه ظهره للحرب واتّجه بكافّة حواسه إلى ثقبسحابة أورط.
حتى وإن لم يكن هناك ثقبًا أسود فلابدّ من تغييراستراتيجية الخطة بعد أن هيمنتْ الولايات المتحدةالأمريكيّة واليابان على العالم كلّه هيمنة كاملة، وليسهذا فحسب بل تمّ القضاء على الحروب أيضًا بصفةنهائيّة، أيْ على العالم كلّه أن يعيش تحت أقدام أمريكاواليابان.
وقد قال يعقوب لوزرائه: إنّ وجود الثقوب السوداءأنهى تمامًا على قيام دولة إسرائيل الكبرى بعدما عزّعلينا الحصول عليها من فهمان العابر وجاك، لكننيمؤمن إيمانًا راسخًا أنّه إذا بنينا الهيكل فسوف ينزلالمسيا الملك ويصنع لنا منها المئات التي نستحوذ بهاعلى العالم.
كما لم يشفع للفلسطينيين وجود ثقب أسود هزّ العالمكلّه، إذ اكتفى العالم كلّه وقتئذ بالشجْب والاستنكارلأفعال اليهود المشينة تجاه الفلسطينيين مع الحذرفي قول أحقيّة إسرائيل من عدمه في الأرض المتنازَععليها.
كما أنّ الثقب لم يردع اليهود أيضًا بل جعلهم أشدّبأسًا وأشدّ تنكيلاً بالفلسطينيين، فشمّرت سواعدهاوأقدامها للخوض في بحور من دماء الشعبالفلسطينيّ، والطفل والمرأة والعجوز قبل الشابوالمحارب.
لم يخف أكثر اليهود شعبًا وحكومة من ثقب سحابةأورط بخلاف كلّ شعوب العالم الذين باتوا ينتظرونالموت في كلّ لحظة.
وسبب ذلك لعقيدة يعتنقوها من التوراة والتلمود،وهي أنه لابدّ من نزول المسيا الملك وحدوث معركةهرمجدون وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وحتّى لوابتلع الأرض فلن يبتلعها إلا بعد قيام دولة إسرائيل.
ولذلك إذا تأملنا تداعيات الثقب على العالم وعلىالقضية الفلسطينيّة نجده قد جاء نذيرًا ورحمةللعالمين ومخلّصًا للعالم من براثن حرب نوويّة كانتتُدقّ على أبواب الجحيم إلّا دولة فلسطين.
***
وصل جاك إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة أعزلاً بلاحراسة قادمًا من الوادي الجديد، فالجوّ العام أصبحآمنا تمامًا، كما أنّه لا يخشى اليهود إذ إنّهم يعلمونأنّ عمل القنابل لابدّ أن تتمّ في مصادم الوادي الجديد.
لم يسترحْ ولم يعطِ لنفسه أيّ قسط من الراحة، لابدّ أنيعرف ماذا حدث للشمس. ذهب ومعه جمع كثير منالعلماء يتقدمهم رئيس ناسا إلى إحدى الجزر حيثيوجد فيها أعظم تلسكوب راصد لحركة الشمس فيالتاريخ.
وأقبل على التلسكوب على عجل، مرتعد الأوصالمحطم النفس بسبب ما قد يحدث لكوكب الأرض منجراء اضطراب الشمس.
ونظر جاك في التلسكوب، وعاين حالة الشمس، عندهاهز رأسه هزة المطمئن، وتبسم.
قال رئيس ناسا وفي عينيه نهم الاستطلاع: «ماذارأيت؟»
أجابه جاك: «الحمد لله، نحن بخير، اطمئن سيادةالرئيس.»
– «أخبرني بالضبط ماذا وجدت؟»
– «الشمس تجري الآن في مستقرها المرسوم لها وتدوربحركة اهتزازيّة خفضًا ورفعًا وهي طريقتها الطبيعيّةالمعهودة.»
سأله رئيس ناسا في دهشة بعد أن ارتد بظهره قليلاإلى الوراء: «لكني عندما اتصلت بك منذ نحو 12 ساعة كان ثمة اضطراب فيها.»
– «حدث أمر أشبه بالمعجزة، وقد نجا الله به كوكبالأرض من الدمار.»
– «شوقتني، بالله عليك أجبني على الفور.»
– «عندما أخبرتني بحدوث اضطراب في الشمس كانالثقب حينها كبيرا، وسبب تضخمه أن جرما ضخماجره قدره العاثر في أن يقع في قبضة الثقب، أقصدأفق حدثه، فالتهمه فانبعجت بطن الثقب، أقصدتضخم، وتوسع معه أفق حدثه، وهذا يعني ارتفاع قوةجاذبيته، عندها نظر إلى الشمس بعينيه الناريتينوأراد الفتك بها رغم أنها أيضا لها جاذبية، ورغم أنالمسافة بينهما قليلة فهي لا تتعدى السنة الضوئيةالواحدة إلا أن تبادل شدة الجذب بينهما استمر فترةناهزت عن عشر ساعات، كان خلالها الثقب يشدها،يحاول جرها نحوه بجاذبيته التي لا تضاهى، وهيترتعش، ورعشتها تفسير للخلل الذي حدث للرياحالشمسية والمتمثل في عنف اهتزازها والذي ترتب عليههزّات في الضوء الصادر منها إلى الأرض، تحاولالشمس بقدر ما تستطيع أن تحمي نفسها من أنيابهالتي فاقت في قوة تدميرها كل ترسانات الأسلحةالنووية الموجودة في كوكب الأرض، لكنه تقيأ أثناءالصراع على حلبة الفضاء، وأخرج من بطنه ماالتهمه، فأصابه الإعياء، فنحل عوده وضعفت قوتهواستسلم تاركا الشمس تجري في مستقرها بعد أنلاذت بالفرار.»
تبسم رئيس ناسا وهو يهز راسه بعد أن تنفسالصعداء.
عندها قال جاك: «لقد نجانا الله منه بسبب البرد الذيفي أمعائه، فهو ما يكاد يأكل شيئا حتى يتقيأه، إنهمريض، وأرجو أن يدخل غرفة الإنعاش قريبا ويموت،ونستريح منه للأبد.»
سأله رئيس ناسا: «لكن ما سبب مرضه؟ ولماذا لميتمكن من الفتك بالشمس رغم قرب المسافة بينهماوجاذبيته الشديدة؟»
أجابه: «هذا الثقب شذ عن القواعد المعروفة عن الثقوبالسوداء، فهو لم ينضغط انضغاط بقية الثقوب حينماانفجر والتفت أجزائه حول نفسه، كان من المفترض بعدانفجاره أن يكون بحجم مبنى كبير، 30 طابقا مثلا،لكنه انضغط وبات في حجم ولاية كاليفورنيا،والضغط والجاذبية يتناسبان تناسبا طرديا، فكلماكان الضغط شديدا كلما زادت جاذبيته.»
صمت لحظة يزفر فيها عجبا ثم استأنف: «تخيلسيادة الرئيس لو انضغط هذا الثقب بعد انفجارهوأصبح في حجم ملعقة من الملاعق التي نتناول بهاالطعام لأكلنا نحن وما أبقى على كوكب الأرض منشيء، طبعا بعد أن يلتهم المجموعة الشمسية قبل أنيدرك الشمس
وينتهي الأمر.»
***
تركَ جاك الجزيرة واتّجه عائدا بصحبة رئيس ناساإلى مراصد ناسا الأرضيّة لرؤية سحابة أورط ومعاينةصور التلسكوبات الفضائيّة الجديدة.
ورغم استقرار الشمس الذي عاينه إلَا أنّ الحال مختلفبالنسبة لسحابة أورط، فمراصد ناسا أثبتتْ وجوداضطراب طفيف فيها ولا يزال مستمرا، فهو ينزل ركلاوصفعا بالأجرام التي حوله في السحابة.
طأطأ رأسه قائلاً: «لابدّ أن نغزو الثقب في أسرعوقت.»
ثمّ نظر إلى رئيس ناسا: «لابدّ من دحره سيادة الرئيسفإني أخشى أن يفتك بنا.»
قال له رئيس ناسا: «إذن لابد أن نعلن للعالم عن خطرهذا الثقب حتى نعفي أنفسنا أمام الله وأمام العالموأمام ضمائرنا ما قد يحدث لكوكب الأرض ومن فيه.»
– «بسرعة سيادة الرئيس.»
أمسك هاتفه، واتصل بالعاملين في الهيئة للتواص معوكالات الأنباء لعمل بثّ عبر شاشات التلفاز لشرحخطورته.
ومما قالت: إن كوكب الأرض معرض للدمار في أيلحظة، وقررت أمريكا ذب هذا الخطر عنه، وأن تحملعلى كاهلها عبء الدفاع عن كوكب الأرض.
ومما قالت: تقول وكالة ناسا إن لديها أعظم رائد فضاءعلى كوكب الأرض، سنعده برحلة فضائية قد تتجاوزعشر سنين للذهاب إليه وقتاله حتى يلفظ أنفاسهالأخيرة ويموت.
***
وبعد إعلان خبر الرحلة بدأتْ وكالات الفضاء علىمستوى العالم تكثّف من تسلْط تلسكوباتها نحوالشمس ليرصدوا أيّ تغير فيها.
ولقد تقدّمتْ ورقة بحثيّة من أحد الخبراء يؤكّد فيها أنّالأرض قد تتعرض لزلزال يُفني مَن عليها بالكامل منكائنات حيّة، وهذا ما حفز العالم فيما بعد لبذل الغاليوالنفيس من أجل نجاح رحلة جاك.
وقد أجمع العالم قاطبة الموافقة على خوض هذهالرحلة بوساطة جاك إذ إنّه أفضل رائد فضاء علىمستوى العالم وعليه فلم يجدوا أنسب منه لغزوالثقب.