امتازت منطقة الشرق الأوسط, بأنها منطقة صراع واضطرابات, وكانت على مسار تاريخها الوجودي منطقة ملتهبة, وتكاد لا تمر مرحلة زمنية من عمر هذه المنطقة, إلا ونجد فيها هزات عنيفية من الحروب وعدم الاستقرار.
الواضح من خلال قراءتنا للمشهد التاريخي, أن منطقة الشرق الأوسط تمثل قلب العالم, وما أعطاها هذه الميزة هو ما تتمتع به هذه المنطقة من إمكانات اقتصادية وبشرية هائلة, فبالإضافة إلى النفط –المصدر الأول للطاقة- تمتلك المنطقة كثير من الموارد الاخرى كالزئبق والفوسفات وغيرها, وكذلك تتمتع بإمكانية اقتصادية وغنى بمصادر الطاقة النظيفة كالشمس والوفرة المائية.
تيقنت الدول الاستعمارية, إن السيطرة على هذه المنطقة الحيوية, وما تملكه من موارد, يعد الممهد للسيطرة على العالم, ويجعل تلك الدول –الاستعمارية- القطب الأوحد في الكون.
تأثير دول الشرق الأوسط الجيوسياسي, جعلها مهد أطماع القوى المتصارعة على النفوذ العالمي, لذا دوما ما نجد هذه الدول وكما اسلفنا في مهب النزاعات.
اخضاع الناس في مكان جغرافي صعبٌ جدا, وغريزة الدفاع عن النفس ضد المعتدين هي غريزة وجدانية فطرية, كما أن التدخل المباشر للدول الاستعمارية يؤدي الى خسائر كبيرة في مواردها الاقتصادية والبشرية, لذا بحثت تلك الدول عن وسيلة أو منفذ للولوج إلى هذه المنطقة, واخضاعها عن بعد وبأدوات من داخل المنطقة نفسها.
كانت فكرة احياء الموروث الديني, هي الفكرة الأنجع لتلك الدول المستعمِرَة, وبالحقيقة هو ليس احياء للموروث الديني العام, بل هو احياء للموروث الخلافي الديني, واستغلال نقاط التقاطع بين الاديان والطوائف -والتي سفكت بسببها كثير من الدماء على مدار السنين- واستثمارها لإخضاع دول المنطقة بشكل عام.
كانت فكرة انشاء الحركة الوهابية في منطقة نجد, هي الحل الامثل لترويض شعوب المنطقة وتدجينها, وقد تزامن تشكيل هذا الكيان التكفيري, مع انطلاق الثورة الصناعية في اوربا, في القرن الثامن عشر الميلادي, وبطيعة الحال فان المكننة الحديثة التي رافقت النهضة الاوربية, تحتاج الى مصادر طاقة كبيرة وكثيرة, ولا خيار أفضل من الشرق الأوسط للحصول على إمدادت الطاقة.
دجنت الحركة الوهابية اتباعاها باتجاه القبول بما يراه ويقوله الحاكم, وإن كان مخطئا, وبطبيعة الحال فان الحاكم سيكون رهن ارادات المستعمرين الجدد.
كانت الطائفة الشيعية هي الجهة الوحيدة التي رفضت افكار الغربيين وخططهم الاستعمارية, وكانت أهم حركات المقاومة هي حركات شيعية, وبقيادات علمائية, ولا سبيل لإيقاف هذه المقاومة الا بخلق ضد نوعي ليوقفها, ويكون بديلا عن المستعمرين في التصدي لحركة المقاومة, وهذا ما فعلته الحركة الوهابية بالضبط.
استغل الغرب والمتمثل بقيادته الجديدة (امريكا), الحركة الوهابية بشكل كبير في الحرب الباردة, للتصدي للاتحاد السوفيتي, حيث انشأت حركات مقاتلة باسم يدغدغ مشاعر المسلمين, وهو الجهاد, فكانت الحركات الجهادية تعلن النفير العام لمقاتلة الروس في افغانستان, ودعت إلى ما يسمى بالهجرة للثغور, والتحق آلاف المقاتلين من دول شتى بهذه الحركات.
كان انشاء الكيان الصهيوني, ضمن المخطط العالمي للاستحواذ على الشرق الاوسط, ولأن هذا الكيان كان في مرمى نيران المقاومة, لذا تم استثمار الحركات السلفية مرة اخرى, لتقف عائقا أمام الاطاحة بالدولة المُغْتَصِبة, فتوجهت بوصلة الصراع باتجاه الطائفة الشيعية, من خلال اصدار فتاوى تكفير الشيعة, من قبل علماء الوهابية, وأن مقاتلة الروافض أولى من مقاتلة الصهاينة.
لم تكن مشكلة الشرق الأوسط مشكلة عقائدية تماما, بل تم استثمار الخلاف الديني لتحقيق أهداف سياسية في السيطرة على المنطقة, وإن من الوهم اعتبار ما يحدث في الشرق الاوسط هو صراع ايدلوجي, الحقيقة إن الاختلاف هو اختلاف سياسي واستعماري, اختلاف مصالح ومطامع, وإن قطبي الاختلاف هما روسيا وأمريكا, حيث دعمت روسيا حركات المقاومة لتبقي لها على موطئ قدم في المنطقة, وخصوصا بعد مشاكلها مع الاوربيين والحصار المفروض عليها, بينما دعم الغرب وامريكا الطرف السلفي التكفيري, ليكون وجه المدفع في التصدي لحركات المقاومة, والمروض لكل فكرة دفاع عن قضايا المسلمين.
لو نظرنا للمشهد بصورة مقلوبة, لراينا صحة افتراضنا إذ أن الشيعة لو دخلوا تحت عباءة امريكا واسرائيل, لما راينا هذه الحرب باتجاه ايران ومحور المقاومة, ولما راينا هذا الود تجاه الحركات السلفية التكفيرية.