عرف عن السياسة مشاكلها وتأثيرها المباشر على المجتمع الذي تقوده , هذه المشاكل تختلف حسب الخريطة التي تسير عليها البلاد وموقفها من ما يحيط بها من أزمات , إضافة لعوامل خارجية كالتدخل في الشؤون الداخلية و إستخدام العناصر والأحزاب والأموال لتحقيق مصالح دول أقليمية أو أجنبية .
ولكن حتى اليوم لم تمر أي دولة أو أقليم بما مرت به أُمتنا العربية من صراعات سياسية وعسكرية إنعكس أثرها واضحا على الحياة العامة , كان أخر هذه الأزمات السياسية سبباً أساسياً لحرب طويلة راح ضحيتها الملايين بين قتيل ومهجر ونازح .
ولم تتوقف بوصلتها عند هذا الحد بل تجاوزته لتوَّسع رقعتها شاملة دول الجوار في صراعها متفرقة ما بين مؤيد ومعارض للسياسات المتعارضة .
كما إن الثورات التي عرفت بالربيع العربي لم تكن ببعيدة عن مسرح الأحداث بل العكس فقد غيرت الكثير من مجريات الامور و أستلمت مقاليد الحكم , وإستبدلت شخصيات سياسية كان لبعضها أثر ووزن ملموس على واقعنا العربي .
وعلى ضوء هذه الأحداث نتبنى تحليلا وإن لم يستوفي كل شروطه إلا إنه يحاول جاهدا تقديم نظرة سريعة على الحلول المطروحة لإعادة المنطقة العربية نحو إتجاهها السياسي السليم , بعيدا عن أمواج الاضطراب وسيول الفساد .
ثورة عربية أم محرك اعجمي
لا ينكر عارف أن هناك أكثر من مشجع ومدافع عن بعض إن لم نقل كل ثورات الربيع العربي , حيث إعترفت بعض الدول الغربية كأمريكا وفرنسا بدعمها لثورة ليبيا على حكم القذافي وتمويل الجماعات المسلحة بما يحتاجوه من مؤون وسلاح إضافة الى الدعم اللوجستي على أرض المعركة والجوي في سمائها , كما إن الإضطرابات التي تشهدها سوريا لم تكن بِبعيدة عن هذه الاحداث , ولكنها بالوقت ذاته شهدت تداخل مصالح أكبر قوتين عسكريتين كتضىاد , مع إن الوضع السوري بدأ يشهد هدوءٌ واضح في حدة المعارك الجارية على أرضه , إلا أن هذا الهدوء لا ينبئ بخير في حال تشبت النظام الحاكم بسياسته الحالية .
أما في ارض العراق التي ترزخ منذ اكثر من عقد من الزمان تحت رحمة القتل والدمار وسط انعدام السيطرة الحكومية الفعلية على مفاصل الأمان وانتشار العصابات المسلحة والميليشيات المرتبطة بدول أقليمية وعربية , كل ذلك ادى الى إنتشار رعب غير مسبوق في الشارع العراقي .
وتوالت المؤتمرات والتصريحات السياسية البعيدة عن الواقع مخلفة يأس شعبي من أي تحسن او عملية إصلاح قد تحسن من واقعه المرير .
لتخلف ثورة أو لنسمها إنتفاضة عارمة في مناطق (المثلث السني) وبغداد إضافة الى عدد من محافظات الجنوب العراقي وكحال أي غليان شعبي , واجهت الإنتفاضة عمليات قمع وترهيب , تلاها مباشرة سيطرة تنظيم الدولة الارهابي على ثلثي العراق , ليبزغ نجمه إضافة الى نجم الميليشيات المسلحة في عمليات قتالية شرسة راح ضحيتها الألاف من المواطنين الابرياء , تحت مسميات التحرير المزعومة التي انتهجها الطرفين المتقاتلين .
نظرة تصالحية أم مواقف عدائية
إلا إن هذا الواقع لم يبق على حاله بل شهدت عدد من الدول عمليات تصالح بين المتخاصمين وإن لم يكن هذا الصلح على المستى المأمول إلا إنه عبر عن التقاء مصالح الحكومة والشعب , كحال ليبيا ما بعد القذافي وتونس ما بعد بن علي كما إن مصر وإن لم تشهد الصلح إلا أنها شهدت إنقلاب عسكري سيطر فيه الجيش على مقاليد الامور في محاولته لتهدئة غضب شوارعه .
وفي سوريا لم تكن هناك اي عمليات للمصالحة بل العكس لا تزال النظرة العدائية مسيطرة على الطرفين لما واجهه البلد من قتل وخراب , كما إن مستقبل سوريا لا يزال مجهولا وسط تراجع حدة المعارك تارة وتوسع رقعتها حيناً أخر .
والعراق فإن أي عملية مصالحة مرفوضة من قبل الاطراف المتخاصمة متمثلة بمسؤولي المنطقة الخضراء وقادة الاعتصامات والاحزاب المعارضة , فالأخير يجزم وبالأدلة أن داعش لم يكن سوى صنيعة ايرانية خطط لها في طهران لإحتلال مناطقه لتبدأ بعدها الحكومة وفق الخطة المرسومة لها عملية ما يسمى بالتحرير وما خلفته من محو وتدمير أحياء سكنية كاملة وقتل وتشريد أهلها .
إن تصاعد الحنين الشعبي لعودة حزب البعث تزداد وتيرته يوما بعد الأخر وبالاخص خلال السنتين الماضيتين , بسبب كل ما مر به الشارع العراقي من متغيرات وإعتداءات وجرائم قابلها الصمت الحكومي وإنعدام أي تحرك سياسي للوقاية أو منع تكرار هذه الجرائم مرة اخرى .
كما إن المتغيرات الطارئة التي شهدتها المنطقة الخضراء في الأونة الأخيرة من خلافات سياسية حادة إنعكس أثرها سلباً على المواطنين تؤكد ما أشرت اليه في فشل أي محاولات تصالحية بل وصعوبة حدوثها إن لم نقل إستحالتها في الفترة الراهنة .
حلول أم أحلام
جميل هو الكلام إذا نطق ولكن حال الامة العربية لا يشتهي الكلام بل يرغب بالأفعال لتكون دليل على حب الحاكم لوطنه وشعبه .
والتعاسة تطربنا بألحانها أغلب الأحيان ولكن للعبر صدى أعلى , حيث من الواجب المناط بالمواطن العربي على العموم والعراقي على وجه الخصوص أن يواجه واقع أزمته بالعقلانية , كيف ؟, بالتعلم من الدروس السابقة , بدأ من الاحتلال الغاشم ولغاية التحرير المزعوم وما جرى خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً من أحداث وجهتها اليد الخارجية المسيطرة على مقاليد المنطقة الخضراء .
قد يبدو للقارئ إنها أحلام لا تمت للواقع بصلة , ولكن لنا نظرة أخرى , فالدعم المقدم لرؤوس الفساد والفتنة في العراق مرتبط ببقاء هذه الفئة على أعلى هرم الحكم , وينتهي دعمهم بإنتهاء وجودهم السياسي , وها هي الانتخابات تطرق الأبواب من جديد , من هنا تأتي نظرتنا بالإبتعاد عن دفاتر الإنتخاب ليعد التعبير الأمثل عن الرفض الشعبي لتسييس دماء المواطنين وأموال الوطن لأغراض ومصالح شخصية , حينها يتحول الحلم الى واقع .
ماذا عن فلسطين وسوريا واليمن وبقية بلدان أمتنا الجريحة , فالحال كذلك والعبرة من العراق , فكل ما حل بتلك البلدان ما هو الى نسخة طبق الاصل من الأزمة العراقية بل وإمتداداً لها , فإذا هبت النفوس نحو صلاح أرضها إرتقت بشعبها .
الحل بسيط وإن لم يكن تحقيقه سهلا , إلا إنه الأقرب واقعاً لحقيقة ما نعيشه اليوم , ويبقى السؤال عن مستقبل أمتنا وأوطاننا مجهولا حتى يندفع الوطن بشعبه لإستعادة مجده .