29 ديسمبر، 2024 8:43 ص

البشرية تعيش في زمن صعب عسير , لأنه لا يسمع إلا ما يريد أن يسمع , وما يسمعه كذب وخداع وتضليل وفبركات متنوعة , خصوصا وقد سادت وسائل التواصل والتفاعل وتقنيات التشويه والتخريب , وكلها تسعى لغاية واحدة , خلاصتها إمتهان الإنسان , وإفتراس الحقيقة والصدق , وإعتبار ذلك من المعلومات التي لا يجوز إفشاؤها , لأنها مصنفة على أنها تمامة السرية (كلسيفايد) , وهذه المعلومات هي الصادقة الممنوعة من التداول , وما يُسمح به هو الأكاذيب والأضاليل وحسب.

فالصدق لا يخدم المصالح , ولكي تكون سياسيا بارعا عليك أن تكون كذّابا من الدرجة الأولى , لكي تأكل أكتاف الآخرين , وتوقعهم في مطبّاتك ومشاريعك المرسومة.

أي أن التفاعل القائم ما بين المجتمعات يجري وفقا لمفهوم (أتغدى بك قبل أن تتعشى بي) , وهذه هي الحقيقة المرة التي تغفلها المجتمعات العربية , وتتعامل بسذاجة وطيبة وتُصدّق ما يقال لها , فتنخدع وتنزلق وتتحول إلى فرائس شهية على موائد الطامعين.

ومن الواضح أن مئات المقالات تُنشر كل يوم في المواقع والجرائد والصحف ووسائل الإتصال والتلفزة والإذاعة , ومعظمها ذات نسبة عالية من الكذب واالتضليل , وما ترمي إليه هو النيل من الناس وإمتلاك مصيرهم ومصادرة وجودهم والقبض على حقوقهم , وفقا لمقولات وكلمات وعبارات مقرونة بما يجعل القارئ مرهونا بها.

ومن حسن حظ هذه الأمة أنها لا تقرأ!!

إذ يبدو أن عدم القراءة وسيلة دفاعية أمام سيول الأكاذيب ووابل البهتان المنهمر في كل مكان , ومن الأفضل لأبناء الأمة أن لا يقرؤون لكي يحافظوا على بعض معالم وجودهم , ونمطيات تفكيرهم الصالحة للبقاء المتميز والقادر على إستعادة دورهم والتفاعل مع زمانهم بهمة طاهرة وقاهرة.

فلكي تتحدى الهجمات الهادفة لتلويث الرؤوس والنفوس والأرواح , من الأحرى على الناس أن لا يقرؤا , بل ولا يسمعوا , ولا ينظروا لشيئ , فكل ما هو قائم يهدف للعدوان عليهم , وتدميرهم , وتخريب مدنهم وقراهم ولحمتهم الإجتماعية , وتقاليدهم الطيبة العريقة.

وهذه صيحة في زمن أصم , ومكان تستنقع فيه الموجودات وتتعفن , وتتخمر الأفكار والرؤى والتصورات , لتتحول إلى نبيذ للكراهية والعدوانية والتبعية , والتعاون مع أعداء الوجود الوطني لتدمير ما هو وطني , وصالح للحياة والبناء والتقدم.

فهل أصبح من الواجب أن نصم الآذان , ونغطي العيون , ونكم الفواه والأنوف , فلا نشم ولا نتكلم , ولا نسمع خزعبلات الكلام الكاسد الفاسد , الذي يُراد له أن يسوّق ويُباع في أسواق قتل الشعوب وتسخيرها للقيام بواجب الإنتحار اللازم لإمتلاكها وإفنائها؟!!

تساؤل فيه نظر , يا أمة تمتطيها أساطين الخطر؟!!