22 ديسمبر، 2024 3:53 م

صدّام حسين: أشبعتُ الكلاب, وجوّعتُ الأسود!!

صدّام حسين: أشبعتُ الكلاب, وجوّعتُ الأسود!!

أحد أهم الأسباب التي أضعفت؛(دولة صدام حسين) وأدت إلى انهيارها لاحقاً, هو؛ البطانة المنافقة, والتي تُسمعه ما يحبُّ من كلام وتحجب عنه ما يجب أن يعرف, لكي يتخذ القرار المناسب, في الوقت المناسب. كما جلبت له النقمة, لأنها استغلّت مواقعها للإثراء غير المشروع والتجاوز على القانون. وهؤلاء الانتهازيون؛ هربوا بما اكتنزوا من مال حرام, ثم بدأوا يتاجرون الآن بإرث صدام حسين المعنوي, كذباً ورياءً.
ومن هؤلاء الذين أقصدهم, مَن استأمنهم الرئيس على ملايين الدولارات قبيل احتلال بغداد بقليل, على أساس حفظها لديهم كودائع, للاستفادة منها لاحقاً في تمويل عمليات المقاومة ضد الغزاة, فخانوا الأمانة وتصرّفوا بالأموال لحسابهم الشخصي مدّعين كذباً؛ إن الأمريكان قد أستولوا عليها, فكانوا كالذي؛(ودّع البزون شحمة)!!. وهم من القياديّين وكبار المسؤولين ومن أفراد الحماية الخاصة بالرئيس, وبعض من أقاربه المقرّبين, وآخرين غيرهم. والذين خانوا العهد والوعد وحنثوا باليمين. هؤلاء المنافقون؛ يجب فضحهم وتعريتهم, ولو قُيّض لصدام حسين العودة للحكم قبل أسره واغتياله, لكان أول عمل له, هو جزّ رقاب هؤلاء الخونة الأفّاكين.
ووفقاً لشهادة؛(سلوان ابراهيم المسلط), التي أدلى بها للمحامي سليمان الجبوري؛ والذي كان مرافقاً لصدام حسين في مزرعة قيس النامق لغاية تاريخ اعتقاله؛ إن(الرئيس), طلب منه إبلاغ أحد ضباط الحماية, وهو من(المخضرمين), ليطلب منه تسليم الأربعة ملايين دولار المودعة لديه, فرفض هذا تسليم المبلغ, حتى ولو جاءته رسالة بخط وتوقيع صدام, إلاّ إذا حضر الرئيس إليه بنفسه؛(شخصيا)!!. ولما نقلوا جوابه لصدام, علّق بما معناه: أبلغوه.. إنه إن تمكنتُ منه يوماً, فسأقتله, وأترك جثته معلّقة لمدة سبعة أيام, حتى تأكل الطير من رأسه !!.
قيل قديماً:(آفة الملوك حاشيتها), والتي تحيط به احاطة السوار بالمعصم, وتحجب عنه الحقائق, وتسمعه ما تشتهيه نفسه, وتطرب له أذنه من ثناء, ويجعلون منه نصف إله, وتبرّر الحاشية كل أفعاله وأخطائه, ولسان حالهم يقول:(موافقون..منافقون), ولكنهم سيتوارون فور انتهاء سلطانه, وسيتحوّل بعضهم الى ضحايا ومتضرّرين من حكمه وادّعاء (المظلومية),وآخرون منهم الى (وشاة), ضدّه!!.
وعلى ذكر الوشاة, فإن أكثر شعب تتفشّى فيه الوشاية, هذا الفعل الدنيء والخسيس,هو الشعب العراقي, الذي أوهمنا قادته لردح طويل من الزمن,إنه؛(شعب عظيم)!!. ففي سنة 61 هجرية, كتب ثلاثون ألف من أهل الكوفة, للحسين بن علي, طالبين منه القدوم إليهم, وقيادة الثورة ضد حكم أولاد عمومته الأمويين, فأرسل لهم ابتداءً ابن عمه مسلم بن عقيل لأخذ البيعة له, وفور وصوله, وشوا به لوالي الكوفة, والذي ضرب عنقه بالسيف. ومنذ ذلك الحين, وقبله أيضا, والوشاية تترى في صفوف هذا الشعب(العظيم)!!.
سيخوض الزعيم معركته الأخيرة, وحيداً. حصل هذا عند انقلاب 14 تموز 1958, يوم تخلّى الجميع عن رجالات العهد الملكي, بما فيهم العقيد طه البامرني آمر لواء الحرس الملكي, والذي انضمَّ من فوره للانقلابيّين. وحصل يومي 8و9 شباط 1963,عندما انفضّ المطبلّون عن الفريق الركن عبد الكريم قاسم, والذين كادوا يؤلّهونه وأطلقوا عليه 55 لقباً, ولم يتبقَ معه في وزارة الدفاع في يومه الأخير, سوى ستة أشخاص فقط؛ قُتل منهم اثنان خلال المعركة, وأعدم ثلاثة معه في دار الاذاعة رمياً بالرصاص, ونجا السادس من الموت بإعجوبة!!.
أما الرئيس صدام حسين, فقد كانت قصته مع الحاشية أكثر إيلاما. فقد توارى المدّاحون الدجّالون المنافقون, بعد أن كان (يعلفهم) بما لذَّ وطاب, تحسّباً لمثل هذا اليوم, فلما جاء اليوم الموعود, تركوه وحيداً, وهو يكابد شعوراً قاسياً للغاية, بالحسرة والمرارة والندم, عبّر عنها بالقول المنسوب له:( أشبعتُ الكلاب, وجوّعتُ الأسود). لدرجة إنه لم يجد ملاذاً له بعد الاحتلال, سوى مزرعة طباخه السابق؛(قيس النامق), حيث ظلَّ قابعاً فيها لمدة ثمانية أشهر متواصلة, لعدم وجود بديل, حتى تم أسره, ولم يبارحها سوى مرتين أو ثلاث, ومعه عدّة أفراد من حمايته الشخصية, تحوم شبهة الوشاية حول بعضهم, والبعض الآخر من أفراد الحماية الخاصة, استحوذ على ما بذمته من أموال كوديعة, لحسابه الشخصي, وفرَّ ب(الغنيمة) هارباً خارج العراق,لا يلوي على شيء, ليتابع من هناك؛(نضاله الديسكوي)!!.
ومنهم من رفض الحضور للمحكمة ك(شهود نفي) في قضية الدجيل, ومن حضر منهم, وهم قلّة, اشترطوا اخفاء شخصياتهم وتغيير أصواتهم, بينما كانوا فيما مضى, يتكالبون على الظهور خلف؛(السيد الرئيس), والتباهي بذلك!!.
كما توارت تلك الجموع الحاشدة التي كانت تستقبله بالزغاريد والأهازيج والرقص, ونكران الجميل للكثيرين من أولئك الانتهازيين الذين أجزل لهم العطاء سابقا, والجحود الذي رآه من عدد ليس بالقليل من الذين أغرقهم بالأفضال, ولكنهم قلبوا له ظهر المِجنّ وخانوه, أو تواروا عنه, بعد أن كانوا يقسمون له يمين الولاء والاخلاص, كذباً وتملقاً, وهذا هو حال الانتهازيين في كل زمان ومكان, فهم رهن مصلحتهم ويميلون حيث الريح مالت.
في تاريخ العراق الحديث, تقترن نهاية الحاكم, بنهاية حكمه, على الأغلب, فلا يعرف موقف حاشيته ونكوصهم من بعده. ولكن الأقدار, لعبت لعبة مختلفة مع؛(صدام حسين),فبعد انتهاء عهده في 9-4-2003, اختفى لمدة ثمانية أشهر, رأى ولمس خلالها الكثير من الأخبار والوقائع, عن أولئك الانتهازيين المنافقين الذين قرّبهم إليه, وفي ظنّه إنهم سيكونون؛(حزام ظهره),ورجاله الخُلّص في الشدائد والمحن, فإذا بهم أول الناكصين!!. وما لم يعرفه خلال هذه المدة عنهم, أدركه خلال السنوات الثلاث التي مكثها في المعتقل, قبل إعدامه. وفي ذلك درس بليغ, وعبرة لمن يعتبر.
يا أيتها الدنيا الفانية.. ما اوسخك !!!.. والاوسخ منك؛ بعض من يمشي على ظهرك.