قراءة في قصيدة : منْ إنسان نياندرتال حتى وجهِ غجريّ – للشاعرة : سروه عثمان – كردستان العراق .
قصيدة “من إنسان نياندرتال حتى وجه غجري” لسروه عثمان تمثل تجربة شعرية غنية تعكس الهوية الكردية ومعاناتها التاريخية. من خلال عدة عناصر، نستطيع إجراء قراءة تحليلية أعمق.
1. الإطار التاريخي والثقافي
تبدأ القصيدة بالاستناد إلى حضارة عريقة، مما يشير إلى عمق التاريخ الكردي. الشاعرة تستخدم صورة إنسان نياندرتال كرمز للأصول البدائية، مما يعكس فكرة الاستمرارية التاريخية، لكنها أيضًا تنبه إلى الجوانب السلبية لهذا التاريخ. تتداخل المشاعر بين الفخر بالأصول والألم الناتج عن التاريخ الدموي، وهو تناقض يعكس الهوية الكردية المعاصرة.
2. اللغة والتصوير
توظف الشاعرة لغة غنية بالصور والاستعارات. مثلاً، “عظَمة ضائعة” تشير إلى فقدان الأمل والهوية، بينما تعكس الأسئلة الموجهة للطبيعة (الجبل، السماء، الغيم، الثرى) شعورًا بالبحث عن إجابات ومعاني. كل عنصر من عناصر الطبيعة يعبر عن جانب مختلف من الألم الجماعي، مما يخلق تفاعلًا حيويًا بين الإنسان والطبيعة.
3. السرد والتقنية
تستخدم الشاعرة تقنية السرد من خلال الأسئلة والأجوبة، مما يعزز الشعور بالبحث عن الهوية والفهم. هذا الأسلوب يجسد حالة من الحوار الداخلي والخارجي، حيث يتحدث الشاعر ويمثل الصوت الجمعي للشعب الكردي. تلك الأسئلة تعكس أيضًا حالة من الاستنكار والاحتجاج على الوضع الراهن.
4. الرمزية
كل رمزية في القصيدة تحمل دلالات عميقة. على سبيل المثال، “نهراً من الدماء” يشير إلى المجازر والمعاناة المستمرة، بينما “اللون الأحمر” يعبر عن الفقد والوجع. هذه الرموز تعزز من التجربة العاطفية للشعر، مما يجعل القارئ يتفاعل بشكل أعمق مع المعاناة الكردية.
5. الجانب الفلسفي والوجودي
تتساءل الشاعرة عن معنى الوجود في ظل الألم التاريخي، مما يعطي القصيدة بعدًا فلسفيًا. الألم يصبح جزءًا من الهوية، كما أن البحث عن الجذور والأصالة يتقاطع مع تجربة الاغتراب.
6. خاتمة
تعتبر قصيدة “من إنسان نياندرتال حتى وجه غجري” تعبيرًا عن الصراع الكردي الدائم، حيث تتداخل الهوية والتاريخ والذاكرة بشكل معقد. من خلال الأسلوب الشعري القوي، تنجح سروه عثمان في نقل معاناة شعبها، مما يجعل النص صوتًا يحمل الأمل والحنين، ولكنه يظل عالقًا في واقع مؤلم.
القصيدة :
منْ إنسان نياندرتال حتى وجهِ غجريّ
زللتُ على حضارةٍ عريقةٍ ..عريقة !
على تاريخٍ دمويٍّ طافحٍ بالخيانةِ والكذب !
على كتابةِ الشعرِ والأدبِ الصدوق !
زللتُ على نضالٍ لا ينتهي وراح ينحرف !
زللتُ على فولكلور أصيلٍ
شَمَمْتُ فيهِ أريجَ أسلافي
على حياةٍ ظلماء طافحةٍ بالآلامِ دونما إرادتي
زللتُ على تقديم القرابين
على تأنسني
على كوني كرديّةً
و إذْ كتبتُ ؛ فقدْ زللتُ
حینَ کتبتْ عظَمة ضائعة
((عظَمة ضائعة))
سألوا الجبلَ :
-لماذا تبكي؟!
فأجابت:
-انكسرت عَظَمةُ شجرةٍ عريقة
يستحيل تجبيرها !
سألوا السماءَ :
-لماذا تضبَّبتِ واغْتَضْتِ ؟!
قالتْ :
-يمسكُ اضمحلالُ نجمةٍ لألاءةٍ تلابيبي يوميّاً !
سألوا الغيمَ :
-لماذا إحلولكتِ وتمرّدتِ طائشةً في السماء ؟!
فقالت:
-لا بروقُ ولا رعودُ غضبي
تحرقُ قِشَّ صحراء !
ولا يجرفُ فيضاني أدرانَ نفْسَ خائن
ثمَّ سألوا الثرى :
-لماذا أنت في مأتم وترتدي اللونَ الأحمر؟!
فأجاب :
-لقدْ استحالتْ آلامُ وجراحُ شعبي
نهراً من الدماءِ الجاريةِ عبر تاريخي المنكوبِ!
سروه عثمان ـ المعروفة ب (سروەی بەیان)