18 ديسمبر، 2024 4:52 م

صدمة أردوغان والصمت الأوروبي

صدمة أردوغان والصمت الأوروبي

أخفقت تركيا في ابتزاز أوروبا بخيارها الروسي. وهو ما أحرج أردوغان الذي لم يصـدق أنـه بـات وحيدا في ظـل تبدل المـواقف من الحرب الدائرة في سوريا.

تعامل الأوروبيون بروية وحكمة مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير المسبوقة التي وصف من خلالها السياسة الهولندية بالنازية. وهي صفة محظورة لا يقبل الأوروبيون تداولها علنا، لأنها تشير إلى واحدة من أكثر لحظات تاريخهم المعاصر بؤسا.

ربما يعود سبب ذلك إلى أنهم كانوا يتوقعون أن يصاب أردوغان بالجنون الانفعالي وهو يتلقى ضربة لم يسع إلى تفاديها، بل كان مصرا على أن تقع، ليتخذ منها مناسبة للتعبير عن خيباته المتراكمة نتيجة للموقف الأوروبي الذي تركه وحيدا في مواجهة روسيا بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية.

الأسوأ بالنسبة إلى أردوغان أن أوروبا لم تظهر أي اهتمام يُذكر بما فعلته تركيا من أجل استرضاء روسيا. صمتت أوروبا حين رأت أردوغان يرتمي في أحضان فلاديمير بوتين، وهو صمت لم يكن يتوقعه الرئيس التـركي الذي يعتقد أنه قدم خدمات جليلة إلى الغرب حين فتح حدوده مع سوريا للمقاتلين القادمين من كل أنحاء الأرض للمساهمة في إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. يومها بدا أردوغان كما لو أنه فقد الجدار الذي يستند إليه.

وكما يبدو فإن الخيار الروسي لم يكن بالنسبة إلى أردوغان رهانا نهائيا، بقدر ما كان محاولة لابتزاز أوروبا وبالأخص أن الأوروبيين قـد أنهوا أزمـة اللاجئين عن طريق تقديم رشوة إلى تركيا والـوعد بتسهيل دخول الأتراك إلى أوروبا. قدمت أوروبا الرشوة غير أنهـا لم تف بوعـدها الذي كان أردوغان ينظر إليه باعتباره خطوة تمهد لقبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي.

أخفقت تركيا في ابتزاز أوروبا بخيارها الروسي. وهو ما أحرج أردوغان الذي لم يصـدق أنـه بـات وحيدا في ظـل تبدل المـواقف من الحرب الدائرة في سوريا، حيث فقدت أوروبـا حماستها لإسقـاط نظام الرئيس الأسد بعد أن تصاعد الحديث عن الإرهاب.

وهكذا فإن أزمة أردوغان مع أوروبا لم تبدأ مع منع هولندا ومن قبلها ألمانيا لقيام وزرائه بالترويج للدستور الذي يوسع من صلاحياته الرئاسية بين الجاليات التركية المقيمة في أوروبا، بل كانت تلك الأزمة قائمة في ظل عـزوف أوروبي عن التعامل بشكل جـاد مع مشروعي أردوغـان المحلي والإقليمي. خلاصة القول أن أوروبا لم ترغب في أن تتورط في الترويج لولادة سلطان عثماني جديد. وهو ما يمكن أن يدركه بيسر أي متابع لتطورات العلاقة بين الطرفين.

غير أن أردوغان بعناده الإخواني كان رافضا لحرية الآخرين في أن يتخذوا موقفا مناوئا لما يفكر فيه. لذلك اندفع إلى خرق السيادة الوطنية لدول أوروبية، يعرف أنها لن تتساهل في ما يتعلق بالتدخل في شؤونها الداخلية من خلال استعمال مواطنيها الذين هم من أصل تركي.

غير أن كل هـذا لا يعني أن الرئيس التركي قد تصرف بسذاجة حين لجأ إلى التصعيد مع أوروبا. فما يمكن توقعه أن التصعيد التركي الذي بدأ بالاستفزاز عن طريق الزيارات الملغاة وانتهى بالحديث عن النازية كـان المقصود به إثـارة أوروبا وجعلها تلتفت إلى تركيا التي باتت تشعر باليتم.

ما يعرفه أردوغان جيدا أنه سيُضحك العالم عليه لو أنه هدد مثلا بمعاقبة هولندا. فالرجل بالرغم من هيامه بشخصيته يتمتع بنـوع من الحنكة السـياسية تجعله قادرا على معرفة حجم تركيا مقارنة بالدول الأوروبية منفردة ناهيك عن الاتحاد الأوروبي.

ربما قال أردوغان ما قاله عن هولندا بطريقة متحدية إرضاء لمؤيديه وإشعالا للروح القومية التي غالبا ما غلفها بطابع ديني، غير أنه في أساس ما قاله كان يود أن يدفع الأوروبيين إلى العودة إلى التفكير بتركيا شريكا. أوروبا التي تعاملت بحكمة مع تصريحات أردوغان المستفزة ستصدمه مرة أخرى بصمتها الذي يعني أنها لم تعد تكترث بتركيا.

وهو ما قد يدفع به إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء في حق المواطنين الأوروبيين من أصول تركية حين يضعهم في موقع شبهات بالنسبة إلى سلطات بلادهم. ما يقوم به أردوغان وهو يسعى إلى التعبير عن صدمته إنما هو نوع رث من السياسة وهو ما يشجع أوروبا على إهماله أكثر.

نقلا عن العرب