السيرة والتكوين:
ولد صدام في قرية العوجه التابعة في مدينة تكريت لعائلة تمتهن الزراعة.. كان حسين عبد المجيد والد صدام رجلاً فقيراً.. عاش يتيم الأبوين.. وكان يعمل حارساً تزوج من صبحه.. وهي إحدى قريباته.. وأنجبا طفلاً مات بعد أربعة شهور من ولادته بسبب المرض.. ثم حملت بعد ذلك بصدام.. وأثناء حملها أصيب زوجها بكسر في أسفل ظهره لقفزه من فوق سطح منزله إلى الأرض للانقضاض على أحد الأشقياء كان يحاول التحرش بزوجة جاره.. ثم مات حسين المجيد قبل ولادة صدام بثلاث شهور.
زواج أمه.. وانعكاسه عليه:
عندما أصبح صدام في الثانية من عمره مات جده.. فانتقلت به أمه ليعيشا في كنف خاله في بغداد.. ثم حدث التحول الأهم بعد ذلك في حياة صدام.. الذي كان له أكبر الأثر في تكوين شخصيته فيما بعد.. بعد زواج أمه من إبراهيم الحسن (والد إخوة صدام غير الأشقاء: أدهام.. وبرزان.. ووطبان.. وسبعاوي).
فالذين عرفوا إبراهيم الحسن يصفونه.. كما ذكر القيادي البعثي صلاح عمر العلي: بأنه شخصية شريرة لا حدود لمشاعر القسوة فيها.. وأنه لم يحمل أية مشاعر ود لصدام.. وقد عامله بعداء مفرط.. وكان يضربه بلا رحمه على رغم من صغر سنه.. وكان إبراهيم الحسن يصر على أن يتعلم صدام كل فنون الزراعة والرعي.. وهو في سن صغيرة جداً.. وحين كانت أم صدام تحاول أن تحميه من بطش زوجها كان ينهرها ويعنفها.. فقد كان يرى أن الأسلوب الأفضل في تربيته هو الشدة والقسوة حتى يصبح رجلاً.
لم يتوقف الأمر على ذلك بل إن إبراهيم الحسن منع صدام من دخول المدرسة.. رغم أن صدام كان تواقاً لذلك ليكون مثل باقي الأطفال من ناحية.. وليهرب من قسوة زوج أمه.. وهكذا عاش من الثالثة حتى التاسعة من عمره.. حياة انتهكت فيها طفولته بكل ألوان القسوة والغلظة والرفض والحرمان.. وكان صدام يرعى الغنم في صغره.. وتعلم السباحة.. والرماية.. وركوب الخيل أيضاً.
وقد ذكر صدام لأمير اسكندر كاتب سيرته الذاتية قائلاً:” لم أشعر أنني طفل أبداً كنتُ أميل إلى الانقباض.. وغالباً ما أتجنب مرافقة الآخرين”.. لكنه وصف تلك الظروف بأنها منحته الصبر والتحمل والاعتماد على الذات.. ومن ضمن ما حكاه صدام حياة صعبة.. اندفع عليها بسبب الفقر.. فكان يبيع البطيخ في القطار المار بتكريت في طريقه من الموصل إلى بغداد.. كي يطعم أسرته.
صدام.. الفتى:
في سن الحادية عشرة انتقل للعيش مع خاله خير الله طلفاح.. في قرية شاويش بالقرب من تكريت.. حيث كان خير الله طلفاح ضابطاً في الجيش.. وعرف خاله بأنه من القوميين العرب المتحمسين.. وأدى حماس خير الله للنازيين إلى طرده من الجيش العام 1941.. وسجنه خمس سنوات عمل بعدها مدرساً.. وكانت تربطه بصدام علاقة قوية.
تقترن عودة صدام الشاب للعيش مع خاله في تكريت بحكايات مفادها أن خير الله.. الذي كان بمثابة والد صدام بالتبني قد عرض مساعدة صدام للحصول على تعليم مناسب.. رغم أن عائلة صدام كانت تريد منه أن يصبح مزارعاً.. على أساس أنه لا فائدة من التعليم.. لكن صدام رغبً بالذهاب إلى المدرسة بعد أن التقى بابن خاله عدنان خير الله.. الذي أبلغه كيف أنه يتعلم القراءة والكتاب والحساب.. تأثر صدام بما سمعه من ابن خاله حتى أنه قرر السفر معه إلى تكريت للالتحاق بالمدرسة.. وقد كانت هذه أول خطوة تمرد يتخذها صدام.. حيث كانت أسرته لا تزال مقتنعة بأن التعليم ما هو إلا مضيعه للوقت بالنسبة له.
صدام.. الطالب:
ألتحق صدام للدراسة الابتدائية العام 1947 في تكريت.. وبعد أن أكمل السنة الأولى بالمدرسة انتقل إلى بغداد مع خاله خير الله طلفاح فأكمل دراسته الابتدائية.. ولم تكن تجربة صدام التعليمية ممتعه.. فقد كان صدام يزامل أطفالاً صغاراً مما كان يسبب له حرجاً.. وكلمات تنم عن السخرية.. فكان يدخل في مشاجرات مع البعض منهم.. وقد تركت تهكمات أولئك الطلبة جروحاً عميقة في نفسه.. ويقال أنه عندما شب عن الطوق.. عاد إلى تكريت للانتقام ممن كانوا يسخرون منه.
كان صدام يتلقى التشجيع بصفه خاصة من خاله وابن خاله عدنان.. الذي كان يكبره بثلاث سنوات للاستمرار في التحصيل الدراسي.. فالتحق بعد ذلك في بغداد بالمرحلة الثانوية مع عدنان في ثانوية الكرخ.
كانت الصورة التي التقطت له في تلك الفترة تظهر صبياً عبوساً حاد النظرات.. مظهره يدل على أنه قادر على العناية بنفسه.. وكان على صدام أن يتغلب على الكثير من العقبات للالتحاق بالمدرسة.. لم يكن من الطلبة المتفوقين رغم أنه يتمتع بذاكرة ممتازة وقدره تصويرية على تذكر التفاصيل.
نشاطه السياسي:
جاء العدوان الثلاثي على مصر في أواخر تشرين الثاني العام 1956 ليندمج صدام فيما بعد في النشاط السياسي مثل الكثير من الطلبة.. حيث التحق بحزب البعث العام 1957.. رغم أن صدام يقيم رسمياً في بغداد.. فقد كان يسافر باستمرار إلى تكريت.. وكان يكسب قوته بالعمل كمحصل في أحد الباصات.
لم يكن صدام قد أكمل تعليمة الثانوي.. عندما شارك في محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في تشرين الثاني العام 1959.. وهروبه الى سورية مع بعض رفاقه.. وكان ميشيل عفلق وغيره من قادة البعث في سوريا يعتقدون بأن المشاركين في المحاولة.. سيتمتعون بأمان أكثر في القاهرة من دمشق حيث كان النظام السوري أقل استقراراً.
صدام في مصر:
في القاهرة التحق صدام بالصف الخامس الإعدادي بمدرسة قصر النيل لإكمال دراسته الثانوية والحصول على شهادة التوجيهية.. وسكن مع عدد من رفاقه في حي الدقي.
أحتفل صدام العام 1962.. وهو لا يزال في القاهرة بزواجه من ساجدة ابنة خاله خير الله طلفاح.. التي كانت لا تزال في العراق في ذلك الوقت حيث أقام حفلاً بحضور رفاقه المنفيين.. وقد تم العقد عن طريق المراسلة.. وأنجب منها ولديه قصي وعدي وثلاث بنات رنا ورغد وحلا.
تزوج صدام مرة ثانية العام 1986 من سميرة شاهبندر صافي.. التي تنتمي إلى أحد الأسر العريقة في بغداد.. وأنجب منها علياً.
انتسب صدام إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة العام 1961.. لكنه لم يكمل دراسته.
العودة لبغداد:
عاد صدام إلى بغداد في أعقاب انقلاب 8 شباط العام 1963.. لكن سقوط حكم البعث في 18 تشرين الثاني العام 1963.. أدى الى انتقال البعث الى الجبهة المعارضة.. فبدأ العمل لإعادة البعث للسلطة بإسقاط حكم عبد السلام عارف.. وكان صدام وأحد من مجموعة البعثيين الذين أنيط بهم العام 1964 مسؤولية إنشاء الجهاز الأمني للحزب.. الذي أطلق عليه جهاز حنين.. الذي أدى اكتشافه إلى الزج بقادة البعث المتبقين.
بقيً صدام في بغداد.. وبالتعاون مع قلة من البعثيين الذين لم يسجنهم عارف شكل صدام قوة جهاز حنين.. الذي ضم قساة البعثيين وبعض شقاوات بغداد المعروفين.. الذين سبق أن كسبهم البعث قبل وبعد انقلاب شباط 1963.
كانت الحرية التي تمتع بها صدام العام 1964 قصيرة الأمد.. تم خلالها بحث سيناريوهات عدة لاغتيال الرئيس عبد السلام عارف.. لكن السلطة العارفية كشفت محاولتهم قبيل تنفيذها في 5 / 9 / 1964وجرت حملة اعتقالات للبعثيين شملت صدام.. الذي استطاع بعد مدة بمساعدة بعض رفاقه تدبير خطة للهروب من السجن أثناء خروجه لإحدى جلسات المحاكمة ونجحت هذه الخطة بالفعل.. واستطاع الفرار في 23 تموز العام 1966.
صدام .. وانقلاب 30 تموز 1968:
لم يكن لصدام وكل البعثيين المدنيين دور في انقلاب 17تموز 1968.. وكل ما يقال قصص.. فكل البعثيين أدخلهم سعدون غيدان آمر الدبابات في القصر الجمهوري.. لم يكن لهم أي دور.. سوى التواجد.
لكن صدام كان الرجل الثاني في انقلاب 30 تموز 1968.. في اعتقال عبد الرزاق النايف وتسفيره خارج العراق.. واستلام البعث السلطة كاملة.. والرواية معروفة.. ولا داعي لتكرارها.
بداية ظهور صدام:
ـ اهتم صدام وبتشجيع من البكر.. بالبنية الأمنية الداخلية لحزب البعث لكونها الهيئة التي سيرتقي من خلالها للسلطة.. وقد تأثر صدام إلى حد بعيد بجوزيف ستالين الذي قرأ حياته وأعماله أثناء وجوده بالقاهرة.. وكان صدام يسمع كثيراً وهو يردد مقولة ستالين: “إذا كان هناك إنسان فهناك مشكلة.. وإذا لم يكن هناك إنسان فليس هناك أية مشكلة”.
ـ تمكن صدام من إحكام قبضته على السلطة من خلال تعيين أقاربه وحلفائه في المناصب الحكومية المهمة بالإضافة إلى مراكز التجارة والأعمال وهو ما مكنه ومن معه في نهاية العام 1970.. من أن يحتكر السلطة فعلياً في العراق.. تمهيداً للاستيلاء عليها نهائياً.
اتفاقية الجزائر 1975:
اقترحت القيادة الكردية على حكومة بغداد تأجيل إعلان الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق في 21 آذار العام 1974.. حسب اتفاق آذار الموقع بين حكومة بغداد والقيادة الكردية.. طلبت الأخيرة تأجيل الإعلان لحين الاتفاق على حدود منطقة كردستان.. لكن بغداد رفضت الطلب.. لتبدأ العمليات العسكرية ضد الأكراد.. وكانت فرصة لتنامي سيطرة صدام على الأمور في العراق.. فقد كان هناك نزاع على شط العرب بين العراق وإيران.. وكانت إيران في عهد الشاه تساعد الأكراد.. مما ساعد على تفاقم القتال وموت مائة ألف عراقي من الأكراد والعرب ما بين عامي 1974 إلى 1975.. وتدخلت الجزائر بين العراق وإيران.. وتم توقيع اتفاقية الجزائر لعام 1975.. كانت بنودها تقسيم شط العرب بين الطرفين.. مقابل امتناع إيران عن مساعدة الأكراد.. وأن تقوم حكومة العراق بإبعاد (الخميني) من النجف.. ووقع الاتفاق عن الجانب العراقي صدام الذي كان وقتها نائباً لرئيس مجلس قيادة (الثورة).
دور صدام في العلاقات الدولية:
ـ سعى صدام حسين لأجل أن يلعب العراق دوراً ريادياً في الشرق الأوسط فوقع العراق اتفاقية تعاون مع الإتحاد السوفييتي العام 1972.. وأرسل للعراق أسلحة وعدة آلاف من الخبراء.. لكن الإعدام الجماعي للشيوعيين العراقيين العام 1978 وتحول العلاقات التجارية إلى الغرب وترً العلاقات مع الاتحاد السوفيتي.. واتخذ العراق منحى أقرب إلى الغرب لاسيما فرنسا.
ـ قام صدام بزيارة إلى فرنسا العام 1976مؤسساً لعلاقات اقتصادية وطيدة مع فرنسا.. ومع الدوائر السياسية المحافظة هناك.. وقاد صدام المعارضة العربية لتفاهمات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل العام 1978.
ـ المفاعلات النووية:
أطلق صدام مشروع التقدم النووي العراقي في الثمانينيات من القرن الماضي.. وذلك بدعم فرنسي.. وأسس الفرنسيون أول مفاعل نووي عراقي باسم أوزيراك.. وأسماه العراق تموز (1).. الذي تم تدمير المفاعل بضربة جوية إسرائيلية بحجة أن إسرائيل شكت في أن العراق كان سيبدأ إنتاج مواد نووية تسليحية.. وقال صدام بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية مهدداً إسرائيل: “بأنه يمتلك الكيماوي المزدوج.. وأنه قادر على حرق نصف إسرائيل لو قامت بالاعتداء على العراق”.
تسلم صدام قيادة الدولة والحزب:
في تموز 1979 تسلم صدام رسمياً كل سلطات الدولة والحزب في العراق.. بإعدام 22 قيادياً بعثياً تحت ذريعة إنهم متآمرون.. وهكذا صفى كل المعارضة ليبدأ حربه مع إيران.. وبدأ العراق يفقد كل ما حصل عليه من انجازات عمرانية وعسكرية وتعليمية وغيرها.
تصفية المعارضة:
منذ بداية تسلم البعث السلطة بدأ صدام بتصفية المعارضين لسلطة البعث والمنافسين له والمحتمل أن يكونوا منافسين لسلطته بكل أشكال البربرية والقتل الذي تعلمه منذ العام 1963.. حتى وصل انه يقود أكبر المؤسسات الأمنية والمخابراتية في المنطقة.. ولم يتوانى من قتل أقرب المقربين له حتى لأتفه الأسباب.
مواجهة المعارضة:
منذ العام 1970 أخذ نظام البعث يحاول منع المواكب الحسينية خصوصا في كربلاء والنجف.. وتنطوي أهمية هذه المواكب على المراسم المرافقة لها إذ ينطلق آلاف المعزين من كل أنحاء العراق مشياً على الأقدام مسافة طويلة.. تستمر لأربعة أيام مثيرين بذلك المشاعر الحزينة.. كذلك حفيظة النظام الذي يعتبر مثل هذه المراسم تحدياً صارخاً له ولمحاولته القضاء على الروح الدينية لدى الشعب العراقي وتعزيزاً لموقع السلطة الدينية التي تمنحها مثل هذه المراسم دعماً شعبياً ظاهراً.
تصعيد المواجهة:
بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران سجل العام 1979 تصعيدا للمواجهة من قبل سلطات حزب البعث ضد الإسلاميين.. سواء العاملين ضمن الحركات والأحزاب الإسلامية.. أو يشتبه بكونهم من العاملين معهم.. كما شددت الإجراءات الأمنية في جميع الجوامع والمساجد والحسينيات والمراقد المقدسة.. بحيث كان مألوفا أن يدخل المصلون أي مسجد ليجدوا داخله مجموعة من أفراد أجهزة الأمن والمخابرات.. وهم ينتشرون داخل حرم المسجد أو باحته الخارجية.. يحملون حقائب دبلوماسية.. توضع فيها عادة المسدسات وأجهزة للتصنت والتسجيل.. كما كانت إشكالهم تدل عليهم بسهولة.
ونؤشر حقيقة: إن مطاردة الإسلاميين قد بدأت في مطلع السبعينيات لضرب المرجعية الدينية.. باعتبارها تمثل غطاءاً حامياً للحركة الإسلامية.. والإجهاز على الحركة لا يتم إلا بعد إضعاف المرجعية الدينية.. وهي تشكل حجر زاوية مهم في تفكير وممارسات القيادة البعثية.. إلا إنها تصاعدت حتى بلغت شكلها الواسع بداية العام 1977.. وما تلاه إذ تمثلت في اعتقال الآلاف من مؤيدي المرجعية.. وقد شهد العراق حملات واسعة من الاعتقالات طالت الإسلاميين النشطين الذين تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب والإعدام من دون تحقيق أو محاكمة.. وفي المدن العراقية الكبرى تعرضت جمهرة كبيرة من علماء الدين الكبار إلى الإعدام السريع.. وأغلقت مساجدهم التي كانوا يمارسون فيها أعمالهم العبادية والتعليمية.. وعلى سبيل المثال فان محكمة الثورة حكمت بالإعدام على 258 شخصاً في 22 جلسة فقط.
أكبر مصدر للمهجرين:
تم إعدام المئات فيما بعد بموجب قرار إعدام الدعاة الذي أصدره صدام في العام 1980.. وعرف بالقرار 461.. وكان من بين الذين اعدموا بموجبه السيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى في 8 نيسان 1980.. وفي العام 1999 أقدم نظام صدام حسين على قتل السيد محمد محمد صادق الصدر.. مما أدى إلى اندلاع انتفاضة (صفر) في بغداد والمحافظات الأخرى للقصاص من الحزب الحاكم.. وتوالت التصفيات والإعدامات لإعداد كبيرة من العراقيين حتى وصلت الإحصاءات لمنظمات دولية تقدرها بمليوني عراقي وتشريد أكثر من 4 ملايين عراقي في أصقاع العالم المختلفة.. وتقدر إحصاءات دولية في العام 1996 إن العراق اكبر مصدر للاجئين في العالم.. علاوة على الدمار من الحروب والتدهور والحصار.
الحرب العراقية الإيرانية:
كانت هذا من العوامل التي دفعته إلى اتخاذ القرار الخطير والخاطئ بشن الحرب على إيران في أيلول العام 1980.. فقد استغل صدام ارتباك الجيش والإدارة في إيران بعد الثورة.. ودخلت قواته مسافات طويلة داخل العمق الإيراني.. وهكذا فقد مزق صدام حسين اتفاق الجزائر الذي وقعه هو نفسه مع شاه إيران في آذار العام 1975.. واستعاد مؤقتا نصف شط العرب الذي تنازل عنه لإيران بموجب هذا الاتفاق.
إلا إن الحرب انتهت بعد ثمان سنوات من القتال الشرس خسر فيها العراق نصف مليون شهيد.. ومثله بين جرحى ومعوقين ومفقودين ورهائن.. وتخريب اجتماعي.. وبخسائر مادية وبشرية فادحة للطرفين.
الخسائر الاقتصادية لكلا البلدين تقدر بمئات المليارات.. البلدان اللذان كانا قويين ومتوسعين تحولا إلى دمار.. وأصبح العراق مديناً بتكاليف الحرب.. وهذا ما شكل إحراجا كبيراً لصدام.. الذي كان يريد تطوير قوته العسكرية.. وواجه صدام اقتراض من الدول العربية أيضاً مبالغ ضخمة من الأموال أثناء الثمانينات لقتال إيران.. مشكلة إعادة بناء البنية التحتية العراقية.. فحاول الحصول مرة أخرى على الدعم المالي هذه المرة لأجل أعمار ما دمرته الحرب.. لكنه فشل فاستعاض عن ذلك بغزو الكويت.
علاقاته بالدول العربية:
أما بالنسبة لعلاقته برؤساء وملوك الدول العربية والمجاورة فكانت تتسم بالشد والجذب من حين لآخر خاصة مع الدول الخليجية والتي كانت تدعمه أثناء حربه ضد إيران.. إلا أن هذه العلاقة بدأ يشوبها التوتر إلى أن وصلت إلى حد القطيعة خاصة بعد إقدامه على غزو الكويت العام 1990.. وبذلك قام صدام بقطع العلاقة مع معظم الأنظمة في الدول العربية فضلاً عن الدول الغربية وغيرها.
في مقابل ذلك احتفظ صدام بعد حرب الخليج الثانية بعلاقات جيدة ومتوازنة مع بعض الحكام العرب والأجانب مثل الملك حسين بن طلال والرئيس علي عبد الله صالح.. اللذان أسسا معه والرئيس المصري حسني مبارك حلف عربي هو مجلس التعاون العربي في العام 1989.. لكن لم يدم سوى لأشهر.. كما كانت علاقته وطيدة بالعقيد معمر ألقذافي والرئيس ياسر عرفات والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي زار بغداد في العام 2002 حيث كان أول زعيم يتحدى حظر الطيران المفروض على العراق منذ بداية التسعينات.. وغيرهم من بعض زعماء العالم الثالث.
غزو الكويت:
في العام 1990 اتهم العراق الكويت بسرقة النفط عبر الحفر بطريقة مائلة.. ولم تفلح المفاوضات وحتى وساطة الملك السعودي وجهود الملك الأردني الملك حسين.. فشن صدام هجوما عسكريا مباغتاً على الكويت في الثاني من آب العام1990.. استمرت العملية العسكرية يومين انتهت باستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 آب.. ثم شكلت حكومة صورية برئاسة العقيد علاء حسين خلال (4 – 8 ) آب تحت مسمى جمهورية الكويت.. ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 اب1990.. ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت.. وإعلان الكويت المحافظة 19 للعراق.. وتغيير أسماء الشوارع والمنشآت ومنها تغيير اسم العاصمة الكويتية.
وفي الطائف بالمملكة العربية السعودية تشكلت الحكومة الكويتية في المنفى حيث تواجد أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح والعديد من الوزراء وأفراد القوات المسلحة الكويتية.. وعندما اجتاح العراق الكويت فُرضت عقوبات اقتصادية على العراق.. وطالب مجلس الأمن القوات العراقية بالانسحاب من الأراضي الكويتية دون قيد أو شرط .
تحرير الكويت:
بعد احتلال العراق للكويت بفترة قصيرة.. بدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بإرسال القوات الأمريكية إلى السعودية.. وقد سميت هذه العملية باسم (درع الصحراء).. وفي نفس الوقت حاول إقناع عدد من الدول الأخرى بأن ترسل قواتها إلى مسرح الأحداث.. فأرسلت ثماني دول قوّات أرضيّة لتنضم إلى القوات الخليجية المكونة من البحرين.. الكويت.. سلطنة عُمان.. قطر.. السعودية.. والإمارات العربية المتحدة.. وألوية الولايات المتحدة الثقيلة.. التي بلغ عددها 17 لواءً.. والخفيفة البالغ عددها 6 ألوية.. بالإضافة إلى تسعة أفوج بحرية أمريكية.. بالإضافة البحرية الأمريكية.. وسلاح طيران البحرية الأخيرة.. مما جعل عدد المقاتلات الجويّة ثابتة الجناح يصل إلى 2,430.
امتلك العراق في المقابل بضعة زوارق مدفعية وزوارق حاملة للصواريخ.. لكنه عوّض عن هذا النقص في عدد القوات الأرضيّة الهائل.. والبالغ 1.2 مليون جندي، 5,800 دبابة، 5,100 مدرعة أخرى و 3,850 قطعة مدفعية.. مما زاد من القدرة القتالية للقوات الأرضية العراقية.. امتلك العراق أيضا 750 طائرة مقاتلة وقاذفة قنابل، 200 قطعة جويّة أخرى.. ودفاعات صاروخية ورشاشة دقيقة.. فتم تحرير الكويت من القوات العراقية.
انتفاضة 1991:
أدى الانهيار المريع للقوات المسلحة العراقية في الكويت.. وانقطاع الاتصالات وتدمير معظم وسائط النقل والآليات.. وهروب العديد من قادة تلك القوات وتركها في العراء.. فانسحبت تلك القوات بشكل غير منظم.. تحت وابل القصف الجوي لقوات التحالف الدولي.. وصلت هذه القوات الى جنوب العراق.. والإحباط والجوع والتعب والرعب مسيطر عليها.. وقد انعكس حقداً على قيادتهم التي تركتهم بتلك الحالة المأساوية.. وهكذا اندلعت الانتفاضة الشعبانية في جنوب العراق ومناطق الفرات الأوسط وشمال العراق.. وقضى صدام على الانتفاضة بتدمير وقتل شباب وأبناء هذه المناطق.. أما المنطقة الكردية فوقفت أمريكا ودول الغرب الى جانبها.. وهكذا أقيمت سلطة كردية منفصلة عن نظام صدام.
الاعتذار للكويت:
في 7 أيلول العام 2002 اعتذر صدام عن غزو الكويت.. لكنه ألقى باللوم على قادته.. وقد رفضت الكويت اعتذاره في اليوم التالي مباشرةً لخطابه.. حيث أتهم وزراء في الحكومة الكويتية صدام في محاولة الوقيعة بين الشعب الكويتي وزعمائه.
الحالة الأسرية:
بقيت عائلة صدام معه حتى الأيام الأخيرة.. فيما قالت زوجة صدام الثانية سميرة شهبندر في مقابلة صحفية لها: أن زوجها يتصل بها أو يكتب لها.. وإنها حصلت على إذن من السلطات الفرنسية بأن تنتقل للعيش في فرنسا مع ابنها علي.. وإنها تتوقع الانتقال إلى باريس.. وأكدت أن صدام أعطاها مبلغا قدره خمسة ملايين دولار.. وكمية من الذهب والمجوهرات قبل أن يرسلها إلى سوريا مع ابنهما علي.. قبيل سقوط نظام صدام.
النهاية:
بدأت عملية غزو العراق في 20 آذار العام 2003 من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية.. شكلت القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية نسبة %98 من هذا الائتلاف.
وتم السيطرة على البصرة في 27 آذار بعد تدمير 14 دبابة عراقية.. في 9 نيسان انهارت القوات العراقية في مدينة العمارة.. في هذه الأثناء.. وفي شمال العراق قامت مجموعة من القوات الخاصة الأمريكية بإنزال بالمظلات في شمال العراق.. لان البرلمان التركي لم يسمح باستعمال الأراضي التركية لدخول العراق.. وقامت هذه القوات الخاصة وبإسناد من القوة الجوية الأمريكية وبدعم معلوماتي من الأحزاب الكردية بدك معاقل حزب أنصار الإسلام.
في 9 نيسان 2003 أعلنت القوات الأمريكية بسط سيطرتها على معظم المناطق.. وقامت قوات المارينز بوضع العلم الأمريكي على وجه تمثال صدام ليستبدلوه بعلم عراقي.. فيما بعد أن أدركوا إن للأمر رموزا ومعاني قد تثير المشاكل.. وهكذا أسدل الستار على نظام صدام نهائيا.
القبض على صدام ومحكمته:
بعد سقوط نظامه اختفى صدام.. وتم القبض عليه بحسب ما ذكرت السلطات الأمريكية بحدود الساعة الثامنة والنصف مساء بتوقيت بغداد بتاريخ 6 كانون الأول العام 2003.. في مزرعة قرب تكريت بالعملية المسماة (الفجر الأحمر) بعد أن أبلغ عنه أحد أقربائه.. حيث كان مختبئاً في إحدى المناطق النائية.
المحاكمة:
في الخامس من تشرين الثاني العام 2006.. حوكم صدام وبعض أعوانه بتهمة الإبادة الجماعية في قضية الدجيل.. التي لقي فيها 148 من الشيعة حتفهم في بلدة الدجيل في الثمانينيات وجرائم ضد الإنسانية.. بالإعدام شنقاً حتى الموت بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية.. كما تمت محاكمة صدام وعدد آخر من أعوانه في قضية التخطيط وتنفيذ حملة الأنفال التي راح ضحيتها الآلاف من الأكراد.
نفذ حكم الإعدام فجر 30 كانون الثاني العام 2006.. تمت عملية الإعدام في مقر الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية ببغداد.