23 ديسمبر، 2024 10:41 ص

صحيح أفكار وفحيح أسفار !

صحيح أفكار وفحيح أسفار !

العقول والأقلام منشعلة بصحيح فلان ومنهج فلان وقال فلان إبن فلان , في زمن من الأزمان , وكأنها لنضوب أفكارها تتخذ منه موضوعا وعنوانا , وما تساءلت عن صحيح أفكارها وآليات تفاعلها مع عصرها , وما هي مستلزمات صناعة حياتها وبناء أوطانها.

عقول ذات وساوس ماضوية وسلوكيات قهرية تأمرها بالإتيان بما لا تقبله الأذهان , وتنفر منه طبائع الحيوان والإنسان , فكيف بربك تكون أمة غارقة في متاهات كان؟!!

هذه العقول هي التي وضعت الأمة في صناديق الباليات وأغلقت المنافذ والأبواب والشبابيك , وحكمت على الأجيال بالتبعية والخنوع , وأحاطتهم بممنوعات ذات قدرات سلطانية متصلة بالكرسي , الذي أبدعت واجتهدت بتسميات الجالسين عليه , حتى صاروا يحكمون بإسم ربّ أي دين.

وتجد الصفحات مكتظة بالكتابات عن الذي كتبته الأقلام قبل ألف عام أو يزيد , وكأن الدنيا قد توقفت منذ حينذاك , أو أنها تورطت بذاتها وموضوعها , وما عادت قادرة على الخروج من محنة قال فلان وكتب فلان , وأوّل وفسّر وأفتى فلان , وما هي إلا دوامات عثراوية يتمنطق بها العاجزون , ويسكرون بخمورها المعتقة في أقبية الظلمات وقوارير الأجداث والبائدات.

وبسبب سلوك العقول التي تسمى مُفكرة , وما هي إلا مُعثّرة ومًعضّلة , تم الإستثمار المتواصل بالجهل والإمعان بصناعة الأجيال الأمية لغويا وقرآنيا وأخلاقيا , لتكون معمعية الطباع وسهلة الإنصياع والإنقياد لإنجاز مصالح الممتهنين لوجودهم , بإسم ما شئت من الآليات الدينية والحزبية والعشائرية والقبلية والمذهبية والطائفية , وغيرها من مسوغات تربية القطيع والإجتهاد بالتقطيع.

وتقف الأمة اليوم على شفا حفرة من الحيرة والإضطراب والغثيان والسفه التفاعلي على جميع المستويات , وكأنها ليست في عصرها , إذ تبدو غارقة في آبار الظلمات وحفر التداعيات وهي تجهز بأبنائها على أبنائها , وترتمي في أحضان الآخرين الساعين لإفتراسها وتفريغها من مقومات وجودها العربي الأصيل , بل ومحق هويتها ومصادرة لغتها وتأريخها ومحو مسيرتها وإنكار وجودها الإنساني.

ولا يمكن للأمة أن تكون إن لم تتطهر من النفايات العقلية , وتتحرر من الباليات الفاعلات في تقرير مصيرها بتدمير حاضرها وإلغاء مستقبلها , فالأمة لكي تكون عليها أن تملك إرادتها المعاصرة وعقولها المتواصلة مع زمانها , وأن تنفض غبار الخزعبلات والمنطلقات السقيمة التي أصابتها بأمراض مستوطنة ومزمنة ذات مضاعفات خطيرة لا ينفع معها العلاج إلا بالكي.

فالأمة بحاجة لرجة كهربائية تزعزع عقولها وتحررها من الذاكرة الخسرانية , الإنكسارية السلبية المحشوة بالمفردات الهزائمية الدونية الإحتقارية , النافذة المفعول في رؤوس الأجيال المتوثبة على بعضها , لتحقيق إرادة العابثين بمصيرها والمدمرين لوجودها.

فهل ستستفيق العقول العربية من طاعون كان , وقال فلان وكتب علان , وأفتى صاحب لحية عامرة وعمامة ملونة وكأنه العارف بخارطة الأزمان والأكوان , ويجهل أنه من بني الإنسان؟!!

تلك حقيقة العدوان , وجنون العرب الشنّان , وصولاتهم بأسلحة الآخرين على جذور الرحمة والإيمان!!

فطهّروا عقولكم يا عرب من الأوذان , واعترفوا ولو مرة واحدة بحقوق الإنسان!!