18 ديسمبر، 2024 10:02 م

صبحي غندور في ذمة الله

صبحي غندور في ذمة الله

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي

صدق الله العظيم

إنا لله وإنا إليه راجعون

تلقينا والجالية العربية والإسلامية في أمريكا والعالم الخبر المؤسف في يوم الجمعة العشرين من تشرين الأول عام 2023م بفقدان المرحوم صبحي غندور مدير مركز الحوار العربي بمنطقة واشنطن. ولقد عرفته منذ أكثر من ثلاثون عاما كأخ وصديق ورجل ومناضل ومفكر ورائد وعلم عروبي وطني سخر كل حياته من أجل الحق والمبادئ والقيم والأخلاق والوطنية المبنية على العدالة والضمير الحي. وكان رغم تألقه كالشمعة التي تحترق لتنير الضوء الى دروب الحق والقيم والمبادئ والعدالة. وكان مترفعا بكل شهامة ورجولة عن كل مطامع الدنيا وبريقها ووقف صامداصلدا ومتألقا كشعلة للحق وبالرغم من كل الظروف الصعبة والمآسي التي مرت وتمر بالأمة العربية من ظلم وانكسارات ونكبات سواء كانت داخليا أو خارجيا مجسدا مقولة:

بدلا من لعن الظلام أبقى صامدا برفع شعلة الحق والتنوير ضد الباطل

نعم يا أخي وصديق الدرب المرحوم العزيز صبحي أنك لم تخسر الرهان فقد صنعت عبر هذه الرحلة. المئات من المواقف المشرفة والمشرقة بصحوة فكرية وقومية ووطنية بروابط قوية بين الشرفاء والوطنيين من أبناء هذه الأمة العربية والإنسانية بعيدا عن مستنقع الهروب من المسؤولية القومية والوطنية والأخلاقية والاستسلام بعيدا عن مستنقع الطائفية والقطرية وعقد العبودية والخوف من الآخر المستبد.ولقد جسدت بحق الجوهر الحقيقي لفهم الأيمان الصحيح وهو واجبنا في عمل الخير والبناء وليس الشر والهدم وعدم الاستسلام والخنوع والخضوع للباطل ولأنه هو الجهاد الحقيقي الذي أمرنا به الله ووفق كل الأديان السماوية والرسل والأنبياء.

إخوتي الأحبة:

نلتقي اليوم وكلكم من محبي وأصدقاء المرحوم صبحي، سواء عرفتموه في مركز الحوار عندما كانت تنعقد ندواته الأسبوعية في فرجينا (A٧) أو عبر نافذته الأسبوعية بحواراتها عبر الإنترنت بعد انتقاله وعائلته للسكن في فلوريدا (FL)؛ والتي كانت أخرها بشأن المأساة الإنسانية التي يشهدها شعبنا الفلسطيني في غزه. حيث وبرغم من وجعه وألمه الصحي وتواجده في المستشفى للعلاج بسببها من أخطر ما يمر به إنسان وهو يصارع الحياة والموت من أخطر ورم في الرئة، ولكنه أصر على الخروج من المستشفى لكي يقيم ندوة خاصة عن مأساة شعبنا الفلسطيني في غزه وما تمر به الملايين من ماسي إنسانية. اقل ما نقول عنها أنها وصمة عار في وجه الإنسانية والحضارة وكل القوانين والأعراف الدولية ومبادئ وقرارات الأمم المتحدة ومن ازدواجية المعايير الظالمة بالنظر بعين واحدةالى الحقيقة المرة والتي لم يشهدها العالم منذ مئات السنين. وقبل ادعاءات تحضر الأمم والإنسان وما استفادوه من تجارب الحروب والماسي، والتي أخرها الحربين العالمية الأولى والثانية والتي أخرجت لنا الأمم المتحدة بقوانينها الإنسانية والحضارية المفترضة، ومنظماتها ومنهامنظمة حقوق الإنسان والتي تؤكد كلها على حرية وآدمية الإنسانوعدم السماح بالمساس بها مهما كانت الظروف. ولكن، ومع شديد الأسف، كلها تقف وتتجمد عندما تتعلق بالإنسان العربي والفلسطيني بشكل خاص من ازدواجية المعايير ولكي نكون عادلين كانت هنالك أصوت قليله شريفة ونبيلة ومن كل بلدان العالم الظالمة، وكذلك من كل منتسبي الأديان السماوية، كانت مع الحق وضد الظلم الصادر منحكامهم.

ومع ذلك، في الحقيقة، وبرغم من الم المعاناة من كل ذلك، إلا أنى وفي الوقت الذي أقرف واشمأز من ادعاءات دول العالم المتقدم والمدعيةالحضارة عندما تتعامل مع حقوق العرب والقضية الفلسطينية بكل دونيه وعدم احترام، إلا أنى أحمل كل المسؤولية للحكام والملوك والسياسيين العرب، ومن يرقص ويغني لهم من رجال إعلام ودين، في عدم تحملهم مسؤولية الدفاع عن شعوبهم وحقوقهم والاستسلام للآخردون قيد أو شرط رغم توفر كل الإمكانيات من قوى اقتصادية و بشرية وجغرافية وعسكرية مجتمعة والتي لا يملكها أي شعب آخر في الكرة الأرضية، وبعدم استخدامها بشكل أمثل، ليس مع شعوبهم فقط، بل مع أعداهم والذين يعملون على استعبادهم وإذلالهم. فكيف نطالب الآخر مهما كانت القيم والمبادئ التي يجب أن يتمتع بهاأصحابها وكيف نطلب من الآخر العدل معنا وان يكونوا ملكيين أكثرمن الملك! وان يقولوا كلمة الحق والعدل معنا وهم يرون الأمة العربيةوالإسلامية وقد جعلوهم حكامها جثث هامدة وعبيد؟ ولماذا ينصفون العرب وحكامهم لا ينصفون شعوبهم، وجعلوهم أحجار وعبيد بلا حراك ولا فعل ولا عمل!

ولماذا يخسروا الآخر الظالم والمعتدي وهم لا يخشوا من أي ردة فعل من قبل العرب وحكامهم بشأن حقوقهم؟ ولأن حكامهم جعلوهم أموات بلا حراك. نعم الحل كل الحل يبدأ من عندنا نحن العرب والمسلمين في الدفاع عن حقوقنا والتعامل مع الآخر أي كان. وكل حسب عمله وموقفه منا سياسياً واقتصادياً وإعلاميا وعسكرياً. وعندها فقط سيفكر الآخرين (كل الآخرين) ألف مرة قبل الاصطفاف مع أعداء الأمه العربية والمسلمةالظلمة — وسوف يحسبونها بالعقل الاقتصادي: كم سوف يربحون وكم سوف يخسرون في معاداة الحق العربي! نعم يجب أن نفیق حكام العرب من نومهم وسباتهم، ويجب أن تمارس الأمه العربية وشرفاءها الضغط والهزات على حكامهم ليوقظوهم من هذا السبات. وبالتاليسوف نرى فجراً جديداً، وأمل أفضل للأجيال العربية القادمة، ومستقبل زاهر بدون ظلم وماسي من قتل وفقر وتهجير وإذلال. وستعود الأمهالعربية مره أخرى خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهي عن الباطل والمنكر. وبالتالي سنكون وليس كنتم عندما نعود إلى أصول الإيمان، ومنها أصل ومبدأ العدل الذي ألغته وغيبته السياسة عن اصول الإيمان الإلهي لأنه المعيار والميزان للأصول الثلاثة الأخرى، والتي بها نكون قد صححنا بوصلتنا نحو الهدف الصحيح والأسمى في حياتنا الدنيا.

إخوتي الأفاضل الأعزاء – أتقدم بإسمي ونيابة عنكم ببالغ الحزن والأسى وخالص التعازي الى الأخت لورا زوجة المرحوم صبحي ورفيقة عمره. وكانت كالجندي المجهول في تعضيد وسند المرحوم بكافة مجالات الحياة وأعباءها. صبرها الله على ما فقدت بوفاة المرحوم صبيحي. كما أكرر التعازي الى كافة أهل الفقيد، سواء في لبنان أو غيره، من أخوة وأخوات وأقارب وأصدقاء وأحباء المرحوم.

وصبرنا الله جميعا على هذه الخسارة. ولكن يواسينا أيماننا بانه كسب رهان الآخرة، وهي الأبقى. وفاز بوعد الله بفسيح جناته لأنه شهيد كلمة الحق ضد الباطل، والتي أفنى كل حياته من أجل ذلك.

أخي الحبيب المرحوم صبحي: نم قرير العين فقد فتحت المزيد من الينابيع وقنوات الري للمياه العذبة ولسقي زهور الحق ضد الباطل والشر. أخي العزيز صبحي رحمك الله في الدار الآخرة ومكانك فيها كما وعدنا الله وهو الحق بالجنة. ولأنك بعت الحياة الدنيا ومطامعها واشتريت بها الآخرة ويومها الأبقى. فأنتم السابقون ونحن اللاحقون إن شاء الله.

وشكرا.

ضياء السعداوي

صاحب مكتبة الحكمة بواشنطن