كان يعدد آلاء الحصار ويتغزل بتلك السنين العجاف، حيث الحاجة أم الاختراع، لقد قطعنا شوطا كبيرا في الاعتماد على المنتج الوطني، حتى ان بعض البيوت صارت مصانع للكثير من الاحتياجات، ودخل بعض الصناعيين في قلب الحدث وصار الابداع على اوجه مختلطا ببعض اعمال الغش والخداع، الورش تبتكر الكثير وتقلد المستورد بعمر اقل نوعما، وهذا لايعني ان الزيت سواء زيت المحركات او زيت الطعام لم تدخله اعمال الغش، فكان هذا يخلط بالنفط الاسود وذاك يصنع من البطاطا، ومع هذا درجت عجلة الزمن، وبقيت البراسيتول قرصا عراقيا بامتياز يهدىء الصداع ويخفي الآلام خلافا للبندول الصيني، لقد كنت اهتم كثيرا بقوالب الاحذية، اما ( الطركات) فكانت تدخل من منافذ مختلفة، وكنت اضارع في صناعة الحذاء الشركات الكبرى، امتهن صناعة الاحذية وهو صغير، لم يتعلم القراءة والكتابة، قضى حياته بين الجلود، وصارت رائحتها لاتفارقه ابدا، حتى انه يستطيع تمييز الحذاء من رائحة الجلد، ينام في المعمل وهو صانع بسيط، هروبه من الخدمة الالزامية تبخر بين معامل (عكد النصارى)، ابدع كثيرا في عمله وامتلك معملا لصناعة الاحذية مع بيت وسيارة فارهة نوعما، كانت الكارثة قد حلت به بعد سنة واحدة من سقوط بغداد بيد الاميركان، بدأ الاستيراد من قبل التجار المحمومين ، وصارت الدولة الجديدة تفتح جميع الابواب.
صار يصنع ويأتي بأنتاجه الى البيت يعرضه على ابناء مدينته، مهما يخفض الاسعار يكون المستورد اقل بكثير، سئم من البطالة المقنعة التي يعيشها بتفاصيل مملة، التجأ اخيرا الى التطوع في صفوف الجيش العراقي الجديد، لكنه كان يقابل بالرفض في كل مرة، لانه كان اميا، ولكنه تغلب اخيرا على هذا العائق بواسطة بسيطة عن طريق احد المعارف، ترهله وعمره الكبير كان عائقا مضافا، لكن نشاطه غطى على الاثنين، وراح يدخل في الدورات تباعا، لم تزل رائحة الجلود وطريقة تلميع الحذاء تراوده، فيمسك البندقية ويلمعها بفرشاة خاصة يجلبها معه، لايمل من صبغ حذائه وتلميعه، تلك الموهبة التي رافقته حتى وهو جندي لايعتني بعتاده قدر عنايته بتلميع البندقية، الواجبات التي خرج بها كانت واجبات بسيطة لاتستدعي اطلاق النار، الشباب كانوا مرشحين اكثر منه للدخول في المواقف الخطرة، حاول عدة مرات ان يري الناس طريقة تدريباته العسكرية، حتى انه جازف في بعضها ودخل مرتديا زيه العسكري مع مسدس اميركي يزين خاصرته اليمنى على طريقة افلام الكاوبوي الاميركية القديمة، التمارين التي كان يشرحها للمتجمهرين حوله لاتتعدى وضع البروك والاختباء خلف الجدران، مع النظر بكل الاتجاهات، او القفز على الجدران، لم ير تدريب الجيش العراقي في السابق، فقد كان يجابه بالسخرية لهشاشة التدريبات الاميركية امام تدريبات القوات الخاصة العراقية ايام زمان، لكنه غير مقتنع ان التدريب وحده لايكسب معركة، وانما العلم وتطور الاسلحة هو الذي قصم ظهر العراق في حربه مع اميركا، الجيش القوي الذي لايمتلك وسيلة او وسائل للدفاع (يضيع بالرجلين) كما قال احمد الذي كان معلما في احد مراكز التدريب اثناء الحرب مع ايران ، لكنه مصر على ان التدريبات الاميركية التي يراها شاقة كانت مفيدة جدا، في احدى المرات اصطحب حسن بندقيته معه ومسدسه الاميركي، كان الاثنان يلمعان كانهما جلد اجنبي كما عبر هو عنهما، وكانت النتيجة التي وضعها له ابناء المنطقة، ان الاثنين نظيفان جدا ويبرقان، لكنهما لم يطلقا اطلاقة واحدة.