الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخلط العلمانية بالإسلام السياسي ويحاول رفض المركزية الغربية.
لا نستطيع محاكمة الحداثة بعقول قديمة
خرج أردوغان علينا في مقابلته الأخيرة مع تركي الدخيل بفكرة جديدة. يقول “لا نريد خلافة الآن”. وهذه طبعا مناورة، والعلمانية لا تتعارض مع الإسلام السياسي. يمكنك أن تكون إسلاميا أو ملحدا في دولة علمانية تضمن حقوق الجميع.
أي أن الدولة العلمانية عليها السماح للظلاميين باختطافها، وهذا بالضبط ما انتبهت إليه مصر والدول الغربية مؤخرا وأدّى إلى صعود اليمين في أوروبا وأميركا. اليمين لا يعني العودة إلى المسيحية، بل إغلاق الباب بوجه الذين يرفضون القيم الغربية العلمانية.
لهذا السبب فإن الإخواني خطر، كائن أميبي لا شكل له ويريد الاحتفاظ بكل شيء؛ العلمانية والإسلام ودعم الغرب ودعم الجماهير. المشكلة هي أن الأنظمة القومية العلمانية في المنطقة كانت دكتاتورية وبالغت بالبطش، ولكن الفلاسفة يصنّفون القومية والفاشية والنازية كحالة دينية مثلها مثل الإخوان والخميني، العلمانية الحقيقية هي الليبرالية الرأسمالية.
العالم الإسلامي اليوم يمر بحالة شديدة من النفاق. فأهم مظهر من مظاهر العلمانية هو الديمقراطية والحق بالانتخاب، أي تحول السلطة من الحق الإلهي إلى حق الشعب، هذه قضية تم الالتفاف عليها وأصبح الحزب الإسلامي يفوز بالانتخابات، لأن حق الشعب يسير جنبا إلى جنب مع الحق الإلهي.
ما هو السر الذي جعل أوروبا، والغرب عموما، يغادر الفهم السياسي الديني؟ وما هو سر تمسك المسلمين بهذا الفهم؟ إن مناورة أردوغان الأخيرة ستجعل الإخوان المسلمين حول العالم يستديرون معه ويتسللون بوجه علماني مزيّف في الانتخابات العراقية القادمة خصوصا. هي ذات المناورة التي قامت بها الأحزاب الشيوعية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي حين تحولت من قوى اشتراكية إلى قوى ديمقراطية، فلا تعارض بين الشيوعية والديمقراطية، بل لا تعارض بين الشيوعية والإسلام الشيعي السياسي. وهكذا يستمر العالم الإسلامي يدور حول نفسه. ما هو السبب؟ أعتقد أن السبب هو عدم وجود مثقفين إلى درجة يصبح السياسي هو المثقف ويقود العقول.
أساس الأصل الرفيع
على مدى 13 سنة من سقوط بغداد كل العلمانية الشيعية كانت نقدا للدين السنّي حصرا الذي يهاجمه كل يوم المثقفون السنة بأنفسهم. هل العالم كما تخيله الإمام علي أو جعفر الصادق أو الباقر مقبول اليوم أم تجاوزه الزمان؟ هل نظرتهم للعالم دينية أم لا؟ وهل هذه النظرة مقبولة عند العلماني الشيعي؟
لا يستطيع المثقف الشيعي النظر في هذه الأشياء. إنه يهرب إلى نقد الأديان عموما، أو نقد النبيّ والقرآن والصحابة وفي أحسن الحالات تراه يهاجم الخميني، وحتى هذا لا يكون دون مقابل ومكافأة. تبقى عقيدته بلا مساس، نقصد المساس المباشر. هذا معناه أن المثقف الشيعي علماني على السنة فقط “أشدّاء على الكفار رحماء بينهم”. والسؤال يبقى كما هو؛ هل نحن أصحاب رسالة للبشرية جمعاء أم مجرد شعوب متعبة بحاجة إلى مساعدة؟
البيض استعبدوا الأفارقة. كانت هناك شركات رقيق أرباحها 6 بالمئة في بورصة لندن ومضمونة في القرنين الثامن والتاسع عشر. تم خلال تلك الفترة اصطياد 10 ملايين أفريقي مات معظمهم لظروف العمل الشاق في أميركا وقساوة الرحلة البحرية والأوبئة وقُتل كثيرون أثناء عمليات المطاردة بأدغال أفريقيا.
وبرر البيض ذلك حينها في الكنائس والمدارس على أن السود شعب ملوّث ناقل للأمراض يجب وضعهم تحت السيطرة وعزلهم. لهذا حتى بعد تحرير العبيد لعقود طويلة كانت الفنادق والمطاعم ترفض استقبال السود. وكذلك ألمانيا النازية أسست نظرية كاملة على أساس الأصل الرفيع للشعب الألماني والتفوق العرقي والعنصري وكلفت العالم ملايين الأبرياء.
لا يوجد في الدين ما يساعد على فهم العصر الحديث، بل يوجد في العصر الحديث ما يساعد على فهم الديانات. إننا جميعا نعاني من مأساة حضارية. الغربي إنسان جديد، وهو الإنسان الذي يقود العصر الحديث، هو الذي يتغير ويغير العالم كله
كل هذه الأفكار انهارت وتحطمت بقوة العلوم والفكر الحديث، وتم سن قوانين حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وتجريم العنصرية في الغرب. السيدة أوبرا النجمة الأميركية المليارديرة هي حفيدة أولئك الرقيق المقهورين لأسباب التحول الصناعي واكتشاف القارة الجديدة، وكذلك مايكل جاكسون وكوندوليزا رايس.
فهل نريد حقا إقناع العالم المتحضر بالنسب الرفيع للعشيرة العراقية الفلانية؟ والبيت الشريف لعائلة فلان؟ لا يمكن لعالمنا القديم أن يستمر. علينا التوقف عن ثقافة التكفير والكراهية والتفوق فنحن شعوب مقهورة لا تحتمل ضربة جادة من الغرب القوي.
مشكلتنا مع رجال الدين هي أننا لسنا أمام وجهة نظر بل أمام ادعاء خطير وإشكالي بأن أفكارهم من السماء. ولأن التاريخ لا يتوقف على الإطلاق، فقد عكفت الكنيسة والمدارس الدينية على “التأويل” وهذا التأويل هو بمثابة إعادة تفسير النصوص الدينية بطريقة تناسب العصر الحديث، في النهاية استسلمت الكنيسة وانطوت على نفسها، بينما مشايخ الإسلام يعتقدون حقا بقدرتهم على ذلك. كلّي ثقة بأن هؤلاء المشايخ يعيشون غيبوبة ولا يعرفون العالم الغربي الحديث.
القرضاوي مثلا يقول إنه ألف كتبا ومجلدات وموسوعات، والحقيقة لا توجد قيمة لهذه الأشياء في نظر العلماء. المؤرخ توينبي ألف كتابا واحدا هزّ العالم، وكذلك نيوتن غيّر العالم بكتابه عن القوانين الطبيعية، حيث وضع قوانين الحركة في ثلاث معادلات رياضية واضحة، واليوم مثلا مؤرخ إسرائيلي شاب هز الوسط الثقافي هزا برؤيته. يقول إن الاغتراب المعاصر ليس ذلك الذي تحدث عنه ماركس قديما “اغتراب العامل عن وسائل الإنتاج” بل هو اغتراب الإنسان عن جسده بسبب التكنولوجيا. ولم تعد هناك مأساة للعامل، بل المأساة هي عدم الحاجة إلى عامل في المستقبل بسبب ثورة المعلومات والتقدم التكنولوجي، وأن التاريخ غير عادل فإن أمما بأكملها ربما ستختفي إذا لم تستطع اللحاق بالتقدم الحالي. كتاب واحد يؤلفه دماغ عبقري يغيّر نظرتنا إلى العالم، بينما القرضاوي عنده مليون كتاب، والشيرازي عنده مليون مجلد. لا قيمة لهذه الكتب بكل تأكيد.
سألوا مفكرا معاصرا عن العالم الافتراضي (الإنترنت) ومشكلة شبكات التواصل الاجتماعي، فأجاب بأنه قد قيل قديما حين تحصل على شيء مجانا فغالبا ما تكون أنت السلعة المقصود شراؤها، وهذه الشبكات تقدم لك خدماتها مجانا مقابل الحصول على بياناتك والتعرف عليك. إن هدف التكنولوجيا في النهاية هو توفير طريقة لفهم الإنسان أكثر من فهمه لنفسه.
لعبة العالم الافتراضي
حول قضية الألعاب الإلكترونية والتسلية التي جعلت الإنسان يعيش في عالم خيالي قال إن أقدم لعبة إلكترونية في التاريخ هي الدين، فهو يجعل الإنسان يعيش في عالم افتراضي، وقد يدخل الإنسان في هذه اللعبة ولا هدف له سوى الحصول على نقاط مقابل تطبيق التعاليم (الشريعة) على أمل أن يكون قد حصل ساعة موته على نقاط كافية لدخول الجنة. وكما تم استخدام اللعبة الدينية لفهم الإنسان والسيطرة عليه من قبل الدول في التاريخ، سيتم استخدام التقدم التكنولوجي الحديث لنفس الغاية وذات الغرض.
إن اعتقادنا بأن مفاهيمنا القديمة مثل الدين والقبيلة والعائلة تستطيع أن تقدم لنا أيّ نوع من الخلاص في عالم متسارع هو مجرد وهم وجرح نرجسي حضاري. نحن في عالم انهار فيه الدين السياسي نهائيا، وتفككت فيه العائلة، الأب والأم يعتبران خادمين للأطفال ولا يتمتعان بأيّ حصانة وتقدير في العصر الحديث، علم النفس قائم على تجريم الأبوين مهما قدما لأطفالهما، والرسوم المتحركة والمدرسة والقوانين قائمة على تدمير سلطة العائلة.
إن الغربيين يربّون الأطفال وينجبون لغرض المتعة فقط، فهم يعلمون أن أبناءهم سيغادرون، ولن يساعدوهم ماليا، ولن يقوموا برعايتهم في الشيخوخة والمرض، وليس لهم أيّ رأي في حياتهم في المستقبل. الإنسان الحديث يعيش اليوم وأمه الدولة وأبوه السوق الاقتصادي. فالدولة تحميه وتعالجه وتنفق على شيخوخته وكذلك شركات التأمين.
الغربي هدفه من العيش هو المتعة والاستهلاك إذا كان فقيرا، وهدفه السلطة والاستثمار الدائم إذا كان غنيا. إنه تغير كبير بدأ منذ انفجار علم الجغرافيا واكتشاف قارتي أميركا وأستراليا. صارت للعالم خارطة جديدة غير مذكورة في الكتب المقدسة. الطموح والثقة بالعلوم والرغبة بالحرية صنعت لنا هذا الإنسان الجديد، ولأننا لا نفهمهم نصاب بصدمة، وغالبا ما تتحول الصدمة إلى نزعة إسلامية دينية، وهي ليست رأيا مقابل رأي آخر، إنها مجرد خوف من المغامرة كما حدث لإيران في ثورة الخميني 1979. إنه اختباء وعزلة عن العالم، انسحاب من السوق العالمي وقدر العالم.
الإسلام السياسي أصبح خللا عقليا وعائقا أمام فهم العالم
إن الإسلام السياسي أصبح خللا عقليا وعائقا أمام فهم العالم. هذا الدوران حول الذات ظنا منّا بأننا ندور حول الإيمان أصبح يهدد بانقراضنا الحتمي. ضعف الدولة في العراق مثلا وعودة القبائل والطوائف هو خلل عقلي معروف يؤدي إلى تصاعد العنف، والعالم يفهم هذا النوع من النكوص البدائي.
على الشيعي أن يعرف بأن أئمته لم يقولوا شيئا يساعد على فهم هذا العالم الرهيب الذي نراه أمامنا، لا توجد في نهج البلاغة أيّ جملة تساعدك على فهم العالم الغربي الحديث، هذا مؤكد، بل على العكس توجد فيه جاذبية للماضي وعزلة عن العالم، فالقول بـالتقشف والقناعة يصطدم مع قيم الاستهلاك المعاصرة، والقول “ما رأيت نعمة موفورة إلا إلى جانبها حق مضيّع″ تصطدم مباشرة بمبادئ آدم سميث حول الاقتصاد الحديث الذي يؤمن بالنمو الاقتصادي المستمر من خلال الطموح والطمع وأثبت التاريخ صحته.
وعلى السنيّ العراقيّ أن يعرف بأنه لا يوجد في الكتب السلفية ما يساعده على فهم العالم المسيطر اليوم. إنه عالم يحتاج عقلا جديدا تماما، وإيمانا بأن الأشياء تتغيّر، وعلينا ألا نقاومها، بل نتفهمها فقط. حتى مشايخ الاعتدال هم أفيون من نوع آخر. فهم يساعدون دماغك المحشوّ بالأوهام على إيجاد تأويل يساعدك على التماسك وعدم الانهيار. مجرد مسكّن يحميك من الفصام، ويحمي الدولة من جنونك وتطرّفك، لكن في النهاية مشايخ الاعتدال يمثّلون الإصرار على فهم العالم دينيا، إنها أيديولوجيا تمنعنا من فهم العالم بأدواته نفسها. نحن الأمة الوحيدة التي اخترعت مشايخ لنشر العلمانية، وهذا مضحك حقا.
لا يوجد في الدين ما يساعد على فهم العصر الحديث، بل يوجد في العصر الحديث ما يساعد على فهم الديانات. إننا جميعا نعاني من مأساة حضارية. الغربي إنسان جديد بمعنى الكلمة، وهو الإنسان الذي يقود العصر الحديث، هو الذي يتغير ويغير العالم كله. الحضارة الضخمة الحديثة من صنع الغرب، وهو ارتكب جرائم كبيرة، وهو الذي قدم أعظم المآثر الإنسانية أيضا.
الانفجار الحضاري
لا نستطيع محاكمة الحضارة الغربية. لا يوجد عقل يُعتد به خارج القيم الغربية. المحاكمة الوحيدة للحداثة تتم من خلال الدين وهذه بالنهاية مجرد إرهاب وظلام وارتكاس ونكوص. إننا لا نستطيع حجب الشمس بغربال بعد اليوم. لا يوجد أيّ فرق بين عشائر العراق وعشائر الهنود الحمر، كلها مجتمعات بدائية وقيم خارج النور والعصر، كلها أشياء زائلة عاجلا أم آجلا.
إن الغرب احتل مصر بحملة نابليون. هذا صحيح، ولكنهم فكروا بالهيروغليفية المصرية أكثر من المصريين أنفسهم، أكثر من الفاتحين المسلمين والمماليك والفاطميين. الغرب هو الذي علمنا ماذا يقول المصريون القدامى؟ ما هي الكتابة الهيروغليفية؟ احتل العالم بالمستكشفين والعلماء، لقد أرادوا دراسة تلك الأراضي والمجتمعات واللغات وليس تعليمهم رسالة السماء وهدايتهم. لا نستطيع محاكمة الحداثة بعقولنا القديمة ولا فهمها أصلا، المهم أن نؤمن بأننا لا نعرف ونريد أن نتعلم. نؤمن بوجود قطيعة حقيقية كاملة بين العصر الحديث والعصور القديمة.
يقول فيلسوف غربي لفهم حجم الانفجار الحضاري المعاصر تخيل أن فلاحا نام في القرن العاشر الميلادي وآفاق في القرن الخامس عشر فإنه سيجد نفسه بعد خمسة قرون يعيش في العالم نفسه تقريبا لا توجد طفرات كبيرة، كما حدث لأهل الكهف الذين لم يجدوا أيّ تغيير مهم حين أفاقوا.
ولكن تخيل لو نام فلاح في القرن الخامس عشر وأفاق في عصرنا هذا، ورأى ناطحات السحاب والطائرات والهواتف النقالة والكمبيوترات. حتما سيصعب عليك إقناعه بأنه الكوكب ذاته. لم تعد هناك ثورة فرنسية نهاية القرن الثامن عشر، ولا ثورة ليبرالية بداية القرن التاسع عشر، ولا ثورة شيوعية بداية القرن العشرين، الحاصل اليوم في عصرنا هو أن كل عام يمر يمثل ثورة علمية عملاقة تهز العالم من حولنا جوهريا.
إن عقل ذلك الفلاح الذي نام في القرن الخامس عشر وأفاق مذهولا في زماننا هو الدين بل هو نحن العراقيين تحديدا. لا فائدة من العناد والمطمطة والتأويل. ذلك الفلاح القادم من القرن الخامس عشر أو القرن السادس الميلادي عليه أن ينسى ما حفظه وآمن به. عليه ألا يفجّر نفسه ولا يكفّر الناس، عليه أن يجلس في الأول الابتدائي ويقول علّموني.
أكبر خيانة في التاريخ الحديث هي خيانة المثقف العراقي لشعبه مقابل المال الشيعي الديني. ماركس مثلا كان مطاردا في بلاده ألمانيا وذهب للعيش في لندن، مثله مثل سلفه الفرنسي فولتير لا مشكلة. لم يقل أنا رجل فقير وحدي ماذا يمكنني أن أفعل؟ بل جلس في مكتبة لندن وخلق أفكارا وبعد نصف قرن من وفاته كان نصف الكوكب يحاول تطبيق أفكاره، والنصف الآخر أجرى إصلاحات اجتماعية تحت ضغط النقد الماركسي الأخلاقي لحرية السوق والرأسمالية. اليوم في العراق يقولون لك إن الشيوعيين قليلون ماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟ قرأت لشيوعي يقول ما هو وزن الحزب الشيوعي بالمقارنة مع التيار الصدري؟
هل هذا كلام مثقفين حقا؟ وهل المطلوب “عركة” عشائر مثلا؟ شيوعي آخر يقول إن المحاصصة الطائفية أفضل نموذج سياسي للعراق. الشيوعيون الشيعة سقطوا في جاذبية الطائفة وامتلاكها السلطة في العراق ولو رمزيا. طائفيتهم جرّدتهم من كل منطق فهم يريدون حكم أغلبية بالعراق، ويرفضون حكم الأغلبية في سوريا.
يريدون محاصصة طائفية في العراق، ويرفضون المحاصصة الطائفية في إيران. يرفضون الإسلام السياسي التركي، ولا يرفضون الإسلام السياسي الإيراني. يرفضون الإخوان المسلمين وتنظيم داعش، ولا يرفضون حزب الله اللبناني والأحزاب الشيعية العراقية. هذه بكل أسف صورة العلماني العراقي ولا نقصد التعميم طبعا.
سألوا مفكرا معاصرا عن العالم الافتراضي، فأجاب بأنه قد قيل قديما حين تحصل على شيء مجانا فغالبا ما تكون أنت السلعة المقصود شراؤها، وهذه الشبكات تقدم لك خدماتها مجانا مقابل الحصول على بياناتك والتعرف عليك
صار أردوغان هو المثقف، وأصبح خامنئي هو المفكر، الشعب العراقي بلا مثقفين وصار يمتص الإسلام السياسي بنسختيه الإخوانية التركية والشيعية الفارسية بسبب غياب الوعي الوطني وعزلة العراق عن العالم العربي. صار يمكن لأردوغان أن يقنعنا بأن الدولة تبقى علمانية إذا حكمها الإسلاميون.
ضرورة نسيان الماضي
أهم شيء نحن بحاجة إليه هو نسيان الماضي، تجاوز الجرح النرجسي الحضاري. نحن لم نعد إمبراطورية ولا خير الأمم ولا خلافة بل دول حديثة عليها اللحاق بركب الحضارة. لقد لاحظت أن الهندي الأحمر في كندا الذي يحبّ البيض والحضارة الغربية يكمل دراسته ويستقر اقتصاديا لأنه لا يحمل حقد الماضي، بينما الحقود يبقى مدمنا على الكحول وحياته صعبة جدا. إن نسيان الماضي والقبول بالحضارة الحديثة وقيمها هو سر نجاح الأمم والأفراد. الهند مؤخراً تنازلت عن غرورها القومي وصارت تعلم اللغة الإنكليزية من المرحلة الابتدائية.
عام 1969 وقبل انطلاق أبولو 11 إلى القمر كان كل من نيل أرمسترونغ وبز ألدرين يتدربان في صحراء بعيدة غرب الولايات المتحدة حيث الكثبان والصخور مشابهة للقمر. كانت في الجوار قبيلة من الهنود الحمر فسألهم عجوز طاعن في السن ماذا تفعلون؟ قالوا نحن نتدرب هنا للذهاب إلى القمر، قال العجوز حسنا عندي رسالة رجاء قبيلتنا تؤمن بأن أرواحا تسكن القمر ونحب أن نرسل لهم رسالة.
فأعادها عليهم باللغة الأصلية عدة مرات حتى حفظوها عن ظهر قلب ثم قالوا ما معناها؟ قال لا يمكن لي أن أخبركم إنها لغة مشتركة بيننا وبين سكان القمر. فبحثوا حتى وجدوا رجلا يتحدث لغة تلك القبيلة ونطقوا بالرسالة أمامه فدمعت عيناه من الضحك قال معناها “يا سكان القمر الأعزاء قد يأتي الرجل الأبيض إليكم بالعلوم وحب المعرفة والوعود، لا تصدقوه رجاء إنه في النهاية يسعى إلى السيطرة عليكم وسلب أراضيكم منكم”.
نقلا عن العرب