العاهة الكبرى الفاعلة في عقولنا هي النزوع نحو التحليلات ذات الأحكام المسبقة والمدونة بمداد الإنفعالات والعواطف السلبية الإنتقامية الحارقة.
فالسائد فيما يكتبه المثقفون والمفكرون أنهم يمسكون بفرضية ما ويأخذون بإستحضار ما يعززها ويوهمهم بأنهم على صواب , أي أنهم يرسمون ما يكتبون وفقا لما يضعونه من إستنتاجات سابقة لأوانها , ووفقا لذلك فأنهم يجدون ما لا يحصى من الدلائل التي توهمهم بأنها صائبة.
ذلك أن النظر إلى ما مضى يوفر معينا لا ينضب لتعزيز وجهات النظر , فالتأريخ حمال أوجه والكتب الدينية حمالة أوجه والواقع الإجتماعي حمال أوجه , وهذا لا يعني أن الباحث أو الكاتب قد أدرك صلب الموضوع وإقترب من الحقيقة.
إن الكتابات الموضوعية الساعية للوصول إلى الحقيقة والسبب الفاعل في الحالة المتناولة عليها أن تتخذ المنهج العلمي البحثي صراطا لها , بدلا من الطروحات اللاعلمية والتعزيزات اللامنطقية والخارجة عن إرادة العصر العلمية والمعرفية.
فعندما نقول أن العراقي يتصف بالإزدواجية فيمكننا أن نستحضر أمثلة عديدة , لكن هذا لا يعني أن ما قلناه صحيح , فالبشر يتصرف وفقا للموقف الذي هو فيه , وتعميم صفة إزدواجية لا تمت إلى العلمية والموضوعية بصلة على الإطلاق.
والقول بأن أصل الدكتاتورية عائلي قبلي متجذر في كذا وكذا حالة منذ مئات السنين يجعلنا نأتي بأدلة كثيرة لتعزيز ما ذهبنا إليه , وهذا أيضا إقتراب تضليلي وغير علمي ولا منهجي , وإنما من كتابات الرجم بالغيب.
والقول بأن المجتمع العراقي طائفي يدفعنا إلى الإتيان بالعديد من الشواهد , وهي غير صحيحة ولا متوافقة مع البنية السلوكية الفاعلة في المجتمع على مدى العصور , ونأخذ أمثلة مصنعة في مختبرات التضليل وبآليات الإقناع النفسي والسلوكي المقرون بما لا يمت بصلة إلى طبيعة الإنسان في العراق , لكنه بحكم الضغط النقسي وآليات التمرير والتعزيز يبدو وكأنه واقع صحيح.
ومن المدمر للعقل والنفس والوعي أن العديد من الأقلام عن قصد أو غيره تذهب إلى إستنتاجات إنعكاسية إنفعالية , فتترجم ما فيها من عاهات ودمامل نفسية ولا تتقي ربها فيما ترى وتكتب وتنشر , وتنسى أن الكلمة مسؤولية , وأن الكلمة الطيبة صدقة , وأن علينا أن نكون أمناء على الحقيقة , لأن ما يذهب إليه العديد من الكتاب يساهم في تدمير المجتمع وتطوير المآسي والتفاعلات السلبية الكارثية النتائج والتداعيات.
ولا يمكن إعفاء المثقفين وحملة الأقلام مما يحصل في الواقع القاسي الذي يفتقد لأبسط حقوق الإنسان ومتطلبات الحياة الحرة الكريمة السليمة.
فمن الواجب أن نرحم أنفسنا ونحترم بعضنا ولا نقسو على وطننا ومواطنيه , ونكون من الغافلين الجاهلين الذين يرجمون الناس بما ليس فيهم , ويحاولون أن يصمونهم بما تشتهي أنفسهم وما يريده أعداء وجودهم أجمعين.
فلنبتعد عن التحليلات التضليلية المريضة , ومن المسؤولية أن نتفاعل بآليات كيف وبمنهج علمي قويم , لنواجه التحديات ونتحرر من أصفاد الإنتكاس والإنكسار المقيم.