بعد القضاء على الانتفاضة الشعبانية بكل قوة وهمجية في 16 آذار 1991.. بدأ صدام صفحته الثانية بتصفية آثار الانتفاضة.. بالانتقام من المحافظات المنتفضة.. فكان التجويع.. وإيقاف أبسط الخدمات والمشاريع عنها.
أسجل هنا ما عشته في هذه المحافظات:
ـ لم تحصل هذه المحافظات حتى على ساعة واحدة من الكهرباء الوطنية في أشد أشهر الصيف سخونةً (تموز وآب).. بل وصل الأمر الى ساعة واحدة تزود بها محافظات النجف وكربلاء والديوانية كل ثلاثة أيام.. وقليلاً أو مثلها المحافظات الجنوبية الأخرى.. في حين كانت بغداد تزود ب 14 ـ 18 ساعة يومياً.
ـ موتى الشيعة.. لم تسلم من يد صدام.. فدمر قبورهم.. وهشم جثثهم.. بذريعة فتح شوارع بمقبرة السلام في النجف.. حال القضاء على الانتفاضة.. تحت ذريعة اختفاء الثوار فيها.
ـ وصل التعامل مع أبناء هذه المناطق كمواطنين من الدرجة الثانية.. وهذا السلوك كان شاملاً.. حتى شمل المدراء العامين والوزراء من أبناء هذه المناطق.. فكانوا يعاملون بالاستعلاء عليهم.. والنظر إليهم نظرة دونية.. أما الضباط الشيعة فأعلى رتبة يصل إليها عميد ويحال الى التقاعد.. أما في الدوائر المهمة فتم إزاحة أكثرهم منها تحت صيغة الفائضين.. وتم إحالتهم إما الى التقاعد أو نقلهم الى دوائر غير مهمة.. والبعثيون الشيعة مشكوك بإخلاصهم مهما فعلوا للحزب والثورة!!
ـ رافق ذلك مجموعة مقالات وحلقات نشرتها جريدة الحزب (الثورة).. بعنوان: (ماذا حصل في أواخر عام 1990 ـ وهذه الأشهر من عام 1991 ـ ولماذا حصل الذي حصل).. هاجمت في هذه المقالات الأغلبية العربية الشيعية في العراق:
ـ بأقسى العبارات المباشرة.. وبالاسم الصريح.. واعتبرتهم أشراراً ومنحطين بالسليقة.
ـ وليسوا عراقيين أو عرباً.. وإنما هم من سلالة العبيد الوافدين من الهند.
ـ ويطيعون ديانة وضيعة لا تحتوي أي مبدأ أخلاقي.. وغيرها من العبارات الطائفية والعنصرية المنحطة.. عن أبناء الجنوب وعشائرهم.. بشكل مهين.. بعيداً عن كل الحقائق.
ـ وبإسلوب لم يكتب أسفل السفلاء مثله.. خرجت هذه المقالات بدون اسم لكاتبها.. وهي مرتبكة وغير منطقية.
ـ اعترف صدام إن هذه المقالات كتبها ـ بخط يده ـ في تقرير سري بعنوان: (خطة المعركة).. وهو عبارة عن مذكرة داخلية سرية مؤرخة في 20 كانون الثاني 1992.. وزعت على المقرات الحزبية وضباط الارتباط في كركوك.
ـ يقول فيها: “إننا في القيادة والحزب نعتبر الفصائل التي رفعت السلاح بوجهنا خلال هيجان الغوغاء على إنها لا تتحلى بالمسؤولية.. وقد عجزت عن إدراك مبادئ الحزب القائد.. ومقالاتنا في جريدة الثورة في أعقاب ما يسمونه بالانتفاضة كافية لهؤلاء حتى لو جرحت وخدشت البعض منهم”.
الصفحة الثالثة.. (تجديد البيعة):
ـ بعد ثلاث سنوات من الانتقام والتجويع والإهمال.. للمحافظات الجنوبية ومناطق الفرات الأوسط.. افتتح صدام الصفحة الثالثة من مسيرة انتقامه من هذه المحافظات.. فكانت صفحة إذلال وجوه القوم وشخصياته.
ـ فبعد تعين محافظين جدد بدل المحافظين لما قبل الانتفاضة.. بدأ خطوة استبدال العديد من شيوخ العشائر بشيوخ من خدم وأزلام صدام.. ومن ثم فرضً على كل شيخ أن يجمع أبناء عشيرته للتظاهر للبيعة للسيد الرئيس.. وهم يهتفون للقائد.. وبرغم كل أشكال الإرهاب والتجويع لم يكن معظم المتظاهرين مقتنعين بالبيعة.. بل كان يسيرون بوجوه مكفهرة.. حتى إن احد شيوخ أبو صخير سقط ومات بالسكتة القلبية خلال التظاهرة.. ويقال (انه لم يتحمل هذا الإذلال).. عشيرة أخرى لم ترض بالشيخ الذي فرضته الحكومة عليها.. فعندما مرت من أمام محافظ النجف الجديد عبد الرحمن الدوري.. كانت تهتف أهزوجة (حسجة).. (مغشوش.. والله مغشوش.. لا خط.. لا نخلة.. لا فسفوره).. وبشكل سريع.. لم يفهم المحافظ ما يقولون.. وبعد أن فهمً أهزوجتهم من الآخرين تم استبدال الشيخ بآخر.
ـ وكان لعشائر إزيرج في العمارة موقف رائع بدوأ بالهوسات الحسجة منذ البداية تحركهم.. وتوقفوا عند منصة الاحتفال أكثر من خمسة دقائق وهي تهزج هتافات ضد النظام.. فتشت عنها بأوراقي لم أجدها.
ـ وأكمل هذه الصفحة تجفيف الاهوار وتشريد أهلها.. بعضهم قتل.. والآخر سجن.. والباقين جردوا من أرضهم وأموالهم.. فجاءوا للمدن مرغمين للعيش.. لكنهم كانوا مستهدفين من قبل أزلام صدام.. واستكملها بمنع زراعة الرز.
الصفحة الرابعة.. (إذلال علية القوم):
بعد كل هذا التدمير والخراب والقتل والتجويع والإهمال للمحافظات المنتفضة.. افتتح صدام الصفحة الرابعة من مسيرة الانتقام من هذه المحافظات.. فكانت صفحة إذلال علية القوم.
ـ أمر صدام بإحضار رؤساء عشائر هذه المحافظات ووجوهها لمقابلته في القصر الجمهوري.
ـ ومورست بحقهم أحقر أساليب البطش والإرهاب والحرب النفسية.. لم يستخدمها أي دكتاتور سابق في العالم ضد شعبه.
ـ كان إحضارهم بشكل لا يليق بعلية القوم ووجوهه.. حيث يبقونً مهملين ساعات طويلة.. ثم يؤخذ غالبيتهم لاستبدال ملابسهم.. بملابس مهيأة في القصر.. وهذه إساءة نفسية.. واعتداء على كرامتهم.. وإشعارهم إنهم قذرون.. والقائد ينعم عليهم!!.
ـ حتى إذا بدأ الليل يُدخلون قاعة الاستقبال.. وهي مطفأة الأنوار.. ويبقون جالسين في ظلام دامس بلا كلام.. ولا حركة حوالي ثلاث ساعات لسحق إنسانيتهم تماماً.
ـ ثم يدخل فجأةً عليهم صدام.. وبدخوله تفتح الأنوار والإضاءة.. فيقفون وتبدأ هتافاتهم وأشعارهم.. والبعض يدبكون.. حيث يؤمرون بالقيام بذلك منذ وصولهم.. وإلا ……… الى أن يُشبعْ صدام غروره بإذلالهم تماماً.. فيؤشر عليهم ليجلسوا.
ـ ليبدأ صدام بالكلام الذي يقطع عن التسجيل والتصوير.. كلامٍ وقحٍ وبالإساءة إليهم.. وحتى شتمهم بالأسماء.. وشتم أهالي مناطقهم الذين ثاروا عليه.. وعندما يشبع غروره ويرتاح.
ـ يعود التلفزيون للنقل.. لنسمع ونشاهد شيوخ العشائر يؤدون (قسم الوفاء) عن أنفسهم ونيابة عن أبناء محافظاتهم.. (للسيد الرئيس القائد المجاهد حفظه الله ورعاه).. وبعد عاصفة من التصفيق.
ـ يبدأ صدام حديثه الذي كان يبث علينا.. وهتافات الحضور ودبكاتهم.. وفدوه أنروح إحنه وعشائرنا للقائد.. وغير ذلك من الدجل الرخيص.
شيوخ المناطق الأخرى:
أما شيوخ المناطق الشمالية والغربية العربية.. فكان غالبيتهم العظمى منذ البداية في خانة صدام.. فلم يمروا بهذه المحن والإذلال.. وتنعموا بخيرات العراق وكرمٍ قائدهم.. لكن ذلك لم يمنع من شيوخ لم يرتضوا بأعمال صدام.
أما الأغوات والشيوخ الأكراد.. فإن معظمهم تعاونوا مع صدام.. وشكلوا من أبناء عشائرهم أفواج الفرسان التابعة للحكومة.. وأصبح هؤلاء الأغوات والشيوخ أمراء على هذه الأفواج.. إضافة الى العمل بالتجارة والمقاولات.. وانشغلوا بملذاتهم وعربدتهم والسهر في فنادق الدرجة الأولى في بغداد للعب الروليت والقمار وشر الخمر وممارسة الجنس.
وهكذا تنعمً غالبية شيوخ التسعينات بكل طوائفهم وقومياتهم بالسحت الحرام.. وسيارات فارهة.. وأموال وعقارات في مناطق بغداد المتميزة وغيرها.. تكريماً من (القائد).
ـ في الوقت الذي كان فيه شعبنا يموت جوعاً.. وبعض من نخب مثقفي العراق وعلمائه يسحقون سحقاً.. وأنا احدهم.. حتى إنني منعتُ من بيع الكتب على الأرض في شارع المتنبي.. وقد سبق ذلك إحالتي على التقاعد مبكراً.. ومنعتُ من السفر إلى خارج العراق.. واعتقل ابني وهو على أبواب مناقشة رسالته الماجستير.. وعشرات من مثلي. ولم ننكس رؤوسنا.. كان هؤلاء الذين يسمون أنفسهم شيوخ ووجهاء يشتمهم صدام ينكسون رؤوسهم.. وهم يرقصون له، ويرمون عٌكلهم تحت حذائه.
مهمة شيوخ صدام أو أبنائهم اليوم هي : (الابتزاز تحت يافطة مطلوب دم.. في النهار تجدوهم مع الحكومة.. في كل مؤتمرات المصالحة الوطنية يوقع.. وهم أول من يمارس الفتنة الطائفية التي تحرق الأخضر واليابس.. وسرقة المال العام .. وتجارة الأسلحة.. وابتزاز الأطباء والمدرسين والأغنياء.. والاستيلاء على الأراضي وحصص المياه.. وكل شيء يقع في أيديهم).. حتى إن بعض الكتل السياسية ترتجي دعم هؤلاء الشيوخ لتقوية مكانتهم في السلطة والشارع العراقي .. مما زاد في نفتقهم وجبروتهم.
ـ وجرت أكبر عملية تنصيب شيوخ جدد بأوامر من صدام.. بعد إزاحة الشيوخ الأصلاء.. وأصبح هؤلاء الشيوخ (رجال صدام) في العشائر.. وعيون أمن على أبناء العشيرة يغدق عليهم صدام بالأموال والسيارات.. بل أصبح بعضهم يقضي وقته في معارض السيارات يبيع ويشتري.. ليتحول شيوخ صدام بعد 2003 حواسم.. وأكثر من ذلك!
ـ مهمة شيوخ صدام أو أبنائهم اليوم هي: (الابتزاز تحت يافطة مطلوب دم.. في النهار تجدوهم مع الحكومة.. في كل مؤتمرات المصالحة الوطنية يوقع.. وهم أول من يمارس الفتنة الطائفية التي تحرق الأخضر واليابس.. وسرقة المال العام .. وتجارة الأسلحة.. وابتزاز الأطباء والمدرسين والأغنياء.. والاستيلاء على الأراضي وحصص المياه.. وكل شيء يقع في أيديهم).. حتى إن بعض الكتل السياسية ترتجي دعم هؤلاء الشيوخ لتقوية مكانتهم في السلطة والشارع العراقي .. مما زاد في نفتقهم وجبروتهم.
ـ تحية إجلال وإكبار لشيوخ العشائر الكرام الأصلاء.. الذين ظلوا صامدين.. ولم يريقوا ماء وجوههم لصدام.. وأفٍ.. أفٍ لكل من دنس شرف عشائر العراق.
ـ شيوخنا الأصلاء.. إن شيوخ صدام أصبحوا حواسم بامتياز بعد الاحتلال.. وفرخوا بالآلاف.. فأساءوا لعشائرنا.. اطردوا شيوخ صدام من بين صفوفكم.