بعد القضاء على الانتفاضة الشعبانية بكل قوة وهمجية في 16 آذار 1991.. بدأ صدام صفحته الثانية بتصفية آثار الانتفاضة.. بالانتقام من المحافظات المنتفضة.. فكان التجويع.. وإيقاف ابسط الخدمات والمشاريع عنها.. ولم تحصل هذه المحافظات حتى على ساعة واحدة من الكهرباء الوطنية.. بل وصل الأمر الى ساعة واحدة تزود بها محافظات النجف وكربلاء والديوانية كل ثلاثة أيام.. قليلاً أو مثلها المحافظات الجنوبية الأخرى.. في حين كانت بغداد تزود ب 14 ـ 18 ساعة يومياً.. كما وصل التعامل مع أبناء هذه المناطق كمواطنين من الدرجة الثانية.. وكان ذلك السلوك شاملاً.. حتى شمل المدراء العامون من أبناء هذه المناطق.. فكانوا يعاملون بالاستعلاء عليهم.. والنظر إليهم نظرة دنيوية.. يرافقها مجموعة مقالات وحلقات نشرتها جريدة الحزب.(الثورة).. بعنوان: (ماذا حصل في أواخر عام 1990 ـ وهذه الأشهر من عام 1991 ـ ولماذا حصل الذي حصل).. هاجمت فيها الأغلبية العربية الشيعية في العراق.. بأقسى العبارات المباشرة.. وبالاسم الصريح.. واعتبرتهم أشراراً ومنحطين بالسليقة.. وليسوا عراقيين أو عربا.. وإنما هم من سلالة العبيد الوافدين من الهند.. ويطيعون ديانة وضيعة لا تحتوي أي مبدأ أخلاقي.. وغيرها من العبارات الطائفية والعنصرية المنحطة.. عن أبناء الجنوب وعشائرهم.. بشكل مهين وبعيد عن كل الحقائق.. وبإسلوب لم يكتب أسفل السفلاء.. خرجت المقالات بدون اسم لكاتبها.. مرتبكة وغير منطقية.
اعتراف صدام ـ بخط يده ـ في تقرير سري بعنوان (خطة المعركة).. وهو عبارة عن مذكرة داخلية سرية مؤرخة في 20 كانون الثاني 1992.. وزعت على المقرات الحزبية وضباط الارتباط في كركوك.. يقول فيها: (إننا في القيادة والحزب نعتبر الفصائل التي رفعت السلاح بوجهنا خلال هيجان الغوغاء على إنها لا تتحلى بالمسؤولية.. وقد عجزت عن إدراك مبادئ الحزب القائد.. ومقالاتنا في جريدة الثورة في أعقاب ما يسمونه بالانتفاضة كافية لهؤلاء حتى لو جرحت وخدشت البعض منهم).
بعد ثلاث سنوات من الانتقام والتجويع والإهمال للمحافظات الجنوبية ومناطق الفرات الأوسط.. افتتح صدام الصفحة الثانية من مسيرة الانتقام من هذه المحافظات.. فكانت صفحة إذلال وجوه القوم وشخصياته.. فأمر بإحضار رؤساء عشائر هذه المحافظات ووجوهها لمقابلته في القصر الجمهوري.. ومورست بحقهم أحقر أساليب البطش والإرهاب والحرب النفسية.. لم يستخدمها أي دكتاتور سابق في العالم ضد شعبه.
كان إحضارهم بشكل لا يليق بعلية القوم ووجوهه.. حيث يبقونً مهملين ساعات طويلة.. ثم يؤخذ غالبيتهم لاستبدال ملابسهم.. بملابس مهئية في القصر.. وهذه إساءة نفسية.. واعتداء على كرامتهم.. وإشعارهم إنهم قذرين.. والقائد ينعم عليهم!! .. حتى إذا بدأ الليل يُدخلون قاعة الاستقبال.. وهي مطفأة الأنوار.. ويبقون جالسين في ظلام دامس بلا كلام.. ولا حركة حوالي ثلاث ساعات لسحق إنسانيتهم تماماً.. ثم يدخل فجأةً عليهم صدام.. وبدخوله تفتح الأنوار والإضاءة.. فيقفون وتبدأ هتافاتهم وأشعارهم.. والبعض يدبكون وآخرون يرقصون مثل الكاولية.. حيث يؤمرون بالقيام بذلك منذ وصولهم.. وإلا ……. الى أن يشبع صدام غروره بإذلالهم تماماً..فيؤشر عليهم ليجلسوا.
ليبدأ صدام بالكلام الذي يقطع عن التسجيل والتصوير.. ويبدأ بكلام وقح وبالإساءة إليهم.. وحتى شتمهم بالأسماء.. وشتم أهالي مناطقهم الذين ثاروا عليه..
وعندما يشبع غروره ويرتاح.. يعود التلفزيون للنقل.. لنسمع ونشاهد شيوخ العشائر يؤدون (قسم الوفاء) عن أنفسهم ونيابة عن أبناء محافظتهم.. للسيد الرئيس القائد المجاهد حفظه الله ورعاه.. وبعد عاصفة من التصفيق.. يبدأ صدام حديثه الذي كان يبث علينا.. وهتافات الحضور ودبكاتهم.. وفدوه أنروح إحنا وعشائرنا للقائد.. وغير ذلك من الدجل الرخيص.. أما القلة التي لم تهين نفسها وتبقى جالسة في القاعة ساكتة.. فمصيرها يكون فيما بعد مجهولاً بين السجن أو الاختفاء أو التغيب.
ففي الوقت الذي يموت فيه شعبنا جوعاً.. وبعض من نخب مثقفي العراق وعلمائه يسحقون سحقاً.. وأنا احدهم حتى إنني منعتُ من بيع الكتب على الأرض في شارع المتنبي..وأنا بدرجة دكتوراه ومحال للتقاعد العام 1983.. ومنعت من السفر الى خارج العراق.. واعتقل ابني وهو على أبواب مناقشة رسالته الماجستير.. ومئات من مثلي.. لم ننكس رؤوسنا.. في حين نجد هؤلاء الذين يسمون غالبية أنفسهم شيوخ ووجهاء عشائرتشتم صدام ينكسون رؤوسهم.. وهم يرقصون له.. ويرمون عٌكلهم تحت حذاء صدام.
تحية احترام لشيوخ عشائرنا الكرام الأصلاء.. الذين ظلوا صامدين.. وأفٍ.. أفٍ لكل من دنس شرف عشائر العراق… شيوخنا الأصلاء.. شيوخ صدام أصبحوا حواسم بامتياز بعيد الاحتلال.. وفرخوا بالآلاف.. فأساءوا لعشائرنا.. اطردوا شيوخ .. صدام من بين صفوفكم.