18 ديسمبر، 2024 6:58 م

شيفرة الليل بين البؤرة الظلامية و فاعلية الآخر الضوئي

شيفرة الليل بين البؤرة الظلامية و فاعلية الآخر الضوئي

قراءة في قصائد مجموعة ( بستان الليل ) لكاظم مزهر
( توطئة )
أن القارىء لمجموعة قصائد ( بستان الليل ) للشاعر
البصري كاظم مزهر لربما يجد بأن ( الذات الشاعرة)
تتشكل ضمن آفاق استعارية / تماثلية يحاول من خلالها
الشاعر مزهر استثمار طاقاته الذواتية الصورية و التوصيفية
المتعددة في أربعة سياقات هي : ( المكان / الحياة اليومية/
الطبيعة / أزمنة الذات ) و ذلك في سبيل الكشف عن
الجوانب الفنية الجمالية / الأيقونية التي يتمثل بها دال (الليل)
داخل حدود مجسات ( الذات / القرينة / الموضوعة /العلاقة/
النسق ) وصولا الى منطقة حركية تشكلات حسية مخيالية
تسعلا لخلق دلالات توصيفية جادة لدليل و دال ( الليل )
لتعبر عنه وفقا لتحولات المسارية الابعادية / العلائقية وما
تتضمنه من محاورات تضمينية خاصة في بنية القصيدة .
و يمكننا أدراك هذا التشكل النسقي في عنوانات مجموعة
قصائد الشاعر كقصيدة ( بستان الليل ) و قصيدة
( طائر الليل ) و قصيدة ( فوضى ذاكرة الليل ) و قصيدة
( أجوس وجوه الليل ) و قصيدة ( سماء الليل ) و قصائد
أخرى كان لها ذات المنحى في علاقة شيفرة الليل في متون
و محاور و متواليات الحضور الشعري الدوالي في قصدية
موضوعة المجموعة .
( الذاتية الواصفة و تعاليل المصير الشكلي )
أن من أبرز المظاهر الأسلوبية و الدلالية في عوالم قصيدة
الشاعر كاظم مزهر هو ذلك الأهتمام في إشغال موقعيته
الذواتية الراصدة لنزوعات ( أنا الجمعية ) أي بمعنى ما
أن الشاعر دائما في موضوعاته الشعرية يكون بعيدا و قريبا
عن متاريس ( ألانا الشعرية ) وصولا الى قيمة أحتوائية /
إشتمالية إزاء علاقات صور الأشياء داخل مكنون إناه
المتكلمة و التي لا يقابلها سوى وجه تناوبية الأصوات
و المظاهر المدلولية في تحولات علاقة المستوى الدلالي
الشامل في أتون إجرائية صوت المؤكد من حاضنة الدوال
في مساحات النص :
الليلة التي لم تأتي إلي فيها
كانت ليلة قاتمة ..
حمراء ، لا بمعنى ليالي السلطان الماجنة
لكنها ليالي الفقراء
حين نعاين فكرة مقاطع القصيدة بأعتبارها كيانا عضويا
متماسكا . نتابع منها وجه تقلبات الدليل الأرسالي في
عنصر الوحدة الشكلية : ( كانت ليلة قاتمة ) من هنا تظهر
لنا مستويات وسائط الظرفية / الزمانية / الذاتية ومن ناحية
تبدو أكثر رؤية لأساس جوهرانية ( السبب / المسبب ) ولكن
نجد المستوى الظرفي في دلالة النص تابعا لغاية الوصول
الى محطة ( الإمكان الأستعادي ) وصولا الى وحدة مشخص
وظيفة الزمانية / الارتدادية : ( حمراء / قاتمة / التي لم تأتي
إلي / ليالي السلطان الماجنة ) بحيث تبدو الدعوة التقريبية
عبر هذه الأدوات الوصلية خاضعة جميعها الى تركيبة
ما في زمن التسمية / الحلم و تمظهراته / حساسية التنوع .
إلا أن الطريقة التي كان الشاعر يرسم فيها حلمه الليلي تقوده
الى أن يجعل منه حلما شموليا وخاصا : ( لكنها ليالي
الفقراء / ليالي السلطان الماجنة / الليلة / كانت ليلة / قاتمة )
لذا فأن لحظة الحساسية الأقفالية التي تضع الأداة الشعرية
فيها نهاية ما بدت و كأنها عودة مفترضة مما يؤكد أن الذات
الشاعرة في وساطة إيهامية معطوفة نحو خصوصية فعالية
حلم لأي شاعرية محورية ما و مركزية أخرى ما :
يا ليل ..
أيها السواد الرمادي
المتكرر في الزوايا
كأسماءنا التي تلاحقنا
( من الليل الى أفق الولادة الأستجابية )
في دلالات قصيدة مجموعة ( بستان الليل ) تتمثل مظاهر
النص في أيقونية أحداثه و حركية موضوعته الواصفة
التي أخذت تؤلف في مسارها الإيحائي مجالا خصبا
لأستيعاب أفعال و ثيمات و دوال ( الليل / الموت / الولادة /
الأحتمال / التصور ) لأن من شأن منظوريات أحداث النص
و بتموجاته الكيفية داخل المستودع المقروئي راحت تعد
بمثابة المادة الأساس لأسئلة و أستجابات القراءة أستنادا الى
تجاوبات تواصل و تفاعل مظاهر النص ذاتها :
الليل ساعة أنظر فيه . الساعة ذي
رائق مثل قطعة صافية من ظلام
انهمكت أيدي الرياح بجلائها
لا بقعة غيم
لا خيوط غبار تعكر سحنته السوداء
ينفتح هذا المدى من عتبتة التصدير التي جاءتنا تحمل
مخطوطة انكشافية دوال تقارب فاعلية المتن التضميني
المشترك إزاء وظيفة تشكيلية ما من شأنها تحفيز فضاء العدم
و اللاجدوى نحو فضاء رمزية تنقل حساسية القراءة
التصور نحو أرضية بلا إيحاء ما أو قصدية علامية ما
لأدراك ملاحظة أقتطافات هذا المأخوذ التصوري المخالف:
( الليل ساعة انظر فيه ) لاشك في الأمر هنا بأن غاية
الحساسية التوصيفية التي من شأنها جعل وقائعية المعنى
داخل بنية الذات الشاعرة مرورا لعملية استبدال الحقيقة
بالوهم الأمكاني المستعار ( قطعة صافية من ظلام /
انهمكت أيدي الرياح بجلائها ) و تبعا لهذا نعاين بأن بنية
الأيقونية الظلامية راحت تتلمس طريقا لفعل التباين و
الاطلاق خاصة و أن دلالة الجملة السابقة ( الليل ساعة
انظر فيه ) قد تحولت الى دلالة مسارية مضيئة لولادة
( انهمكت ايدي الرياح / قطعة صافية من ظلام ) مما
ينكشف عنها ذلك المدار التخييلي الأحتجابي للحالة الشعرية
و هي ضمن دائرة الترسيمة المضافة من زمن دلالة جملة
( غبار تعكر سحنته السوداء ) و هنا يمكن تأكيد النظر في
رواية الأحداث الشعرية في القصيدة . بيد أننا نلاحظ بأن
للشاعر دوال عين ظلامية عويقة الغور و التعرف حيث
بوسعها أن ترى ما لا يرى الآخرون .
( تعليق القراءة )
و نحن في غمرة زمن فصول قصائد مجموعة ( بستان
الليل ) صرنا نعاين بأن الفضاء و المكان و الزمان و
الذات في خطاب النص تتصل و حدود دوال ضاغطة و
محتشدة في كثافة لافتة للرؤية القهرية و السوداوية على
صفحة بياض حلمية تصويرية جملة الأيقونية
الأستفهامي : ( هل ترى بستان الليل ؟ ليس لأشجاره
زارع سواك ؟ ) و إذا ما انتقلت الذات الشعرية في
مفصلية أخرى من مفاصل الكشف عن صلة فضاء التداخل
الشعري . فأننا نعاين و بدقة ملحوظة بأن لقصيدة كاظم
مزهر ثمة إظافة مشرقة في أنجاز فعل تعليل دلالة الظلام
و على نحو فضاء انفصالي تتجه إليه الذات الشاعرة صارخة
لتنفي عن نفسها فلسفة ثنائية ( الظلام / الضوء ) :
ما الليل إلا غروب الشمس
الغروب ليس إلا غياب الضوء
كل ذلك لأن الأرض تدور
الليل لا يغادر ولا يعود في الأماكن
الليل غياب شيء
النهار حضور شيء
الزمن غياب و حضور .
فالمعادلة واضحة تمام الوضوح في سياق تعبيراها
المتوازي . إذ أن الطرف الأول منها الأنا / سواك /
الآخر يوازي و يتضاهى و يتعامد مع الطرف الثاني
( أمرق من جوف ليل / فأهيب كبد ليل آخر ) و حتى
تتحول المعادلة ( الأنا الشاعرة / جوف الليل ) من فضاءها
الظلامي الى فضاءها الذاتي الشعري فأن على الطرف
الثاني ان يكون خلاصا للطرف الأول : ( أفكار تغنى /
أفكار تستحدث / أيتها الشمعة البديلة / لماذا تنطفئين /
و الجلد يكابد الأسفلت / في نبرة السرير .. ؟ ) من هنا
تصبح آلية القطب الأول بمثابة المرجعية الرؤيوية التي
تعتمدها أداة الذات الشاعرة لدعم قصدية إحلال اشكالية
المعادلة و أحلال قدرة الآخر القرين محل عجز الأنا
الظلامية المغيبة في تمظهرات جدلية ( بستان الليل )
و حدود مساحاته الأفتراضية و الرمزية و الأستعادية
و التعويضية . فالشاعر المبدع الأخ كاظم مزهر في
مجموعته الشعرية ( بستان الليل ) قد أعطى للأفعال
الظلامية النافية و الفانية و التي بدورها أخذت تحجب
نهارات الذات الشاعرة الكاملة في أن تنتظم داخل السياق
الشعري أنتظاما دراميا و حركيا فاعلا راح يكشف لنا عن
وعي رؤية الشاعر في تمظهرات كيفية محددات مصير
النص الشعري على اساس من أشكالية التوافق أو عدم
التوافق بين قطبي شيفرة الليل / الظلام و بين قطب
( و الستائر المسدلة لا تخلق ليلا ) هكذا وجدنا الذات
الشاعرة أخيرا تستعين بوسائط معطيات الآخر الشريك
( في حضرة الضوء ) لإنجاز مهام مفاصل دلالية تعويضية
و انتقالية في منطقة ثنائية الظلام و الليل الى حدود مسارية
وفاعلية الدليل الضوئي الآخر في زمن فضاءات قصائد
بستان الليل .