23 ديسمبر، 2024 2:58 م

شيطنة المتسلقون على كرسي الحكم

شيطنة المتسلقون على كرسي الحكم

تلقفوها يا حزب الدعوة تلقف السلطة بيد الحُكّام، فوالذي يحلف به قادتكم، إن خرجت منكم لن تعود، فما جئنا لإنقاذكم أو أسعادكم, وإنما لنحكمكم ونتأمر عليكم, ونأكل زرعهم وننهب بلادكم.

تكمن الغاية الأساسية من تأسيس الاحزاب، في العمل السياسي، ومسك زمام السلطة, للسيطرة على إدارة الدّولة، فتأتي مصالحها بعد المصالح العامة، لأجل ديمومة عملها واستمراريته، وتحقق مصالحها بعد نجاحاتها المتحققة في ادارة الحكومة، وهذا الامر طبيعي بحد ذاته ولا عيب فيه، لكن العيب يكمن فيمن يستخدم السلطة ونفوذها لأجل مصالحه الحزبية والشخصية، باسم الوطن وهذه هي الشيطنة.

نعم انها الشيطنة السياسية, والمكر والخديعة، وهذا ما شبَّ وسيشيب عليه حزب الدعوة، منذ الْيَوْمَ الاول الذي وطأة فيه اقدامهم ارض العراق، لعل البعض يغيظه العنوان، او يزعجه التوصيف اكثر، لكنها الحقيقة بذاتها، ومن أراد معرفتها فليتجرد قليلاً من الحزبية والتبعية، للفترة القصيرة التي سوف يقرأ فيها المعطيات.

بعد سقوط النظام البعثي جراء الاحتلال، تم تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، الذي تألف من (٢٥) شخصية سياسية متنوعة فكرياً ومذهبياً، لإدارة البلاد بالتناوب، ولمدة شهر واحد لكل منهم، لفترة محددة بدأت من 2 تموز 2003 م ولغاية 1 حزيران 2004.

مع قرب انتهاء فترة مجلس الحكم الانتقالي، قررت الاحزاب السياسية تشكيل (الجمعية الوطنية)، مهمتها كتابة دستور جديد للعراق، والتحضير لانتخابات مجلس نواب جديد، تتمخض من خلاله أول حكومة عراقية منتخَبة، فوقع الإختيار على (غازي عجيل الياور) رئيساً للجمهورية، باتفاق جميع القوى السنية، و(عادل عبد المهدي) رئيساً للوزراء، لكن (حزب الدعوة) بقيادة (ابراهيم الجعفري)، اعترض اعتراضاً شديداً على توليه رئاسة الوزراء، وأصروا على تولى الجعفري للمنصب، وقال في كلمته المشهورة “اما انا رئيس للحكومة أو لا تكون هنالك حكومة أصلاً” فكان هناك شد وجذب, وصراع غائب عن أنظار الشارع العراقي، كانت نتيجته ان ينصب (اياد علاوي) رئيساً للوزراء كحل وسطي، واختير (حاجم الحسني) رئيساً للجمعية الوطنية.

جرت الانتخابات وافرزت قوى سياسية بأحجام متفاوتة، واختير المرحوم (جلال الطالباني) رئيساً للجمهوريّة, و (محمود المشهداني) رئيساً للبرلمان, وعاد الجعفري مرةً اخرى في اصراره على تولي منصب رئاسة الوزراء، مع ان (حزب الدعوة) كان الأقل تمثيلاً في البرلمان، لتنتهي حكومته في ٢٠٠٥، لتبدأ الدورة الانتخابية الثّانية.

اطلعت جميع الاحزاب السياسية بمختلف مكوناتها، على سياسة الجعفري الفاشلة والتفرد بالقرارات، التي أخذ البلاد الى هاوية الطائفية، ليصبح العراق قاب قوسين أو أدنى، من حرب أهلية طائفية مقيتة، وأخذ العراق بفقدان قوته الداخلية، وظهرت المليشيات الطائفية، على الساحة العراقية علناً، لتتقطع أوصال العاصمة بغداد بالكتل الكونكريتية، وسيطر الاٍرهاب على جميع مداخلها، من (حي الوحدة) جنوباً, ومثلث الموت شرقاً, الى بوابات بغداد غرباً، واصبح من يريد ان يذهب الى العاصمة بغداد يترك وصيته عند أهله، تلك السياسة الفاشلة التي تمتع بها الأخير، أنهت حظوظه, وقوضت احلامه للولاية الثانية.

انتهت حكومة الجعفري، وحصل حزب الدعوة على “خمسة عشر مقعداً في انتخابات الدورة البرلمانية الثالثة” وكان الخيار (للمجلس الأعلى) في تولي الحكومة، لكن تشبث حزب الدعوة بالمنصب، الذي يعتبرونه موروثهم الشرعي من العراق، مما دفع (المجلس الأعلى) للتنازل عن استحقاقهم في المنصب، ومنحه للدعوة ثانيةً، ليتولاه (نوري المالكي) كبديل عن الجعفري، الذي تم رفضه من قبل جميع الاحزاب والحركات الغير الشيعية برمّتها.

حكم المالكي دورتين انتخابيتين، وكان مصراً على ان لا يتركها لغيره، حسب مقولته المعهودة “هو بعد منو الينطيها”،لتكون شعاراً يردده أنصارهم، لم يفلح الأخير في الحفاظ عليها لنفسه، لكنه ابقاها لحزبه، ليسلمها مكرهاً لخلفه (حيدر العبادي) بعد رفض القيادي في الدعوة (طارق نجم) تولي المنصب، وسفره في عتمة الليل المظلم الى بريطانيا، خوفاً من سطوة المالكي.

كان بمقدور (الفريق المنسجم) ان يغتنم الفرصة، التي وصلت اليه بلا تعب ولا عناء، بعدما طلبت اغلب القوى السنية والكردية، ان يتصدى المجلس الأعلى للحكومة، وسيكون الجميع داعماً لهم، الا ان الحكيم رفض ذلك الامر وقال حسب ما نقل عن اتباعه “لا نريد ان نسن سنة سيئة” اَي هذا هو استحقاق (حزب الدعوة) ولا نريد سلبهم إيّاه، فجاء (حيدر العبادي)في ذات الليلة الظلماء، طالباً الدعم من (الفريق المنسجم) الذي اصبح يمتلك زمام الامور بيده، ليتولى منصب رئيس للوزراء.

تحقق حلم العبادي، وبدأ الصراع الدعوي الداخلي، وانقسموا اتباعهم بين العبادي والمالكي، وأخذت التصريحات تشق طريقها بين الطرفين، وتفاقمت الاتهامات المتبادلة، فالأول يصف الأخير بالقائد الضرورة, والأخير يصف الاول بالسياسي الفاشل والمنبطح، وغيرها من الاتهامات كالسرقات والفساد، حتى تصور البعض ان الامور وصلت الى حد “كسر العظم”، فما ان دنت الانتخابات حتى تبددت تلك الخلافات، لتأتي الأوامر الخارجية بتوحيد الصفوف، وإعداد العدة للصراعات الانتخابية، وجاء (علي اكبر ولايتي) حاملاً معه المغلف المملوء بالأوامر والتوجيهات، الواجبة التنفيذ بلا نقاش.

خلاصة القول: ان حزب الدعوة لا يعنيه العراق بشيء، بقدر ما يعنيه كرسي الحكم، وان كل ما حدث ما بين المالكي والعبادي هي مسرحية كوميدية، يعرضونها بالفرض والإلزام على أنصارهم وقياداتهم، ليبقى السؤال الأهم: هل سيضاف الى رصيد حزب الدعوة أربع سنوات جديدة؟ لتصبح مدة حكمهم الفاشلة (سبعة عشر عام)؟ أم انها بداية النهاية لحكمهم العراق؟ أم سيتقاذفونها فيما بينهم الى اجلٍ مسمى؟.