22 ديسمبر، 2024 5:23 ص

شيطنة الحزب الشيوعي

شيطنة الحزب الشيوعي

يعد الحزب الشيوعي العراقي من اقدم الأحزاب في العراق حيث أسس في ٣١ آذار ١٩٣٤، في ظروف سياسية استثنائية مرت على تاريخ السياسة العراقية في العصر الحديث، حيث تقول المصادر الشيوعية ان مؤيديه وصلوا في ستينيات القرن الماضي الى مليوني عراقي .
لكن يبدو ان هذه النسبة مبالغ فيها جدا ما اذا عرفنا ان عدد سكان العراق في نهاية الخمسينيات وبالتحديد عام ١٩٥٧ بلغ ٦ ملايين و٥٠٠ الف نسمة، ولا يعقل ان ربع العراقيين برجالهم ونسائهم وأطفالهم هم شيوعيون.
ورغم دوره السياسي الفاعل الا ان الحزب الشيوعي كانت له اخطاء كبيرة منها دخوله بصراع شديد مع الإسلاميين (الذين كانوا يعيشون في مرحلة ضعف وانحسار كبير بسبب تشديد السلطة)، قبل ان يخطأ الخطأ الكبير بالتورط في احداث كركوك والموصل التي عرفت في ذلك الحين بالمجازر.
ومن أخطائه ايضا (حسب رأيي الشخصي) ان الحزب الشيوعي هو اول حزب في العراق أسس لثقافة المليشيات، فكانوا ينزلون الى الشوارع في اي خلاف يظهر في داخل الأروقة السياسية، ما حفز باقي الأحزاب على تشكيل مليشيات مقابلة ابرزها الحرس القومي الذي أسسه البعثيين ، وكان اكثر دور للحزب هو مشاركته في انقلاب عام ١٩٥٨ الذي اطاح بالحكم الملكي وقتل العائلة المالكة.
وهذه الأمور مجتمعة ساعدت على انحسار تأييده بشكل واضح وخاصة بعد حملة الاغتيالات التي قام بها البعثيين عام ١٩٦٣ والتي استهدفت قياداته وأعضاءه الفاعلين، مثل حسين أحمد الرضي سكرتير الحزب آنذاك المعروف باسم سلام عادل، حيث تقول المصادر الشيوعية ان خمسة آلاف عنصر تم اغتياله في ذلك الحين.
لكن عندما نقول ان هناك اخطاء للحزب، لا يعني شيطنته وان باقي الأحزاب هي أفضل او اكثر وطنية وأداء منه، إنما هي تعبير عن حالة الصراع السياسية على السلطة بين البعثيين والقوميين والشيوعيين في ذلك الحين.
بالمقابل يحسب للحزب الشيوعي مواقف في غاية الوطنية ابتداء من رفضه للحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عقب الاجتياح العراقي للكويت ومعارضته لغزو العراق من قبل قوات التحالف في عام 2003.
الا ان الحزب عندما دخل العراق بعد عام ٢٠٠٣ وجد نفسه لا يحمل ذلك التأييد الذي كان يمتاز به في القرن الماضي بدليل انه حصل على عدد قليل من الأصوات في اول أنتخابات عراقية، وهذا الانحسار اعزوه شخصيا الى تنامي التيار الديني في العراق وخاصة بعد عام ١٩٩٧ بعد ثورة الشهيد الصدر الثاني قدس سره.
اما في المرحلة الحالية فان الحزب الشيوعي يعيش في اجواء نشوة كبيرة بعد حصوله على ١٣ مقعد نيابي في الانتخابات الاخيرة التي تدور حولها شبهات التزوير، مستفيدا من ظاهرة الاحتجاجات التي تصدى لها الاسلاميون وشارك بها الحزب من عام ٢٠١٠، وكذلك ما تلاها من الاحتجاجات التي دعا اليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والتي تكللت بتحالف بين الحزب والتيار الصدري.
ان الحزب الشيوعي نجح بفضل هذا التحالف بالحصول على هذا العدد من المقاعد، لكن الاستفادة الأكبر انه تقرب من تيار ديني معتد به مثل التيار الصدري الذي وضع حدا للقطيعة والعداء التاريخي (ان صح التعبير) بين الحزب والتيارات الدينية.
الا ان هناك أنباء لا يعرف درجة دقتها تشير الى نية الحزب الانسحاب من تحالف الصدر، وان صدقت هذه الأنباء فيعني ان الحزب نال ما كان يصبوا اليه من الاستفادة من الصدريين ومن ثم الاستقلال بخط سياسي منفرد يعبر عن وجهة نظر الحزب، وبنفس العقلية القديمة التي يحملها الحزب في مسالة التحالفات والتي لم تتغير منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، فما من تحالف يدخل به الا وخرج منه سريعا بعد ان يرى انه يملك قوة كافية للاستمرار منفردا.
نعم … ان الاختلاف حول نهج الحزب منقسم وموجود حاله حال باقي الأحزاب الاخرى، الا ان الشيء المسلم به وأصبح واضح للعيان بان الحزب حقق نجاح تاريخي في هذه الانتخابات ، لذا من الطبيعي ان تكون احدى نتائج هذا النجاح ان تشن حملة من بعض الأحزاب الاسلامية الاخرى لشيطنته ومحاولة استفزاز العقلية العراقية وإعادتها لأجواء العداء القديم والفتاوى التي صدرت بحرمة الانتماء للحزب.
واخيرا … رغم ما احمله من ملاحظات على الشيوعيين ، الا أني ارى ان استهداف الحزب بهذا الشكل هو ظلم له، لان أعضاء الحزب (كما اعرف جملة منهم)، ليسوا ملحدين او يحملون عقيدة العدوانية للإسلام كما يتهمهم الاسلاميون ، فهم يصلون ويصومون ويقدسون مذاهبهم، بنفس الوقت هناك منهم من يشرب الخمر ويمارس حياة الانفتاح بدون تحفظ، وهذا الامر موجود في كل المجتمع العراقي وليس مختص بالحزب الشيوعي.
من الواضح ان هناك تغيير في عقلية الحزب بعد عام ٢٠٠٣ عن العقلية التي كان يحملها سابقا، لكن لا نعرف سبب هذا التغير هل هو بسبب انحسار التأييد والميلان مع الموج لحين الاستقواء ؟ ام انه انسجام مع الحالة والتداعيات التي تغيرت بفعل الانتقالات التاريخية في الأحداث العراقية، الا انه رغم كل هذا نرى ان الحزب الشيوعي في هذه الفترة هو ليس الحزب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فهو اكثر إيجابية وأكثر واقعية.