23 ديسمبر، 2024 10:45 ص

لا أظن أن الظروف الدولية والاقليمية ولا حتى المحلية في العراق الجديد مؤاتية الآن لكي يعلن الأكراد دولتهم المستقلة في كوردستان، مع أنني في الواقع أؤيد أن يتحقق للأكراد حلمهم الجميل في دولة مستقلة تساهم في صنع السلم العالمي، وتشيع المحبة بين الشعوب وكل بني البشر.
نعم .. الأكراد، سواء في إيران والعراق وسوريا وفي لبنان وأي بقعة يتواجدون فيها، هم شعب كريم ومضياف، عندما تزورهم في سنندج أو في حلبجة والسليمانية وأربيل أو في خانقين ومندلي، تجد عندهم كرم سكان الأهوار وباقي مدن الجنوب العراقي، أو العرب الرائعين في الأهواز مثلاً.
طيبة الأكراد تذكرني دائماً بطيبة أهلنا وبساطتهم في البصرة، وقد جربت كرمهم  عندما كنت أحل ضيفاً على أسرة الراحل الشيخ عثمان عبد العزيز وأخوته خصوصاً المرحوم الشيخ علي وأولاده.وهمشعب مكافح صلب وعنيد حين يتعلق الأمر بالقتال من أجل قضيتهم العادلة ولم يسجل عليهم أنهم خرقوا أصول الحرب الشريفة في المعارك مع القوات الحكومية قبل أن تقيم لهم أمريكا منطقة محظورة بعد إنتفاضتهم الباسلة في العام 1991. وهم إذاً شعب يملك كل مقومات الحياة وتكوين دولتهم المستقلة.
لقد فرضت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا حظرا جويا داخل العراق فيما عرف بمناطق الحظر الجوي شمالي العراق وجنوبه لحماية الأكراد والشيعة. وانسحبت فرنسا عام 1996 م لأنها اعتقدت أن منطقة الحظر أخذت منحى أهداف أخرى غير الأهداف الأنسانية. 
وكانت لمنطقة حظر الطيران دور رئيس في نجاح الأكراد بإجراء انتخابات محلية وتشكيل برلمان وإقامة كيان شبه مستقل في إقليم كوردستان العراق والذي كان ملاذاً للكثير من المعارضين، ومهد للحرب على النظام السابق لاسقاطه في أبريل نيسان 2003.
وبرغم أن القرار كان يفترض به أن يشمل الجنوب العراقي لحماية الشيعة ، إلّا أن الشعارات ” الطائفية ” غير المدروسة التي رفعت في أثناء إنتفاضة شعبان في مارس آذار 1991، غيرت معادلة الحظر لصالح النظام الذي كان يستخدم المروحيات في قصف المنتفضين وسحقهم ، حتى في مناطق الأهوار التي كانت من معاقل المعارضين الرئيسة للنظام السابق.
وإذ امتدت منطقة الحظر شمالاً من خط العرض 36 وجنوباً حتى خط العرض 32, إلّا أن مايؤخذ على بعض الكورد(الحزب الديمقراطي الكردستاني) أنهم استعانوا بجيش نظام صدام صاحب مجازر الأنفال وحلبجة وغيرهما ، في أواخر عام 1996 لدخول محافظة أربيل التي كانت واقعة ضمن منطقة الحظر، ضد إخوانهم من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
ولنعترف أن الأكراد اليوم في العراق ماعادت لهم قضية مثلما كانت قبل 1991. فهم الوحيدون المتحكمون في الاقليم. ولاتملك الحكومة المركزية أي سلطة على إقليمهم  الذي هو في واقع الأمر دولة مستقلة في قراراته وعلاقاته الخارجية وقواته العسكرية وأجهزته الأمنية وعلاقاته الإقتصادية وسياسته العامة.
كوردستان اليوم يتصرف كدولة مستقلة ، وهو يحصل أيضاً على حصة اضافية تأتيه من الحكومة المركزية تصل الى 17%، من ميزانية الدولة القائمة في معظمها على صادرات نفط البصرة ، إضافة الى حقائب وزارية أهمها ” الخارجية ” ومنصب رئاسة الجمهورية.
وليس هذا وحسب .. فان السلطة في كوردستان باتت أيضاً ملاذا لكل معارضي الحكومة المركزية حتى لو كانوا متهمين بالارهاب البعثي  الذي عانى منه الأكراد سنوات طويلة وذاقوا ويلاته، وهي تحول دون قيام الجيش الاتحادي  بالإشراف على المنافذ الحدودية، وتقيم أفضل العلاقات الاقتصادية مع تركيا عدوة الأكراد!. 
وبينما تتخذ الحكومة المركزية موقفاً محايداً من الأزمة السورية، وتتحفظ على محاولات إسقاط نظام بشار الأسد عبر دعم “الثورة السورية” المسلحة المتورطة في الكثير من تفاصيلها بأعمال ارهابية لم توفر الأكراد السوريين ،  تقف حكومة الإقليم موقفاً داعماً لها، وتفتح معسكرات لتجنيد اللاجئين السوريين وتدريب مقاتلين نفذوا الكثير من المجازر في مناطق الأكراد بسوريا. وحتى تلك المجازر التي تعرض لها الأكراد في محافظة الحسكة ورأس العين وغيرها من مدن اتهمت تركيا بدعم مرتكبيها، فان إقليم كوردستان كان على الدوام صامتاً تجاهها، وهو على العكس  يتطلع الى دورها في إعلان الدولة المستقلة ويصفها رئيس حكومة الاقليم نجيرفان بارزاني وهو كمن يأخذ من الذقن ويحط على الشوارب،  ب” بوابة الأمل الوحيد للأكراد” وهو يقرر أن الوقت مناسب لاعلان الدولة الكوردية  ”  !..
فياأيها الأكراد : لا شيش ولا كباب …
وتذكروا أيضاً أنْ لو رغبَ الراعي لصنعِ من حليبِ التيس جبناً …
والعاقل يفهم.
مسمار :
مثل كردي :”السيد في لهوه ، وبيتُه تحت الثلج”