تكشف طريقة تعامل النظام الإيراني مع معارضته حجم التناقضات التي تعشش في ذهنيته، بالإضافة لحجم الرعب الذي يعتريه نتيجة حراك هذه المعارضة التحرري داخل إيران وخارجها.
وما يدلل على ذلك شكل الخطاب الذي يمارسه ضد “منظمة مجاهدي خلق” المعارضة، والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية المعارض، الذي يعتبر إطاراً تنظيمياً معارضاً شاملاً لعدد من الأطياف السياسية والأحزاب المعارضة في الخارج، وإطلاقه لنعوت توصّفها تتضارب مع فعائله تجاهها.
حيث يطلق ساسة نظام الملالي على أعضاء المعارضة بشكل متكرر لفظة “المنافقين” بينما لم يمارس هؤلاء المعارضين مع شعبهم يوماً سياسة الخطابين التي يمارسها النظام مع الشعب الإيراني, بل ساروا منذ البداية في طريق تحرير شعبهم من تفرد الشاه بالحكم واستبداديته، ثم واصلوا طريقهم المليء بالأشواك، والمخضب بدماء مناضليهم من أجل تحرير شعبهم من تخلف الظلامية المذهبية التي تسيطر على مقاليد الحكم، وتمارس التمييز بين أبناء الشعب الواحد.
ويصف نظام ولاية الفقيه على ألسنة ساسته من حين لآخر، معارضته “بالهامشية وذات التأثير الذي لا يذكر، حيث لا قاعدة شعبية لها داخل إيران”، في وقت يغدق فيه المال على شراء الكتّاب والصحفيين والإعلاميين من أجل مهاجمة هذه المعارضة وعناصرها، وتسخير الامكانات المادية بهدف تشويهها أمام أبناء شعبها وأمام المجتمع الدولي، في صورة واضحة لحالة الرعب وربما “الشيزوفرينيا” التي تعيشها شخصية هذا النظام، وتظهر بشكل جلي في علاقته مع معارضتها التي وصلت اعداماته بحق أعضائها أرقاماً غير مسبوقة، كما تظهر في الممارسة السياسية لها في عدد من ساحات الإقليم.
وبلا مبالاة، ينفق نظام الملالي مئات الملايين من الدولارات لشراء الذمم من خلال الضغوطات النفسية التي يمارسها ضد المعارضين لتسخيرهم في التجسس على حركات التحرر المعارضة خارج إيران، إضافة لشرائه الإعلاميين والكتاب والصحفيين، وتأسيسه لمؤسسات إعلامية شغلها الشاغل تلميع صورة النظام من جهة، وشيطنة معارضيه، وكافة القوى التي تتصدى لتدخلاته وعبثه في دول المنطقة، واستباحته لدماء نسائها ورجالها وأطفالها.
يحدث كل ذلك من تبديد لثروات الشعب، فيما يعاني الإيرانيون ويلات ضغوطات الحياة، وتدهور الأوضاع المعيشية التي فرضتها العقوبات الاقتصادية منذ سنين طويلة، بينما تعاني أقليات من أبناء الشعب الإيراني التهميش السياسي والاقتصادي، حيث تركت مناطقهم بلا تنمية، لترتفع بالتالي أرقام البطالة بين الشباب في إيران إلى نسب قياسية، ناهيك عن حالة الاحباط التي دفعت بالملايين إلى إدمان المخدرات، ما بات يهدد استقرار وأمن المجتمع الإيراني برمته.
وترتعد فرائص نظام الملالي كلما حققت المعارضة الإيرانية انجازاً ما، وخطت خطوات على طريق فتح قنوات مع المجتمع الدولي، وتوسيع دائرة استقطاباتها، حيث ظهر ذلك بشكل واضح في مؤتمر باريس الأخير الذي عقدته المعارضة الإيرانية وحضره المئات من الشخصيات السياسية من مختلف أنحاء العالم، في وقت يوسع فيه نظام ولاية الفقيه من دائرة الأعداء نتيجة سياسات التدخل في شؤون الأخرين، وتغلغله في عدد من دول المنطقة وامتلاكه القرار السياسي في بعضها، وما تقترفه يداه من سفك لدماء الأبرياء إما من خلال ميليشياتها الطائفية التي تعمل بالوكالة، أو عناصره المقاتلة، دون حسيب أو رقيب.