18 ديسمبر، 2024 9:57 م

شير كو بيكه س  وتجربة موت الغربة  

شير كو بيكه س  وتجربة موت الغربة  

يارفيقي شيركو  بيكه س
إذا حدثتك عن الغربة قليلا ؟ 
فهي  دودة بيضاء
تنخر الجذور على مهل
فتسقط الشجرة بثمارها
وهي دودة صفراء
تنضنض جسد الميت على مهل
وإذا حدثتك  عن الموت قليلا !
فبأي الكلمات أجيبك
نحن الذين جاورنا الموت وعايشناه
نحن الذين هربنا من الموت نحو الغربة
فوجدناه ينتظرنا هناك
فما الذي تعلمناه ؟
ان اقسى ما في الموت هو
اننا لانستطيع في قبورنا
كتابة القصيدة
ولكن هل  من قصيدة ابلغ
من قصيدة الموت
يقينا ان  قصيدة الحياة أبلغ
فكيف لنا في بلد كمثل بلدنا أن نميز 
الموت في الحياة
الحياة في الموت
كيف نكتب القصيدة اذن ؟
عبد الاله الصائغ
قال شيركو  بيكه س  في وعد :
إذا استطعت ان تَعُدَّ عَدَّاً
أوراقَ تلك الحديقة
إذا استطعت ان تَعُدَّ عَدَّاً
كلَّ الأسماك الكبيرة والصغيرة
في هذا النهر الذي يجري أمامك
وإذا استطعت ان تَعُدَّ عَدَّاً
الطيورَ في موسم الهجرة
من الشمال الى الجنوب
ومن الجنوب الى الشمال
وقْتَها أَعِدُكَ بأنني …؟ سوق أعدذُ عَدّا
ضحايا وطني في كوردستان .
وقال في كمــــان
عَلَّقْتِ على صدْرِكِ وردة
فتراءتْ لي ( كمان ) صغير
آهِ ….. وحين مشيتِ أمامي
كنتُ اسمع الكمان يعزف
وعلى إيقاعهِ ……….. آهِ
كنتُ ارى رقصة نهديك الرشيقة .
جوهـــر
الطيور لاتطير من اجل زرقة السماء
والينابيع لاتتدفق من اجل ان تهدر الانهار
والاشجار لا تتألق من اجل ان تورق وتنشر الظلال
والثلج لا يتساقط من اجل الشتاء وصنع التماثيل الثلجية
الحصان لايعدو من اجل ان يرخي له الفارس العنان
ويخزه بمهمازه
الأعاصير لا تهب من اجل ان تهز اشجار الغابات
وأنتَ … أنتَ
لا تُعْجب بهذه القصيدة من اجل شيركو بيكه س .
روايــــة
تلكَ الروايةُ التي اعطيتُها لكِ
وأرجعْتِها بعد القراءة
تسللتْ الى مكانها داخل مكتبتي الصغيرة
حينذاك تجمعت القصصُ القصيرة حولها 
وكانت تحكي لهن رحلتها الأخيرة مع عينيك
كنتُ اسمعُها وهي تقول : تلك الجميلة
تعشق القصصَ ذات القوام الطويل
ولاتحب ان تنظر الى قصيرات القامة مثلكن
وبعد هنيهة رأيت
جميعَ القصص قد تحولت روايات .
الشفق الاول
حين جاء الشفق الاول
وبت على كتف القمم
كي تنهض من نومها
كانت سنونوة قصيدتي الساهرة
قد عادت من هناك
تغني على طاولتي
فوق ثلج الأوراق .
الفرات 
غالبا ما يجيء الفرات وهو يسعل
ويجلس الى جانبي
حيث يأخذ أمواجَ لحيته بيده ويقول لي
قل شعرا
فالذي يبقى حتى النهاية هو مائي
وتلك القصائد
التي لا تنسى الفقراء .
حكمـــة
لم تصادقني الاشجار
ولم يسامرني طير
إلى ان امتزجتُ بالغيمة الغاضبة
وأمطرتني
ولم اصبح خريرا للانهار الجاريات
ولم تصاحبني الأمواج
إلى ان اسلمتُ قلبي لمحبة الفقراء
وأحرقني .  (1)
سوف ابقى في النهارات
المشمسة و الصافية
شاخصا حتى زمن بعيد
تمثالا على شارع المستقبل
اتأبط حقيبتي و اوجه بسمتي إلى الجبل(2)

استطيع ان اكتب بلغة الماء
و لم ادخل مدرسة أي جبل
و لكنني اقرأ الحجار و الاشجار
لم يكن الغيم استاذي و لم ادخل دورة الشتاء
و لكنني احفظ قصائد المطر و الثلج
و الريح الصرصر جميعها(3)

غفوت بين حديقتين
فحلمت باحلام وردية
غفوت بين نجمتين فقطفت للفكر باقة من اسرار الليل
مشيت بين ساقيتين
اصبح الموج والخرير صديقي
ارحت راسي بين عاشقين
فاسود مني بياض الشيب
وعندما جلست بين امَّين
التقيت باعظم حب
على وجه البسيطة .( 4 )
 
وبعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
الأحدالرابع  من آب اوغست 2013  مضى او قضى الشاعر الكوردي العظيم شيركو  بيكه س  في مشفى بمغترب استكهولم السويد ! وكيف لنا ان نتهادن او نتهاون في موت بوزن موت هذا الشاعر المعجزة ؟ وكيف سنغفرها لرقم 13 المشؤوم ! وهذه سنة 2013 ! كم خسرنا فيها ؟ وكم سنخسر ؟ طالب القراغولي صلاح عبد الغفور فلك الدين كاكائي شيركو بيكه س !! ينبغي لنا ان نتماسك فما عاد الميت خاسرا ! ولا الحي رابحا! ففي بلادنا اليوم تعاشق الموت والحياة ! فكل شيء جائز وكل شيء واقع لامحالة !! ولد الفقيد الكبير  في السليمانية  الثاني من أيار ١٩٤٠، وابوه هو فائق بيكس، شاعر كوردي مشهور وأحد قادة انتفاضة السادس من أيلول سبتمبر 1930  !  حياة شيركو  حياة اغتراب ومشقة ! فبسبب من قناعاته في الحرية والديموقراطية حورب وبات الموت منه قاب بابٍ لمطرقة !  ففر بجلده  إلى إيران    لكنه ما لبث ان تركها ميمماً وجهه صوب  سورية ! ثم سافر نحو إيطاليا ضيفاً  على  لجنة حقوق الإنسان في فلورنسا. في عام 1987-1988. ثم سار نحو السويد ضيفا على  على جائزة توخولسكى الأدبية وهناك تقدم باللجوء السياسي نهاية عام 1990  ! وكان قد سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام    1988  حين أختيرت احدى قصائده للتدريس في عدد من الجامعات الأمريكية ! ومالبثت أمه واخته تقيمان  في الولايات المتحدة .
سأتحدث عن بيكه س بوصفه خالدا ! والخلود عصي على الموت والنسيان ! هو الذي كسر صدفة التقليد في الشعر  الكوردي واجترح له فسحة شعرية خاصة به  مثابة مملكة  لاتحاذي  اي مملكة !ام هل اتاك حديث الشاعر حين يكون موهوبا ومعذبا ومثقفا وصادقا ومنتميا للشعر اولا واخيرا  فيوزع رؤاه وانفاسه على مباهج الطبيعة التي مسختها  الغطرسة والعتو والجهل ! والعنصرية البعثية الشوفينية ! حاملا على كاهله رسائل الفقراء والحالمين  والمشردين  ليوزعها على قرائه  وينصرف كما النسمة ! هذا الشاعر خلق ليكون شاعر فابوه شاعر واسم ابنته هه لبه ست ومقابلها العربي قصيدة او شعر !واسمه مقترن بثلاث طبيعات   طبيعة حية عاقلة ( وحيد ) وطبيعة حية غير عاقلة ( أسد ) وطبيعة ميتة ( جبل ) قارن : شيركو بيكه  س : شيركو كلمة مركبة من (شير) أسد، و كو (جبل). !!  وبيكس يعني.. الوحيد! فهو اذن: أسدٌ جبليٌّ وحيد !! و بيكس هو  لقبه  العائلي الذي يذكر بالشاعر فائق بيكس !! شيركو بيكه س  ( ابن شاعر كوردي ) كما المحنا لكنه اختط سبيل التجديد فوحَّد  بين الشعر والوطن  والأصالة والتجديد والحياة والموت من اجل الحياة قاوم  التسلط البعثي الشوفيني لسنين طويلة  كما قاوم اسباب التخلف في المجتمع الكوردي فذاق التشرد والنفي ! وهو الى هذا  زاهد بالشهرة ناء عن فذلكات الصحافة والتودد للنقاد !استطاع وبجدارة من خلال القصيدة ان يفعل الكثير للشعر والكور د معا ! فلقي شعر ه جمهورا عريضا بين الكورد والعرب والفرس والترك  واوربا فترجم شعره الى العربية والفارسية والتركية والانجليزية والفرنسية والاسبانية والروسية ! حصل  على جوائز عالمية مهمة  وعاد الى كوردستان من منفاه بعد انتفاضة آذار  1991!وشارك في اول انتخابات برلمانية كوردية ففاز فيها ثم  رشح من  لدن البرلمان الكوردي الموحد وزيرا للثقافة ! لكنه  استقال من منصبه الوزاري بعد سنة ونيف ! وعاد الى منفاه في استكهولم. ثم عاد مجددا الى الوطن  ليسهم في بناء ثقافة كوردية طليعية . والمعلومات عنه نزيرة ! ويمكنني القول ان صديقي الحميم الشاعر والقاص الكوردي المغفور له الدكتور نافع عقراوي مكنني من الاطلاع على الشعر الكوردي بعامة ولم تكن مصادره عن بيكه س كافية !! وفي الموصل تتلمذ الشاعر الكوردي الدكتور لطيف حسين عليَّ وكان جزائي منه ان انشدني محفوظاته من الشعر الكوردي ! لكنني لم اركز على شعر بيكه س ولا سيرة حياته فكان اهتمامي باتجاه قدامة الشعر الكوردي وحداثته وريادته !مطلع  السبعينات من القرن الماضي وفي حدائق اتحاد الادباء العراقيين القى عدد من الشعراء الكورد مختارات من اشعارهم وكان ضمن القصائد التي القيت للشاعر شيركو بيكه س ! احدثت القصائد وهي مترجمة من لغتها الاصلية الكوردية الى العربية ! احدثت صدمة في الذائقة الشعرية  عهدذاك ! واجتذبت اهتمام النقاد كما علقت بعض الصور الفنية الشعرية واقانيم الرؤية والتعامل مع المكان بطريقة مبتكرة ! اقول علقت تلك المشاغل الجميلة في مخيالات بعض اسماء  الشعر السبعيني والاجيال اللاحقة ولن انزه  جيل الستينات من السطو ! كنا نظن ان المنشد هو الشاعر نفسه بيكه س ! لكننا علمنا ان هذا الشاعر هو الوحيد الذي لم يحضر !! الاوضاع عهذاك لم تكن رحيمة بنا ثم جاءت الثمانينات والتسعينات لتغرقنا ببحران من الدماء والوباء ! بنفسي ان اعرف كيف يتعامل هذا  الشاعر مع الصور الفنية،االبصرية والسمعية  ؟كيف يشكل جمله وكيف يوظف علامات الترقيم وكيف يخلِّق موسيقا الحروف الداخلية  وفق كينونة لغته الجميلة  ! (5 ) وما لا يدرك كله لا يترك جله ! فكان تعاملي مع النصوص بهيئتها العربية ! القصيدة عند شيركو ذوبان تام في الطبيعيتين الحية والميتة! فهو ساحر محترف يسوق الغيم بعصاه ويمنح نضوب الينابيع مياها دفاقة وعذراوت عاشقات ! الطيور تغير مساراتها لتصغي لاغنية  يتيم ضائع! ليس ثمة معاضلة في اجتراح الصورة ولا افراط ! الصورة هي لحظة الخلق حين يصطادها الشاعر ويضعها في قفص الشكل ! وسيلاحظ القاريء الكريم انتماء هذا الشاعر الى الشعر وهمومه  دون ان يتخلى عن هموم الوطن ! لسبب بسيط هو انه لايرى مسافة بين الشعر والوطن فكلاهما نقاء مطلق وكلاهما عذاب مطلق وكلاهما جمال مطلق ! كم تمنيت على النقاد العراقيين  الأعزاء الذين تناولوا شعر شيركو لو انهم اهدونا نصوص  هذا الشاعر لكي نتحسسها بحساسيتنا البسيطة فقاريء اليوم لايحتاج الى النقد المعياري الذي ينصب نفسه ولي امر الشاعر فينصحه او يباركه او يؤنبه ثم يلتفت الى القاريء فيصادره دون ان يهديه بدلا من  التقويم شيئا من نصوص  الشعر ! وهذا مسوغي في تقديم عدد مناسب من شعر بيكه س ومن يحاول دراسة  شعر هذا الشاعر وفق التيار الشعري العالمي فلابد له من مراجعة قصائد الهايكو اليابانية وبخاصة  مجموعة  ( واحدة بعد أخرى تنفتح أزهار البرقوق )   سيجد ان قصيدة الهايكو تعتمد الصورة الوامضة الصادمة ( 6 ) اما الذي يريد  دراسة هذا الشاعردراسة موازنة ( على رأي المدرسة الفرنسية  المتشددة في الادب المقارن ) او دراسة مقارنة (على رأي المدرسة الأمريكية المتسامحة في الادب المقارن ) فليختر شاعرا مكاربا لطريقة بيكه س في التناول وتأثيث النص  وجاذبيته ولعل هذا الشاعر هو محمد الماغوط ! وربما لم يطلع كل منهما على شعر الآخر بل ارجح ذلك  ! المتنبي العظيم كان يعتذر لمن يقول له شعرك يشبه شعر فلان ( الشعر جادة وقد يقع الحافر على الحافر ) ولا اسوغ دراسة الشاعرين ( بيكه س والماغوط ) وفق ميكانزم التناص الذي اجترحته يوليانا كرستيفا وانما وفق ميكانزم الادب المقارن بين امتين وشعبين بلغتين مختلفتين ! واعني العرب والكورد !! واخيرا
    سوف اترك القاريء مع الاستاذ علي المندلاوي الذي استثمر زيارة الشاعر الى لندن وحضوره منتدى الكوفة لكي يحاوره والى لقاء قادم مع عمل جديد من النص والهامش .
بروفسور عبد الاله الصائغ / الولايات المتحدة
3 اكتوبر 2005
المصادر
1- بيكه  س . شيركو . مرايا صغيرة ( قصائد مختارة 1975- 1985 ) . طب دار الأهالي .دمشق 1988 .
2- سعيد . شاهو . ( ترجمة وتقديم  . اناء الالوان – قصيدة طويلة/ طب دار الآداب – بيروت 2002.
3 –   بيكه  س . شيركو . نغمة حجرية – ديوان شعر/ طب  دار الاهالي للنشر و التوزيع دمشق 1999.
4 – قصيدة الاعماق ص 114 مرايا صغيرة مصدر سابق .
5- واتذكر ان الصديق الشاعر خزعل الماجدي  نهاية عام 1991انشد كثيرا من شعره في قاعة رابطة  ادباء تونس ثم تحدث عن ريادته بين شعراء جيله واللاحقين في اجتراح قصيدة الصورة وكان الحضور العراقي متألفا من رائد القصة العراقية الاستاذ فؤاد التكرلي وكان ملحقا ثقافيا في السفارة العراقية بتونس ! والقاص عبد الرحمن الربيعي وهو مقيم بتونس والشاعر خزعل الماجدي وعبد الاله الصائغ  فضلا عن ادباء تونس  الناقد مصطفى الكيلاني والشاعر عبد الله القاسمي والشاعر الهاشمي بلوزة والشاعر الميداني بن صالح والروائي العروسي المطوي والشاعر المنصف المزغني والشاعر المنصف الوهيبي والناشرة سهام بن سدرين … الخ ! فنهض الشاعر عبد الله القاسمي معاتبا  وقال  يا استاذ ماجدي ان قصيدة الصورة منسوخة من قصيدة الهايكو اليابانية وان كان لابد من رائد لها فهما محمد الماغوط والمنصف المزغني ! وتداخلت فاضفت قصائد شيركو بيكه س  وحين! وقد ابلغتني الشاعرة  الكوردية فينوس فائق انها ترجمت عددا من قصائد شيركو بيكه س فطلبتها منها  ووعدتني ان ترسل ترجمة بعض قصائد شيركو!

6 ياسودا، كنيث (دراسة في جماليات قصيدة الهايكو اليابانية).طب دار المعرفة الكويتية 1988 .
7- صحيفة الشرق الاوسط .الخميس 11 يوليو 2002 العدد  8626 .