22 ديسمبر، 2024 6:35 م

شيراك أذهب إلى مكة !

شيراك أذهب إلى مكة !

هل الرئيس الفرنسي جاك شيراك هو مسلم الديانة, أو عربي الهوية .. أو هل هو رجل شرقي تهمه إشكالياتنا العربية المعاصرة, ولماذا هذه المقولة: (شيراك أذهب إلى مكة) في بلد العلمنة فرنسا موطن الكاثوليكية ردحاً من الزمن, وحاضنة العلمنة ردحاً أكثر, وحواضر الثورة الإصلاحية, والانفتاح والحداثة والتجرد والحيادية والسلام والأمن وملاذ المفكرين العرب والباحثين بل وكعبة المهاجرين العرب, فيها ومنها انطلقت اكبر ثورة للتحرير من العبودية ونشر القيم العلمانية والمدنية ومرتكز الديمقراطية ألا وهي الثورة الفرنسية عام 1798, البلد التي يرتادها العرب اكثر مما يرتادوا الكعبة ذاتها!!
  أن العداء الغربي للعرب والمسلمين ليس متبلور في موقف بريطاني أو ألماني أو امريكي, فالمسألة نسبية وفي كل الدول الأوروبية, _ وقد تكون شخصية في بعض جوانبها _, والعداء أصله كراهية للدين وللعرق وليس للشخص, بمعنى حتى لو كنت مواطناً مسالماً ستكون مسالماً في حدود معينة, لكن تبقى تساوي فأرة في نظر بعض انصار التيار اليميني المتطرف, أو حيوان متوحش في نظر أقرانهم الأخرين, أو تساوي كلب نافق في نظر الأخر.
  أن العداء للعرب ليس مصدره المثقف الغربي التنويري, فالأنتلجيسيا الغربية تبلغ مرام عالي من الثقافة والحيادية والأبداع, _ خصوصاً الفرنسين منهم _ لكن العداء صادر من المُتعصبين والمتشددين اصحاب الطروحات الراديكالية, اباء الحركات الدينية المسيحية الذين لا يمثلون النخبة الثقافية الأوروبية, فالتنديد بالمرشح الفرنسي المحافظ جاك شيراك من قبل جماعة يمينية متشددة في حملته الانتخابية هاتفين “شيراك أذهب إلى مكة” هو تدليل كاف على إن العداء للعرب هو ذاته عداء للغرب التنويري وللغرب المحافظ, وللغرب الديمقراطي, فشيراك لم يعتنق الإسلام أو يُصلي ولم يحج إلى مكة أو يعتمر في مواسم العمرة والحجيج, لكنه بمحافظته واعتداله عُد في نظر المتشددين إنه عربي مسلم وهذا سلوك منبوذ بالنسبة لديهم, وهناك كم هائل من الأقاويل المنددة بالعرب وبالإسلام, ومنها: يقول سياسي يميني فيفيان فرانزين: “كم سيمر من الوقت قبل أن يركع الأطفال السويديون في مكة؟”, .. وتقول إحدى النساء الثلاثينيات: قال لي أبي: “العرب أسوأ من الفئران”, وأخر يكتب على باب المطعم في ألمانيا: “ممنوع دخول الكلاب والعرب” وسيل هائل من الأقاويل والتفاهات النازية _ البوشية _ الهنتنغونية.
  وما يجب قوله من الضروري أننا لا نعول على كلام وطروحات المتشددين الغرب, بل نأخذ من أفواه المتعلمين والمثقفين, أصحاب الفكر التنويري, لأن المتشددين الغرب لا يمثلون أنتليجسيا غربية أو طبقة مرموقة من المجتمع الأوروبي, بل هم من أدنى المستويات العلمية وأكثر الطبقات ذات التعليم المتدني, ومن العشوائيات, فالتشدد مرفوض في الإسلام وخارجه, ومثلما لدينا متشددين لديهم بنفس الحجم والقياس, فالأصوليات الدينية كلها تتشابه من حيث المنهج والتطبيق مع فارق الشرائع والنصوص الدينية, فالعرب المتحمسون يرمون الولايات المتحدة بالمجتمع الكاوبوي المتخلف, وايران الإسلامية تلفظ تسميه أمريكا بـ “الشيطان الأكبر”, وإلى ما شابه ذلك من مفاهيم ومصطلحات معادية للغرب, بمعنى لكل فعل ردّة فعل, ومن الضروري للحفاظ على علاقة حميمة بين العرب والغرب, الإسلام والمسيحية تجاوز تلك الألفاظ وعدم وضعها في سُلم أولويات الإنتلجسيا العربية والغربية, كبادرة حسن نية.
لأن المسيح أقرب الديانات إلى الإسلام, والإسلام أكثر احتكاكاً بالمسيحية من حيث نسبة المسيح العرب الذين مثلوا عصب الفكر القومي العربي الذي انبثق على مسيحو الشام, وما تلاه من نقلات حضارية نيرة على أيديهم, أو من خلال تقارب الثقافيتين بالغزو, أو بالابتعاث, أو بالحملات التبشيرية والاستشراق, وكلها _ رغم سلبياتها _ لها جوانب ايجابية عرفت العربي بالغربي, ومازجت و”ثافقت” بين مجتمعين من الممكن أن يتقارباً فكرياً من أجل فكرٍ نير وحضارة إنسانية.