أنها الشهيدة بشرى عباس ( أم ذكرى ) . زوجة الفقيد والصديق ناظم ديبس ( أبو ذكرى ) . في أب عام ١٩٨٣ . تحركنا من سهل
( شهرزور ) في قاطع سليمانية بمفرزة صغيرة تابعة للتنظيم المدني الحزبي للمنطقة الوسطى . كنت برفقة الشهيدين البطلين
محمد الخضري ( أبو جلال ) ومحمد وردة ( أبو جيفارا ) . ورابعنا كان الصديق والرفيق سلام العجيلي ( محمد عرب ) . بأتجاه
مقر التنظيم المدني العام في كهف ( هزارستون ) في جبل ( سورين ) . كانتا ليلتان لا تمحى من الذاكرة , مازلت أعيش بأجزاء
مهمة من تفاصيلها , ليس فقط كانتا خطرة وصعبة بعبور الشارع العام , الذي يربط مدينة سليمانية بقرى وأقضية مدينة ( حلبجة )
. الذي نادراً ما يخلوا من كمائن السلطة ومرتزقتها من الجحوش . ولاحملة الطائرات الحربية الكثيفة فوق المنطقة مما أجبرتنا أن
نستظل بظلال الاشجار الكثيفة حول البحيرات وينابيع الماء , لكن في لحظتها التاريخية شعرت برفقة حقيقية نابعة من صدق
ومبدئية الرفاق الذين يرافقوك .
في صباح مشمس وحار من ذلك العام , بعد أن قضينا ساعات نوم قلقة في كارانفان قديم ومتروك بأطراف قرية ( شيلمر ) .
وصلنا الى مقر رفاقنا في كهف ( هزارستون ) . تجمع شيوعي أبن البصرة والسماوة والديوانية وبغداد وديالى وبابل . هنا تعرفت
على عائلة الفقيد ( أبو ذكرى ) .
دخلوا القلب رأساً وكأننا نعرف بعضنا لسنوات طويلة مضت , في الوقت الذي يلومني بعض الرفاق في ألتحاقي الى الجبل مع
الثوار بأعتبار أن النظام بات على حافة هاوية , كنت أتعجب وأستغرق في التفكير طويلاً على سطحية هذا التحليل بقدرات النظام
الخارقة أنذاك , لكنها تبقى أحلام ثورية ( طوباوية ) . كانت الشهيدة أم ذكرى والفقيد زوجها كانا لهما حديث أخر أكثر قرباً للواقع
وهادئاً ينم عن دراية .
بعد أيام معدودة تحركنا نفس المفرزة برفقة الفقيد ( أبو ذكرى ) بأتجاه مقر قاطع سليمانية وكركوك في وادي ( كرجال ) منطقة
هورمان . هنا تعززت علاقتي أكثر بالرفيق ابو ذكرى . وأستمرت لسنوات طويلة وهو يعيش في لندن وانا في مدينة مالمو
السويدية في لقاءات مستمرة , ولم تنقطع العلاقة بيننا لحين رحيله عن الدنيا .
في عام ١٩٨٤ بعد أن أصبحت ضمن ملاكات القاطع .. وصلت الشهيدة ( أم ذكرى ) مع مفرزة . وأستقرت في مقر القاطع .
وبدأت الاسئلة تتزاحم بين صفوفنا وبفضول حول هدف زيارتها وطبيعة مهمتها . وزدادت التكهنات حول زجها الى الداخل (
بغداد ) . وخصوصا .. عندما كثرت اللقاءات مع كوادر التنظيم المدني في التمشي حول سطوح غرف القاطع . وفي فترة تاريخية
فاصلة تمر به قيادة القاطع حول هيكلية تكوينه وثمة مشاكل عالقه به .. وموقف الرفيق بهاء الدين نوري ( أبو سلام ) منه ,
وأصراره بنشر وثيقة حزبية تقيمية حول سياسة الحزب من ١٩٦٣ الى ١٩٧٩ . والحزب يهدد بطرده أذا نشر تلك الوثيقه مما
تصاعدت المواقف الى مستويات لا تحمد عقباه مما راح الرفيق أبو سلام مع تنظيمات هورمان ( محلية حلبجة ) للعصيان المدني
والمسلح , والاعلان عن تنظيم جديد أسماه ( القاعدة ) أمتداداً لجريدة الحزب التاريخية القاعدة .
في تلك الفترة وخلال تواجدها معنا تعرضت الشهيدة ( أم ذكرى ) الى أزمة صحية عارضة توجب نقلها الى مستشفيات مدينة (
مريوان ) الايرانية . وطلبتني بالأسم أن أرافقها في الوصول الى أول مدينة أيرانية , وكان معي النصير ( ريباز ). خلال فترة
الطريق الذي أستغرق ٣ ساعات وهي على ظهر ( البغل ) . كان وضعها يسيء سوءاً . هنا في تلك الظرف الصعب سألتني عن
أهلي .. أذا كنت تعرف شيء عنهم , فأخبارهم مقطوعة تماماً عني .. فوعدتني بأخبار طيبة عنهم , هنا تيقنت أنها بأتجاه مهمة
الى الداخل , فقلت لها مذكراً بأساليب البعث ووطأته ؟.
بعد أيام عادت الشهيدة ( أم ذكرى ) من أيران متجاوزة أزمتها الصحية الطارئة مع هدية بسيطة لي قميص , بقيت طيلة وجودي
في الجبل الى عام ١٩٨٨ أخر أنفال حكومي محتفظ به .
بعد وصولها بيومين زجت الى الداخل عن طريق مدينة حلبجة , يبدو لي بلغت أول محطة مخابراتية عنها وعن توجهها
ومهمتها, وتابعوها الى بغداد في بيت بمدينة الكاظمية التي أستشهدت به بموقف بطولي بحرق نفسها بقنينة الغاز .. كما روي
عنها من خلال المصادر الحزبية .
النقطة المهمة .. وربما المغيبة في نشر تفاصيلها , بعد تلك المأثرة البطولية للشهيدة ( أم ذكرى ) . كشف داخل مقرات القاطع
وأمتداداً بالتنظيمات المدنية في مناطق هورمان وحلبجة .. أندساسات وأختراقات كاملة داخل صفوفنا وبين تنظيماتنا ورفاق نعيش
معهم على الحلوة والمرة . وقد جرى أعتقالهم بحدود سبعة رفاق جلهم من رفاقنا الأكراد .. وقد أجرى تحقيق معهم وأمتدت
الاعترافات الى مدن سليمانية وحلبجة ومصيف ( آحمداوه ) وقصبات أخرى .. وكشفوا عن معلومات خطيرة .. كانت الشهيدة ( أم
ذكرى ) واحدة من ضحياته .
بعد أيام أعتقلوا الرفيق منير ( أبو أنور ) في محاولة يائسة من الفقيد احمد باني خيلاني أبو الشهيد ( سرباز ) وأبراهيم صوفي (
أبو تارا ) في رسالة لنا نحن الرفاق العرب وأستيائنا من الممارسات الخاطئة بحق الرفاق والحزب . بعد أيام أطلقوا سراحه أنها
مجرد تشابوا أسماء وعدم واقعية الادلة , فترك مواقع النضال وذهب الى أيران . وبدأت عملية تهريب السجناء ( الرفاق ) سابقاً
من قبل قيادة القاطع , بعيداً عن أي معايير نضالية ووطنية أو حتى أجتماعية ( أخلاقية ) . ولي موقف أعتز به , وسأبقى الى يوم
مماتي فخوراً به . أني وبالصدفة شهدت عملية تهريب بعض السجناء الى مدينة حلبجة .. وأدعاء قيادة القاطع أنهم هربوا ؟؟. بل
ومسألة بعض الحراس ؟؟. فقمت ضمن شيوعيتي بسر بعض الرفاق عن ماجرى , عكس ما كان متداولاً من سيناريوهات
الهروب .. وبات مغضوباً عليه . وتعرضت الى التوبيخ والانتقاد وبعض العقوبات , لكني كنت مزهواً بهذا الموقف .