“إن شعباً بأكمله كان يتصور أنه ، عن طريق الثورة، قد سَرّع تطوره، يجد نفسه فجأة يرجع القهقرى، ولا يكفي القول، بأن الأمة قد أُخذت على حين غرة. فإن الأمة والمرأة لا تُغتفر لهما ، تلك اللحظة التي تفقدان فيها الحذر و يتمكن أول مغامر يمر بهما من أن ينتهكهما”. كارل ماركس
إذ أستعيد 8 شباط 1963هذا اليوم الدموي في تاريخ العراق المعاصر الذي فتح الأبواب مشرعة لكل ما جرى ويجري للعراق ، فلا يعني ذلك حثّاً للخيال ، قدر ما يعني استعادة ذلك الموقف والمصير الإنساني الفاجع والمؤرق ، لمصائر الآلاف من العراقيين والعراقيات على يد القتلة الذين يتشابهون ، بغض النظر عن الزمان والمكان، من البعثيين سابقاً ، والتكفيريين حالياً، وفي زمن عشناه ، ومازال ممتداً حتى الآن منذ ذلك اليوم و فاجعته الدموية ، فإنهم قاموا ويقومون بذات الأفعال أو بالأدق تجاوزوها كثيراً جداً، وهم الورثة بلا منازع لكل ما هو دنيء وخسيس ومهين في التاريخ البشري وفي العراق بالذات. وإذ أعود لهذا اليوم الأسود وذكراه وفاجعته الدموية، فإن هذا ليس بحثاً أو تأكيداً مني عن ثأر قديم أو دعوة لقصاص أو انتقام ، بل أعود لكي يأخذ حكم القانون ما كان قد سكت عنه لعقود كاملة ، ولأحاول ، أن أساهم في التذكير بـ 8 شباط في محاولة بسيطة للوقوف بوجه النسيان ، لأن الأجيال العراقية الراهنة، الشابة بالذات، لا تعرف عن هذا الماضي شيئاً ما ، ودفعاً في أن لا تنساه ، فمن ينسى الماضي محكوم عليه بتكراره وبقسوة وحدة لعلها تتجاوز ما حدث في يوم ما كما يؤكد ذلك “جورج سانتايانا”. بعد اندحار نظام القتل الصدامي في التاسع من نيسان 2003 ،ما زال الكثير من العراقيين والعراقيات ، من مختلف المكونات والتوجهات ، يسعى للبحث بكل الوسائل المتاحة في كل مدن وأرض العراق التي تطفو على المقابـر الجماعية ، و سيظل سجلها مفتوحاً ولن يغلق قطعاً ، ولم يجدوا غير بقايا عظام بشرية مفتتة ، وجماجم لأطفال رضع وصبيان وشباب وشابات وعجائز وشيوخ، ثقبها رصاص الموت الصدامي وحل بدلا منه ، رصاص القتل و الذبح والحقد الديني- الطائفي ، على مجرد الاسم، الذي يحمله الإنسان دون اختيار منه، أو منطقة السكن، أو القومية والدين و الطائفة، وبعضه ما زال مستمراً دون هوادة، للقصاص من العراقيين، أينما تواجدوا، دون ذنوب أو آثام أو خطايا. والقليل من أولئك العراقيين المنقبين والمنقبــات مَنْ حالفــه الحــظ حينمــا فاز أو سيفوز ، بعلامة باقية ـ صدفة ـ من عزيز أو حبيب ، ابن أو أخ ، زوج أو أب ، صديق أو رفيق. بعد كل هذه السنوات، وبعد كل الذي جرى لم يحصل المغدورون على يد ذئاب الحرس القومي وعلاماتهم الزنخة القذرة ((ح ـ ق)) وغدّارا تهم (( استرلنك وبور سعيد ))، و منذ 8 -شباط – 1963 حتى التاسع من نيسان 2003 ، حتى على ورقة وفاة أو حق ما !. ومَنْ يحمل قسوة وفتك ذئاب موت وعذاب العراقيين الراهن المتواصل يومياً، هم ذاتهم أو ورثتهم وعبر أسلحتهم وكواتمهم المهربة من دول الجوار، التي أجهزت في منتصف نهار ما وعلناً على( وضاح) و(كامل شياع) و(قاسم عجام)و(هادي المهدي) وآلاف العراقيين والعراقيات من الضحايا الذين هم بشر لهم أسماء وقسمات وآمال وأحلام وتطلعات إنسانية مشروعة وبسيطة جداً، في حياة آمنة مطمئنة . لقد بات واضحاً تاريخياً عدم ارتفاع القوى الوطنية الديمقراطية إلى مستوى المهمات الكبرى في تعميق التحولات الديمقراطية -الوطنية في الحياة العامة ، بعيداً عن التكسب الحزبي الرخيص، لقد ارتبطت هيمنة وسيطرة (العسكر)، بعد فجر 14 تموز في التحكم وسدة القرار ، بالجحيم والدمار والخراب والموت والتعسف، الذي طال العراق وشعبه، وتمخضت عنه عاصفة 8 شباط الدموية عام 1963. وأذكر الآن المقاومة الباسلة بمواجهة قطعان الانقلابيين ، وبعد انكسارها شهد العراق كله فظائع و قسوة ممارسات (الحرس القومي). وفي البصرة تحديداً اتخذوا من بناية ( نادي الاتحاد الرياضي) مقراً لهم ، وتم فيها الإجهاز على كثير من النساء والرجال وحتى الأطفال ، وشمل ذلك كل مكان في البصرة، وتم توثيق بعضه في كتاب الـ”منحرفون” ، وما جاء بهذا الكتاب من صور وحقائق، في كل الأرض العراقية ،على قلتِها، إزاء الوقائع الفعلية التي حصلت تصنف ضمن الأفعال البربرية – الدولية التي لا تنسى أو تمحى، بالنسبة لمن عاشها وشهد عذاباتها ومراراتها ، مهما توالت الأيام وبعد الزمان.