كثيراً ما يحصل إلتباس وسوء فهم بسبب عدم تمييز المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، وهذا ما دفعني إلى كتابة هذا البحث.
إن المعنى الاصطلاحي لمفردة((الموضوع)) يختلف بحسب إختلاف العلم. وأود أن أسلط الضوء على بعض المعاني الاصطلاحية لمفردة((الموضوع)) من خلال العناوين التالية:
أولاً: الموضوع في الدلالة الوضعية.
ثانياً: الموضوع في القضية الحملية.
ثالثاً: موضوع العلم.
رابعاً: الموضوع في الجوهر والعرض.
خامساً: موضوع الحكم الشرعي.*
سادساً: الموضوع في الشبهة الموضوعية.
//////////////////////////////////
خامساً: موضوع الحكم الشرعي.
————————————-
موضوع الحكم الشرعي هو من مصطلحات علم أصول الفقه..
يعرَّفه السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) في الحلقة الأولى من دروس علم الأصول، بأنه: (( مجموع الأشياء التي تتوقف عليها فعلية الحكم المجعول)).
فعلى سبيل المثال(وجوب الحج) يتوقف على التكليف والاستطاعة..
فالمكلف المستطيع هو موضوع لوجوب الحج، فلو انتفى الموضوع انتفت فعلية الوجوب.
إن موضوع الحكم الشرعي أسبق رتبة من الحكم الشرعي لأن موضوع الحكم الشرعي هو سبب لفعلية الحكم الشرعي.. والسبب متقدم على المسبَّب. إن تحقق موضوع الحكم الشرعي في الخارج يكون سبباً لفعلية الحكم الشرعي (المجعول).
إن المكلف ليس عليه مسؤولية شرعية في إيجاد موضوع الحكم الشرعي أو مقدماته وإنما المسؤولية تكون بعد تحقق الموضوع.
وعلى هذا الأساس جاز للمكلف أن يتسبب في إيجاد موضوع الحكم الشرعي، وكذلك جاز له أن يتسبب في إعدام موضوع الحكم الشرعي.
وهناك الكثير من المسائل الشرعية مبتنية على هذا الأساس كجواز السفر في شهر رمضان هرباً من وجوب الصوم وهذا مصداق لإعدام موضوع الحكم الشرعي. لأن موضوع وجوب الصوم هو المكلف غير المسافر وغير المريض في شهر رمضان..
فإذا سافر المكلف سفراً يوجب القصر فهذا معناه أن موضوع الحكم الشرعي قد انتفى وبالتالي فقد انتفت فعلية وجوب الصوم..
هناك مسألة شرعية لها علاقة بموضوع الحكم الشرعي وهي مسألة الاستيقاظ لصلاة الفجر، فهل يجب وضع منبه لكي يوقظ النائم في وقت الصلاة؟ وهل يجب إيقاظ النائم لكي يؤدي الصلاة؟
كل هذا يندرج تحت عنوان موضوع الحكم الشرعي بل تحت عنوان مقدمة الموضوع.. ولا توجد مسؤولية شرعية في إيجاد موضوع الحكم الشرعي ومقدماته وبالتالي فإنه لا يجب وضع منبه. ولا يجب على أي مكلف إيقاظ النائم.. لأن النائم لا يدرك الوقت وهذا يعني انتفاء موضوع الحكم الشرعي..
فلو كان نومه مستوعباً لكل وقت صلاة الفجر يعني: من الفجر إلى شروق الشمس، ففي هذا الحال لا يصدق عليه عنوان المعصية لأنه لم يترك الواجب وكما عبر علماء المنطق سالبة بانتفاء الموضوع.
نعم، لو استيقظ أثناء وقت صلاة الفجر فقد تغير الموضوع وبتعبير أدق فقد تحقق موضوع وجوب صلاة الفجر. وهنا يجب عليه المبادرة إلى أداء صلاة الفجر ويحرم عليه النوم بعد الاستيقاظ ما لم يصلِ الفجر لأن وجوب الشيء يستلزم حرمة ضده..
وللأسف الشديد يوجد هناك خلط وعدم تفقه لهذه المسألة وقد ورد أن من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار، والحليم تكفيه الإشارة فضلاً عن هذه الكلمات..
هناك الكثير من الظواهر التي شاهدتها عياناً منها وخلال موسم الزيارات فإن الكثير من الزائرين ينامون في المواكب وعند دخول وقت الفجر يقوم أحد الزائرين بالصراخ على النائمين بطريقة غير لائقة وغير مؤدبة. وهو يصرخ لأنه يعتقد أنه يجب على النائم أن يستيقظ من النوم!! وهذا مصداق واضح لعدم التفقه من قبل هذا الصارخ ولله في خلق شؤون.
والمؤسف جداً ما أسمعه من البعض ومن على المنابر حين يتناولون هذه المسألة ويتكلمون عن الوجوب والمعصية مع أن النائم ليس مخاطبا بهذا الوجوب مالم يستيقظ خلال وقت الصلاة.
نعم، لو كان حديثهم عن الاستحباب والرجحان والثواب والحرص على أداء الصلاة في وقتها لكان أفضل وأحسن.
إن عدم وجوب وضع المنبه لأجل الاستيقاظ لا يعني عدم جواز وضع المنبه بل هو راجح ولكنه ليس واجب.. وتأكيداً أقول أن معصية ترك صلاة الفجر موضوعها المكلف المستيقظ، يعني: المكلف الذي يدرك الوقت. أما المكلف الذي لا يدرك الوقت، كالمجنون والنائم والمغمى عليه … الخ فوجوب صلاة الفجر الفعلي منتفٍ عنه بسبب انتفاء موضوع الوجوب..
وبعد هذا الكلام قد تبيّن المعنى الاصطلاحي لموضوع الحكم الشرعي.
ويتبعه القسم السادس والاخير…