تعرض صديقي رافد لمحنة حقيقية, عندما استشهد اخوه الصغير في احدى معارك دحر الارهاب, حيث كان امام تحدي كبير يحتاج للمال الكثير, ليس التحدي هو اقامة المأتم, بل هو ايجاد قبرا للشهيد, فالأرض في مقبرة وادي السلام ارتفعت اسعارها حتى اصبحت تصل للمليون والمليونين, ورافد رجل محدود الدخل, فهو معلم ولديه جيش من الاطفال, في تلك الليلة عرفنا ما يعانيه صديقنا فجمعنا نصف المبلغ, واتصلنا بمعارفنا في النجف للحصول على قبر بسعر مناسب, وتم ذلك بعد جهد جهيد.
انه منتهى الظلم ان يضحي الانسان بكل ما يملك في سبيل وطنه, ثم يأتي وطنه ليبخل عليه حتى في قبر يدفن فيه!
فبعد سلسلة الظلم التي يتعرض لها الانسان في العراق, من قبيل غياب الضمان الصحي, وازمة السكن, ومشاكل التعليم, وازمة البطالة, وفساد الحكام, واغتصاب حقوق العيش الكريم, وموت القانون, وبعد كل هذا عندما يصل الانسان للخطوة الاخيرة, فيموت او يستشهد ويغادر هذه الارض التي عاش فيها مظلوما, فتاتي قضية القبر لتكون مسك الختام لمسيرة المظلومية, فيتعسر عليه الحصول على قبر الا بعد شراء الارض ودفع مبالغ تكاليف القبر, وهو مبلغ لا يتوفر عند محدودي الدخل والكسبة والفقراء.
في يومنا هذا اصبحت قضية الحصول على قبر عسيرة جدا, حيث هنالك من تملك الارض في النجف الاشرف, بعد ان كانت متاحة امام كل من يتوفى, فقط مبلغ تكاليف بناء القبر, لكن كل شيء تغير منذ عهد التسعينات والى اليوم, فالموضوع تطور واصبح الحصول على قبر يحتاج لمبالغ كبيرة, انها معاناة اخرى على راس الفقراء ومحدودي الدخل, فحتى القبر اصبح بعيد عن متناولهم, بل يحتاج لقرض او سلفة كي يحصل عليه!
الشهيد ذلك الانسان الذي اعطى كل ما يملك, وهي روحه في سبيل حفظ العرض والارض, هل من العدل ان يحتار اهله في الحصول على قطعة ارض لبناء قبرا له!؟ الا يكون من واجب الحكومة ان تهيئ مكانا للشهداء كي تبنى قبورهم فيها, انا اجده من صميم مسؤولية الحكومة ان تقوم بسلسلة اجراءات بحق الشهداء, للحفاظ على كرامة عائلة الشهيد, ومنها توفير مكانا لبناء القبر, وهذا اقل شيء ممكن ان تقدمه الحكومة للشهيد.
هي اشارات للتقصير الكبير بحق الشهداء, عسى ان يتنبه اهل الحل والعقد لهذه القضية ويتم التصحيح.