بعد ترقب من قبل, السيد محمد باقر الحكيمي قدس سره, لتحديد الوقت المناسب بدخول العراق, لزوال نظام الطاغية, استقر رأيه على مغادرة, جمهورية إيران الإسلامية, بالرغم من مطالبة الكثير من المحبين, بالتريث لحين استقرار الوضع الأمني, ولكن حرصه كقائد أًملى عليه, اتخذ القرار والعودة للوطن.
حينها بدأت مرحلة جديدة في حياة السيد الحكيم, واستقراره في النجف الأشرف قرب جده أمير المؤمنين عليه وأله افضل الصلوات، ليباشر خطابه للجماهير المستبشرة بقدومه, شارحاً مشروعه المستقبلي, لبناء دولة تجمع كل مكونات العراق, فكانت الخطبة الأولى يوم الجمعة 30/5/2003, والتي تكلم فيها بأهم قضية وهو توفير الأمن” لأنه يدرك إدراكاً تاماً, أن الأمن إذا فُقِدَ لا يمكن للإنسان؛ أن يمارس مهمته في الحياة, مهما كانت هذه المهمة، سواء كانت علمية أم ثقافية, أو اجتماعية أو اقتصادية..
إضافة لذلك فإن قضية الاحتلال, كانت تشغل سماحته كثيراً، ودعا إلى دراسته قانونياً مع المختصين, ويبحث سياسيا من القوى السياسية، لتحديد الموقف من قوى الاحتلال، والآثار القانونية المترتبة عليها، في المجتمع الدولي والقانون الدولي.
اعتمد الشهيد الحكيم خطب الجمعة, كرسيلة وسلاح يوصل رسائله، فكانت الخطبة الثانية يوم 6/6/2003, والتي تناول فيها النظام السياسي المقترح بوضوح، وشدد بأن يكون منبثقاَ من إرادة الشعب, فأشارَ قدس إلى مسائل مهمة، منها “الأمن وفقدان النظام، وتلكؤ المؤسسات العامة, التي يحتاجها الناس, في حياتهم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، والحقوق المهضومة المنتهكة, لكثير من الناس في العراق الجريح, الذي تعرضت أرواحهم للقتل وممتلكاتهم للتدمير، ورأى سماحته أنه لابد من السعي, لإرجاع هذه الحقوق، وتعويض هذه الممتلكات لهؤلاء المحرومين..
تلت هذه الخطبة أخرى يوم 12/6, أكد فيها قدس على تكريم الشهداء؛ الذين قارعوا النظام البائد، لأنّ لهم حقوقاً على جميع أبناء الشعب العراقي, ورأى أن من معالم هذا التكريم، تسمية الأماكن العامة بأسمائهم، ورعاية أسرهم بالكلمة الطيبة أو بالمواساة، والاهتمام بأوضاعهم الحياتية والمعاشية والتربوية وغيرها, والمطالبة بحقوقهم المصادرة..
كما أكد على واجب الدولة والمسؤولين فيها, بأن يراعوا حقوق هؤلاء الشهداء، ويعوضوا أسرهم وذويهم, بما ينبغي لهم من التعويض المادي، ورأى أيضا ان هذا الأمر، ينبغي أن يشمل السجناء السياسيين الذين تعرضوا للأذى والملاحقة، والمشردين الذي هُجّروا من ديارهم، وأُخرجوا منها بغير حق.
لم يتوقف شهيد المحراب الحكيم, عند ذلك بل ركز في الخطبة الرابعة, على المشاركة بالانتخابات العامة للبدء بالعملية الديموقراطية, التي نص عليها الدستور الدائم بعد أن تم تدوينه, كما تطرق لظاهرة البطالة, ووضع الحلول للحد من تفشيها, والاسراع في إنهاء الاحتلال، ومساعدة العراقيين على تشكيل الإدارة, فهم الذين سيشكلون الإدارة المؤقتة، وعلى قوات التحالف أن تساعدهم في ذلك, واتخاذ الإجراءات العملية السريعة, لإجراء إنتخابات عامة، ينتخب فيها مجلس يدّون الدستور، ثم تجرى إنتخابات عامة؛ لتصبح لدينا حكومة عراقية ذات سيادة كاملة، وهكذا يمكن أن ننهي الاحتلال.
توالت الخطب جمعة تلو أخرى, لم يترك فيها شهيد المحراب, قضية تخص العراق وشعبه إلا طرحها، من أجل بدء العمل ببناء العراق الحديث, وإنها الإحتلال بعد إسقاط الطاغية, وهو أمر شرعي وحقٌ من حقوق الشعوب, محذراً من الفتنة الطائفية, التي كانت قد بدأت تتزايد في العراق, على يد جهات يتم دعمها, من قبل جهات خارجية, كالقاعدة وبقايا مجاميع قيادة البعث.
عند ظهيرة يوم الجمعة المصادف 15/8/2003, وبعد أن أنهى السيد الحكيم خطبته, توجه للمغادرة ليحدث إنفجار, هز العراق وليس النجف الأشرف فقط, فقد كان المستهدف سماحة السيد محمد باقر الحكيم, ليرتقي سلم الشهادة, التي طالما تمناها، ولتكون الخاتم في عليين صائما راضيا مرضيا.. وينزل عن منبره ليرتقي مع الشهداء من أهل بيته واجداده