قيل شهيد،
– مَنْ؟
– فلان جاءوا بهِ شهيداً، لقد قُتل في المعركة
– وهل كل من يُقتل في المعركة شهيداً!؟ فكثيرة هي المعارك وكثيرون هم القتلى ومن الطرفين المتناحرين! فكيف جاز لنا أن نسمي أحدهم شهيداً والآخر مقتولاً!؟ ثُمَّ أن هذا الشهيد، شهدَ ماذا أو على ماذا؟
– كِلا المقتولَين شهيداً، لأنهما شاهدا الحدث وحضراه، فعرفا الحق حقاً والباطل باطلاً، لكننا نطلق كلمة “الشهيد” على الذي شَهِدَ بِالْحَقِّ وصدَّق بهِ، فتبعهُ حتى بذل باتباعهِ نفسه وأغلى ما يملك
– فأين المعركة فيما ذكرتم؟ وأن فلاناً شهيد لأنهُ قُتل في المعركة؟ وهل المقتولون اغتيالاً، وفي تعذيب قعر السجون، واضطهاداً لمطالبتهم بحقوقهم ليسوا شهداء!؟
– بل كلهم شهداء، ولكن تستطيع القول: إن قتيل المعركة أظهر، لذا أخذ الاصطلاح الاعم للكلمة، كذلك قُلنا: أن الشهيد هو الذي شَهِدَ بِالْحَقِّ وقد أضاف القران شرطاً “وهم يعلمون”﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 86 ﴾ بمعنى: وهم يعلمون حقيقة ما أقروا وشهدوا به، وليس نعقاً مع الناعقين، وركضاً مع الراكضين والمرائين وغيرهم …
– ماذا تقصد؟
– عليك أن تفهم بإن الحق واحد، لا يحده دين أو فكر او طائفة او مذهب او أي تجمع وتحت أي عنوان، وأن الحق ظاهر، لكن الباطل لبس لباساً ورداءً غش الناس فيه، فظنوا أن مصلحتهم معه فاتبعوه، فأوردهم التهلكة، فثمة اُناس كثيرون يعرفون الحق لكنهم يتبعون الباطل، وآخرون تابعون عابدون مطيعون لأسيادهم الضالين، فيطوفون فيهم أينما شاءت مصالحهم، وأولئك هم الذين وصفهم الحكماء “بأنهم خسروا دنياهم من اجل دنيا غيرهم” وآخرون مراؤون يطلبون الشهرة وغيرها، لذلك إن قُتل أمثال هؤلاء فهم ليسوا شهداء البتة.
– اذن ففي هذه الحالة جاز ان يكون الملحدُ شهيداً والمشرك كذلك وغيرهم من المخالفين؟
– نعم، فالمقياس هو الظلم الواقع عليهم ومطالبتهم برفع هذا الظلم، جاء في الحديث النبوي: عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) رواهُ أبو داود، والنَّسائيُّ، وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1411. وبالرغم من وضوحهِ لا بأس بإيراد شرحه: من قتل دفاعا عن ماله أو عن أهله أو في نصرة دين الله تعالى والذبِّ عنه بأي وسيلة، أو عن نفسه فهو شهيد له حكم الشهداء في ثواب الآخرة. جاء في تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي:(من قتل دون ماله) أي عند دفعه من يريد أخذ ماله ظلما (ومن قتل دون دمه) أي في الدفع عن نفسه (ومن قتل دون دينه) أي في نصرة دين الله والذب عنه (ومن قتل دون أهله) أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته (فهو شهيد) لأن المؤمن محترم ذاتا ودما وأهلا ومالا، فإذا أريد منه شيء من ذلك جاز له الدفع عنه، فإذا قتل بسببه فهو شهيد.
وجاء في شرح مسلم للإمام النووي: باب دليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد؛ فيه: أن رجلا جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أرأيت ان جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
– اذن افهم مما سبق أن الإسلام أكد على المطالبة بالحقوق؟
– نعم وإن تطلب ذلك بذل الغالي والنفيس، ولنا في الحسين واتباعهِ على مر التاريخ أسوة حسنة، كما فعلها ابطالنا في الجهاد ضد داعش والجهاد ضد الفاسدين، ولنا في موقف المرجعية الرشيدة خير دليل على صدق الإسلام وما جاء به.
– وما فرق الشهيد عن غيره من الأموات فكلاهما فقد حياته؟
– للشهيد العزة والكرامة في الدنيا والأخرة، لأنه ذهب شجاعاً بطلاً مدافعاً عن حقوقهِ المسلوبة … لذا أقول:
ألا ليت شعري قد تبين شانيا والموت أعلمني بأنهُ دانيا
فيا حبذا موتي شهيداً بينــكم لا جبانا في الحياة باقيـــــــا