بالقدر الذي أثر فيه مشهد رئيس الحكومة وهو يقوم بتشييع شهداء الجيش الذين قضوا في الرمادي ، بقدر ما شعرت بالاشمئزاز من دموع التماسيح التي حاول ان يذرفها السيد المالكي .
لطالما عانى العراقي من التمييز والتعامل بطبقية غير حيادية في حياته ، لكنه وفي هذه اللحظة الحرجة ، يرى ان طرق التمييز تمددت وتشعبت لتشمل العراقي حتى في عالم ما بعد الموت ، فالشهداء الذين سقطوا اليوم في العمارة والديوانية وكربلاء تكاد ارواحهم تقود اعتصاماً من نوع آخر ، تنادي بالمساواة مع شهداء الانبار ، وشهيد الحويجة ، ليس لأنهم اكثر عراقية من شهداء الجيش ، انما لاسباب بسيطة منها ان الجندي يقدم على ساحات الصراع وفي نفسه حد أدنى من توقع الموت والرحيل ، بالضد من عمال البناء –مثلا- فهمهم الاول تحصيل مبلغ الـ2000 دينار –سعر كيلو الطماطة- ليحفظ انسانيته وانسانية عائلته بالحد الادنى ،ولم يكن القتل بهذه الطريقة البشعة قد يخطر على بال الأعم الاغلب منهم ، هذا اولاً ، وثانيا وبالحسابات الحكومية فإن عائلة الجندي تتلقى راتباً تقاعدياً سيبقى هما قل او اكثر يشكل معيناً لذوي الشهيد في خضم بلد يرتع بالمصائب ليل نهار ، عكس “الخلفة” او العامل البسيط الذي يجد في البحث عن فرصة عمل يومي لا تسد اغلب احتياجات العائلة في اغلب الاحيان ، وبالتالي ستتعب روحه –بعد شهادته- وارواح ذويه في اكمال معاملة استشهاده كي يستحصوا على مكرمة القيادة وذلك بعد جهد جهيد بين مراجعات وجلب مستمسكات المرحوم وقد يبالغ النزيهون في دوائرنا الحكومية ويطلبون صور حديثة جدا للشهيد الذي قد يكون غير مبال بالتصوير منذ سنين والى ما يستتبع ذلك من تأييد الطب العدلي والمجالس البلدية وغيرها مما يزهق ارواح الاحياء ويؤرق ارواح الموتى على حد سواء .
مرة اخرى يقلد خلفاء البعث مسيرة البعث في التعامل مع الارواح ، فشهداء الرمادي والمناطق الساخنة هم شهداء درجة اولى يستحقون تشييع رسمي مهيب يحضره القائد وجنرالاته ويتم قطع العاصمة الى اوصال ممزقة تشبه كثيرا اوصال عمال “العمارة ” والديوانية وكربلاء …
اما شهداء الدرجة العاشرة فمجرد رقم يضاف الى اعداد القتلى ، ليس اكثر من ذلك .ضرائب معجّلة لرعونة حاكم يظن ان العراق كل العراق هو هدية السماء اليه في نصف عمره الاخير !
شهداء السوبر لهم افضلية عند المختار وصحبه ، لأن مقتلهم ثم طريقة تشييعهم توحي للمتلقي بالمزيد من الغضب والحزن على اصحاب الاجندات و (المندسين) وتهيء الارضية للمزيد من التكتل حول الرمز الشيعي الحامي للطائفة ضد القاعدة وازلام النظام البائد ، اما شهداء العمارة الجميلة الهادئة فبالرغم من انهم ضحايا لنفس النزوات المرضية لرئيس الحكومة والارهابيين على حد سواء الا انهم يكتفون بالرحيل كأشلاء تصبغ الارصفة باللون الاحمر فحسب….
شهداء الرمادي في ذمة الله ، فكل من يقتل وعقيدته صالحة فهو شهيد بينه وبين الله ، لكنهم بطريقة وبأخرى يفرضون علي استرجاع ذاكرة الثمانينات ….ايام شهداء المستنصرية و (دماء فريال التي لن تذهب سدى) حين عشنا حلقات الرعب لمدة ثمان سنوات لشخص مريض بهوس السيطرة وحب الذات ، ليكتشف العراقيون بعد ثلاثين عاماً ان فريال وشهداء المستنصرية كانوا اول ضحايا نظام البعث !
ليتك تكون شجاعا وتفكر بالطريقة العراقية لمرة واحدة وتشارك في تشييع عمال المسطر في ميسان او اطفال الديوانية وكربلاء ….
لا اظن انك تفعل !