عندما يتهم أصحاب الأطروحة اللادينية؛ الإسلاميين بأنهم لا يملكون الوطنية أقف متحيراً, هل فعلاً كانت شهادة الشيخ مقصد الجبوري وزملائه, ليست من اجل الوطن؟؟ كما يدعي أولئك, عندما هبوا لتلبية نداء المرجعية الدينية, آم التنافس السياسي أباح لهم تلك الادعاءات, فعمامة الشيخ مقصد؛ فندت ذلك, لأنها مجاهدة وأكاديمية, ومبلغة وشهيدة.
على خلاف الكثير ممن نتحدث عن جهادهم وتضحياتهم, أو نكتب عن سيرهم ومواقفهم المشرفة, فالأغلب ترجع لعائلات فقيرة, وبيئات متواضعة, إلا إن حب الوطن فيهم كبير, والإيمان بعقيدتهم أكبر, والقليل ممن نال وسام شرف الشهادة, كان يمتلكون وضع اجتماعياً أو سياسياً مرموقاً, ومن تلك الفئة القليلة؛ كان الشيخ الشهيد مقصد الجبوري, أو كما يسمى في مدينة الإمام القاسم (بالشيخ مكَصد).
فالشيخ الشهيد مقصد؛ ينسب لقبيلة جبور القاسم, وعائلته هم زعماءها, فهو (ابن أجاويد) كما يقال, وقد غذته تلك الأسرة الولاء للمرجعية وحب الوطن منذ الصغر, وقل ما تجد ابن عائلة مبلغ ومجاهد, ومهتم بالقضايا الاجتماعية والثقافية, ورعاية الأيتام, والشهيد رب لأسرة, ولديه خمسة أطفال, ويمتلك من الخصال الحميدة, ما جعلته أخاً وصديقاً لكل من يعرفه, وأبا حنوناً لكل أبناء القاسم.
بعد تغيير النظام في بغداد عام 2003, برز الشيخ الشهيد من بين الناشطين بمدينة القاسم, فقام مع مجموعة من زملائه بفتح (مدرسة القاسم الدينية) بعد ثلاثة شهور من التغيير, وعمل فيها على كسب الشباب, وإدخالهم دروس في مقدمات العلوم الدينية, فكان ذو ذهنية وقادة, ومثابر على الدرس والتدريس, ما أن أتم المقدمات حتى شرع بتدريسها, وعمل في مجال التبليغ الإسلامي.
تميز الشيخ مقصد بأخلاقه؛ فكان صاحب الأخلاق العالية والرفيعة, ويتمتع بالهدوء التام, لم تجد له ضجيج في العمل, إنما هو صاحب السكينة والوقار أينما حل ونزل, فسكن بيت متواضع, يعيش فيه بحياة كريمة متواضعة, يصرف اغلب وارداته على إعمال التبليغ ورعاية الأيتام, فساهم بفتح فروع لمؤسستي العين واليتيم الخيريتين في القاسم, ناهيك عن تأسيسه ورعايته لمؤسسة النبأ للشؤون الاجتماعية والثقافية.
بعد صدور فتوى الجهاد المقدس من قبل المرجعية العليا, استنفر الشباب القادر على الجهاد من أبناء مدينته, وعمل على تشكيل (فوج القاسم), كان مواظباً على الحضور مع المجاهدين, فشارك في معارك جرف الصخر وجبال حمرين وتحرير تكريت ومعارك الخالدية حيث استشهاده, والتحق سابقاً في جامعة القادسية, فكان طالباً بكلية التربية قسم اللغة العربية المرحلة الرابعة في يوم نيله شرف الشهادة.
هكذا تكون العمامة الشهيدة في دفاعها عن الأرض والعرض, حيثما يحتاجها تجدها في مقدمة الركب, طالب أكاديمي, وأستاذ في الحوزة العلمية, ومبلغ في مواسم الإرشاد, وأب وصديق بالمؤسسات الخيرية, ومجاهد على سواتر العز والشرف, فأينما يكون هو ذلك الإنسان المخلص, والمتفاني من اجل الوطن والعقيدة, حتى نال وسام الشرف شهيداً.