18 ديسمبر، 2024 11:58 م

لم تحظ هذه المظاهرات بتغطية حقيقية  لامن القنوات الاعلامية ولامن المتظاهرين أنفسهم  ولم تظهر صورها المأساوية الى يومنا هذا , تلك الصور لايمكن أن نتناساها ولايمكن ان تدرج في رفوف النسيان , علينا كمواطنين وطنيين أن نستمر في إدانة تلك المشاهد وعلينا أن لاندع ألسننا تتوقف عن رواية ماحصل لنا , المحزن في هذه التظاهرات هو إن أغلب المتظاهرين هم من صناع الرأي وأغلبهم يعملون في مؤسسات أعلامية متنوعة وذات متابعة لابأس بها
لايمكن أن أنكر تواجد الكثير من الإعلاميين الذين تم الإعتداء عليهم ومنعهم من التغطية ومنع  الكاميرات من الدخول الى أماكن التظاهرات , لكن هذا لايعني أن لاتكون لديهم مواقف ثابتة وواضحة في إدانة ماحصل لهم وفق القانون والدستور العراقي الذي تتبجح به الحكومة ودعاة العملية السياسية
كمتظاهر ليس لدي أجندات خاصة ولم أنتم الى أية جهة ولالأي حزب من الأحزاب , لقد عزمت على الذهاب الى بغداد الحبيبة لأتشرف بالوقوف في ساحة التحرير رغم علمي المسبق بعدم السماح للمتظاهرين فذهبت قبل عدة أيام من الموعد المزمع عقده وذلك لكي أتمكن من السكن في القرب من أماكن التظاهر
قرع باب غرفتي في صباح يوم 31 آب في تمام الساعة الخامسة صباحا أي فجر يوم التظاهرات فتحت الباب فوجدت القوات الأمنية مدججة في السلاح أمروني بفتح الضوء فتحت الضوء بكل أدب وإحترام فدار بيني وبين الجندي هذا الحوار
الجندي : من أنت ؟ أنا عبدالناصر الناصري صحافي عراقي
الجندي : أين هويتك الصحفية ؟  أنا لم أحصل على هوية
الجندي : أين جنسيتك ؟  أعطيته جنسيتي العراقية
الجندي يقرأ بجنسيتي وأنا بين الحلم والواقع حتى جاء صاحب الفندق لينقذني من الإعتقال , لقد قال لهم هذا  الشخص أنا أعرفه وأنا كفيل به لايوجد عنده أي شيء , إنه صحافي  يتردد علينا كثيرا وهو إبن مدينتي وأعرفه جيدا وفي شق الأنفس تم إفراجي من قبضة الإعتقال بفضل صاحب الفندق ! عدت الى سريري لأكمل ” نومة الصبحية ” التي منعوني منها بلاأي أمر قضائي سوى بأوامر الإعتقالات العشوائية بهدف إلقاء القبض على المتظاهرين الساكنين في الفنادق القريبة من ساحات التظاهر, وأغلبهم من المحافظات العراقية الذين دفعتهم غيرتهم الى مشاركة إخوانهم في بغداد
نهضت مبكرا لأشكر صاحب الفندق شكرته وسألته هل تم إعتقال أشخاص من الفندق ؟ أجاب لقد تم إعتقال الكثير من أبناء ” المحافظات الغربية ” أي إعتقال على الهوية ! تساءلت في نفسي ما الفرق بين قواتنا الأمنية والمجوعات الإرهابية فكلاهما يعتقلان على الهوية !
بعدها نزلت الى الشارع لكي أذهب الى ساحة التحرير فلم أجد سوى الأسلاك الشائكة والجنود الذين يصدون كل محاولة للوصول الى الساحة ولم أسمع من الجنود سوى كلمة ” ممنوع ” وكلمة ” إرجع ” ! بعدها عدت الى ساحة الفردوس لعلي أجد التظاهرات  في تلك الساحة لكني وجدت نفس المنع ونفس الأسلاك ونفس الكلمات !  مايفرق جنود التحرير عن جنود الفردوس هو وجود جندي ينتحل شخصية عادل إمام بحيث كلما يريد متظاهر أن يدخل الى الفردوس يقول له ” مش من هنا ”  “من هنا ” ومعناها بالعراقي لاتقترق من الساحة
سمحوا للمتظاهرين أن يتجمعوا بالقرب من مستشفى ” إبن رشد للأمراض النفسية ” مع وجود تطويق كامل للطرق التي تؤدي الى ساحتي التحرير والفردوس وطوقوا التظاهرة بالكامل بحيث يسهل عليهم سحقها بالكامل إذا جاء لهم الأمر بالسحق , رافق ذلك الكثير من الإنتهاكات وشاهدت بعيني ماتعرض له المتظاهرمحمد وشاهدت آثار السياط على ظهره ! لاذنب إقترفه محمد سوى التعبير عن حقه في التظاهر ! 
رغم كل هذه المشاهد الإذلالية للمتظاهرين , زجت الحكومة بالكثير من المندسين الذين كانت مهمتهم الترويج لثقافة اليأس في نفوس المتظاهرين وثنيهم عن الإستمرار في التظاهر وكذلك  منعهم  من التصريح ونقل ماتعرضوا له ,  إنتحل المندسون صفة قادة التظاهرة وتفاوضوا مع الجيش في غرف مظلمة وعادوا الى الترويج لإنهاء التظاهرة في الساعة 11 صباحا ً وفعلا تم إنها ء التظاهرة في هذه الساعة !
بعد العودة وجدنا كاميرا لأحدى القنوات الفضائية التي لاتحمل إسمها خوفا من الملاحقة على ما أعتقد ,  حينها سارع متظاهر من المتظاهرين  وهو شخص كبير في السن ليروي ماحصل له وماشاهده من إنتهاكات وهنا جاء المندسون ليمنعوه وفندوا كل ماصرح به وأمروا المراسل بأن لاينقل ماقاله هذا المتظاهر بحجة أن كلامه كذب وإفتراء على الحكومة !
بعدها بحثت عن سيارة لكي أعود بها فلم أجد , كافة شوارع العاصمة مغلقة ولم تفتح ولاوجود لأي مشاهد  حياة داخل بغداد , كل المواطنين يسيرون على الأقدام , وحتى السير على الأقدام ممنوع في الشوارع الرئيسية ومفتوح فقط في الأفرع يرافق ذلك منع لسير السيارات المدنية !
لايوجد وصف لبغداد في ذلك اليوم سوى ” السجن  الكبير”
وانا أسير على الأقدام رافقني شخص مصري سألني السؤال التالي ” في حاجة صايرة في البلد ؟ ” أجبته ” إن العراقيين مش عايزين المالكي ” وعايزين يعبروا عن ذلك وها أنت تشاهد ماذا فعل بهم اليوم
فأجابني إجابة مذهلة تنم على وعي الشعب المصري قال لي بص ” إن كل رئيس وزراء ينوي الى الديكتاتوية والتمسك بالسلطة  يسعى الى الحصول على أحدى الوزارات الأمنية أما الداخلية أو الدفاع ! والمالكي تمكن من الحصول على الإثنين معا ! فكيف تتخلصون منه ؟ أنها الإجابة التي جعلنتي أتمعن بها كثيرا ولازالت محفوظة في ذاكرتي .
[email protected]