22 ديسمبر، 2024 9:59 م

رحم الله الملوك وقاسماً.. كلاهما وطنيان.. لكن الظلم بركان تفجر من بين أقدام العراقيين بعد إنقلاب 8 شباط 1963 تضافراً مع القسوة المفرطة بعد إنقلاب قاعة “الخلد” في العام 1979

نسب المدونون على مواقع التواصل الإجتماعي، طوال السنوات الماضية.. لحد العام الفائت، مكامن الخلل في تاريخ العراق الحديث، الى ملوك قَدِموا من الحجاز، كجزء من موازنات بريطانية عالقة، حلّت بها مشكلة أولاد الشريف حسين، الذين لم ينالوا شيئاً من غنائم الدولة العثمانية المهزومة، بعد أن “كنسلت” الرشايدة وأجلست آل سعود على رأس برج النفط المشتعل.. لاهب الدولارات.

هذا العام إنقلبت الآية، ناسبين المصائب التي جرّها علينا الطاغية المقبور صدام حسين، وإنفلات الأمن والفساد وإهمال الشعب من دون خدمات، الذي نعيشه الآن، الى الزعيم عبدالكريم قاسم، بعد أن مضى عمر والعراقيون يرددون أن قاسم منقذ الشعب، من خلال أحاديث شخصية محمومة.. سراً، في زمن البعث الغابر، وفي ما بعد صار المثقفون يتلذذون بالمجاهرة على المواقع الألكترونية وصفحات الجرائد وإصدار الكتب والمحاضرات المعمقة في الندوات المفتوحة على قطاعات جماهيرية واسعة ونخبٍ أكاديمية متميزة، تتناول عظمة أمير الفقراء وولي المعدمين ومجير الحرائر وجامع سكان صرائف التنك والطين، من الميزرة والعاصمة والشاكرية الى مدينة الثورة المبنية بالطابوق.. عدّوه منقذ العراق من الملوك الذين ربطوا بلاد الرافدين بمعاهدات.. كانوا يرونها جائرة، لحد العام الماضي، هذا العام غيروا الرأي وصاروا ينظرون لها على أنها أحلاف ضامنة لمستقبل العراق الذي إنفرط بزوال الملكية!

· تكريم القاتل

إنها “هبّة.. وياهم وياهم.. عليهم عليهم” خلال 12 شهراً إنقلب البطل الوطني الى وحش قتل العائلة المالكة البريئة!؟ تاركاً العراق فريسة لأهواء العسكر ودموية صدام وفساد حكومات ما بعد 2003، إذ إنقلبت الآية هذا العام، بعد أن كان قاسم بطلاً بات قاطعاً لرأس شرعية الدستور الملكي، بسيف “مسرور العبد” على نطع هرون الرشيد (!؟).. لحد العام الماضي.. يلعنون الملكية ونوري سعيدها.. لولب “حلف بغداد” ويمجدون قاسماً وما عدّوه ثورة 14 تموز 1958، وجدوه هذا العام إنقلاباً يلبي شهوة العسكر للسلطة، لاعنين بنادق الجنود التي حاصرت قصر “الرحاب” فجراً، وقدم لهم مدير المراسيم إفطاراً من باب الكرم العربي الأصيل حتى مع القادم لقتله (!؟)

الآن يلعنون الضباط الأحرار، مغيرين بالمصطلح، من ثورة الى إنقلاب، إزاء معطى واحد، له تعريف أكاديمي ثابت في قاموس علم السياسة.. ما تأتي تلقائياً من تضافر سخط الجموع.. ثورة، وما تقوده نخبة فوقية.. إنقلاب.. هذا هو التعريف الإجرائي والمعنى التداولي للمصطلحين المتقاربين؛ لكونهما يؤديان النتيجة نفسها، وهي إزالة حكم وإحلال بديل عنه.

متمنياً على المعنيين، ألا يتطرفوا بتعاريف موغلة بالتنظير القاموسي، تقصي الناس البسطاء، عن التداول الإجرائي لكلمتي “ثورة” و”إنقلاب”! مؤكداً الأمنية بتيسير فهم الناس لحقيقة الحدث التاريخي، وإعطاء كل ذي حق حقه.. بما له وما عليه، حيثما أصابت الملكية وأينما أخطأت، وكذلك قاسم، من دون تشنج متطرف ضد ومع.. نسفاً لحسنات من نكره وغضاً للطرف عن أخطاء من نحب، بتعصب لا مرونة فيه.. شداً وجذباً، كما تنص عليه قاعدة “الشعرة” السياسية التي تنسب لمعاوية، ولم تمر عليّ في مصدر، عدا الرواية الشفاهية المتوارثة.

· إهزوجة شعبية

الآن يترحمون على الملك الشاب والملكية العادلة، ويمقتون حكم العسكر، ويذكّرون بالإهزوجة الشعبية، التي تدل على تعلق العراقيين بالملوك، عندما فرض عبدالسلام عارف، نوعاً من حصار على الشعب؛ لتدجينه، مقنناً المواد الغذائية ببطاقة تموينية: “شوف الجرى والصار.. إكعد يغازي.. حتى الشكر والجاي.. صار بجناسي”.

وهو ذات الإجراء الذي أقدم عليه الطاغية المقبور صدام حسين، تلافياً لتداعيات “العقوبات الدولية – الحصار” الذي تلى حماقة غزوه لدولة الكويت الشقيقة، في العام 1990.

برر الشريف علي بن الحسين ابن العائلة المالكة، أن قاسم بريء من دم العائلة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، روى شهود ثقاة، أن قاسماً أعطاهم الأمان، وأمر بتهيئة طائرة تنقلهم الى الأردن، لكن عبدالسلام عارف، همس الى النقيب عبدالستار العبوسي: “إعبر السياج الخلفي؛ لتبدو مخالفاً للأوامر، ونعاقبك بقطع راتب يومين؛ و… إقتلهم”!

· جنود ألكترونيون

رحم الله الملوك وقاسماً، كلاهما وطنيان، فعلا ما يريانه خيراً للعراق، من وجهتي نظريهما، لكن الطائفية والظلم والمعتقلات التي فغرت فاها على الثرامات والمقاصل والمشانق والإغتيالات، بركان موار تحت أرض العراق، تفجر من بين أقدام العراقيين، بعد إنقلاب 8 شباط 1963، وإطلاق عارفصفة “عجمي” على أي جنوبي او شيعي، وهو ما تلاقفه الموتورون من بعده مهللين.

تضافرت القسوة المفرطة، بعد إنقلاب قاعة “الخلد” في العام 1979، عندما قتل صدام حسين، كل أعضاء القيادة البعثية المستفزين من إجراءاته الهدامة.

رحم الله كل عراقي شريف؛ فهذه التحولات شغل أبي ناجي، بإشارة منه لجهات تروج ذلك، من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، والجنود الألكترونيين الخاضعين لبريطانيا، التي عجزت عن شكم نفور قاسم.. ومأساة العراقيين بدأت بعد 8 شباط والجحيم إنبثق من قاعة “الخلد”.. لا الملوك ولا قاسم، كل له حسناته وعليه أخطاؤه، لكن قصم شمعة التاريخ هذان الحدثان فتحولت الأحداث الى ظلام محيط، سائر الى مستقبل الأجيال القادمة! يعتمه ولا نمتلك وقاءً حياله.