لا يحسب كل شيء بالحسابات المنطقية، فاذا كان واحد زائدا واحد يساوي اثنان في الرياضيات الجافة، فإن الزرع لا يساوي الحصاد، واذا كانت الأمور بخواتيمها، فإن يزيد لم ينتصر بقتله للحسين (ع)، بل انتصر الحسين (ع)، وانتصرت مبادؤه التي رواها بدمه الزكي، فلم ينحن عندما ذبحوه، بل شمخ رأسه عاليا على اسنة الرماح، ولولا ما بذله الحسين (ع) في سبيل إحياء الدين من نفسه الزكية ونفوس أحبّائه بتلك الكيفية، لأمسى الاسلام خبراً من الاخبار السالفة، وأضحى المسلمون أمّة من الامم التالفة.
لقد تفاعلت دول العالم المتحضر مع الثورة الحسينية فأخذوا الرسالة المحمدية وفلسفة الثورة الحسينية والثبات لثقافة التعايش والضمير الإنساني، ومخرجها الأخير النصر المؤزر، فهذا غاندي، اجج روح المواطنة والثورة في نفوس الشعب الهندي وعلمهم دروس الثبات والمواصلة حتى انتصر، واضعا نصب عينيه بسالة الحسين (ع) وإصراره على تصحيح المسار رغم الظلم والطغيان، فقال غاندي مقولته الشهيرة: “تعلمت من الحسين ان أكون مظلوما فانتصر”، وانتصر فعلا.
وعلى نفس النهج سار شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس)، حاملا مشروعه النهضوي من أجل التحرر، ومن اجل أهداف مقدسة لضمان حقوق الإنسان تعتمد أصول الحق والحرية وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، وإنهاء كل إشكال العبودية والكراهية والخنوع، مقتنعا تماما بقول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدم
فاستحق بجدارة ان يعد يوم استشهاده يوماً للشهيد العراقي، وهو من أمضى حياته في سبيل القيم، ونذر نفسه بصورة مطلقة للإسلام، وأفنى عمره الشريف في خدمة المسلمين، فحياته تمثل مقطعا مهما من تاريخ العراق الحديث والحركة المرجعية والإسلامية والعلمية والثقافية.
وفي الثلاثين من آب 2003، صدم العالم الاسلامي بانطفاء نور من الانوار المحمدية الاصيلة، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، فبعد انتهائه من صلاة الجمعة وخروجه من الصحن الحيدري الشريف تعرض موكب سماحته لعملية تفجير قام بها من لا يروق له ثبات الحكيم على المبادئ، أدت الى استشهاده وتناثر اشلاء جسده الطاهر، ظناً منهم، ان المسيرة الحسينية ستنكفئ وتتهاوى، لكنهم نسوا او تناسوا ان الشهيد الحكيم حي في ضمائر وقلوب المؤمنين المخلصين، وان دمه الشريف سيكون شعلة وضاءة يقتبس منها الأحرار انوارا تضيء مسيرتهم نحو نصر رسم ملامحه شهيد المحراب بروية ودقة.