عندما وضع نيل ارمسترونج قدمه على القمر عام 1969 عادت بالناس الذكريات لكلمة جون كينيدي رئيس امريكا عندما قال في الستينيات ” قررنا أن ننزل القمر في نهاية هذا العقد”. وبمجرد ما رسم كيندي لأنتهاء هذه الرؤية تطور الأمر وسخرت السبل ووطأ أرمسترونج بقدمه القمر..هكذا هو عالم السياسة، فهنالك من يحمل رؤية وهنالك من يفتقدها، ومن يحمل الرؤية فهو المنتصر وان تأخر موعد النصر لأنه يسير بخطى واثقة نحو تحقيق الهدف، ومن بين كبار الشخصيات الاسلامية المتصدية للعمل السياسي انبثقت شخصية الشهيد السيد محمد باقر الحكيم بين أزقة النجف التي تتزاحم مساحاتها الضيقة بتزاحم الرؤى والافكار لبيوتات العلم والرؤى الصحيحة لتحقيق الاهداف السامية التي خلق من أجلها الانسان.عندما نكتب عن رؤية هذا الشهيد الكبير،فهذا يعني أننا دخلنا في بحر عميق من التخطيط السليم والواقعية في طرح المشاريع واتخاذ المواقف،انطلاقا من رؤيته لدور المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الذي كان يترأسه، كدور رسالي توعوي منفتح على الجميع بعيد عن العمل الحزبي الضيق، ولذا كان الشهيد الحكيم يصر على أن المجلس الاعلى ليس حزبا، وانه سيكون أول الخارجين من المجلس متى ما تحول الى حزب سياسي، ولذا كان المجلس الاعلى ولازال تيارا رساليا يضم بين خلاياه جميع أطياف الشعب العراقي محافظا على ثوابته الاسلامية وسائرا على رؤية شهيد المحراب لبناء الدولة والحفاظ على الهويتين الاسلامية والوطنية.
ان من اهم العناصر التي استندت عليها رؤية الشهيد الحكيم في بناء الدولة والحفاظ على وحدة المسلمين والدولة هو نظرته الفاحصة لدور المرجعية الدينية في الحفاظ على هوية الوطن والامة، خصوصا في مرحلة مابعد 2003 عندما دخل حينها الى العراق والتف حوله ملايين العراقيين، فظن البعض أن السيد الحكيم سيكون خمينيا جديدا ولكن في ارض العراق، ليغيب معه دور المرجعية المتصدية في النجف الاشرف،وتقل هيبتها ليحدث الانقسام في الشارع الشيعي ومن بعده الاسلامي والوطني، ولكن الشهيد الحكيم كان فطنا جدا فأعلن في أول خطاب له في النجف الاشرف أنه يقبل أيادي جميع المراجع العظام واحدا واحدا، وأنه خادم لهم على حد قوله،ثم فند في تلك الخطبة المفصلية الادعاءات المغرضة التي كانت تنادي بانقسام مرجعية النجف بين فريقين لكل فريق منها هدف خاص يعارض هدف الفريق الآخر، فجاء خطاب الحكيم واضحا وصريحا مبينا أن مرجعية النجف عملت على خطين، خط الصمود والمحافظة على وجود المرجعية،وخط الجهاد والعمل على اسقاط النظام الديكتاتوري، ومن هنا كانت هذه الكلمة رصاصة في قلب المشاريع الخارجية التي أعدت لتمزيق الواقع الشيعي والاسلامي بعد سقوط الطاغية.
لأن الشهيد الحكيم كان يحمل الرؤية الصحيحة للعمل الاسلامي السياسي،كان خوف القوى العالمية جليا من تحقيق أهداف الحراك السياسي الاسلامي فسارعوا الى تغييب هذه الرؤية في مرحلة تعج بغبار المشاريع الفاسدة والمشبوهة، فرحل الحكيم شهيدا حاملا معه آمالا كثيرة كانت تترقبها عيون المستضعفين في جميع أرجاء الوطن.