21 ديسمبر، 2024 9:06 ص

شهادات عن دور ليبيا بإمداد إيران بالصواريخ التي قصفت بغداد (2-4)

شهادات عن دور ليبيا بإمداد إيران بالصواريخ التي قصفت بغداد (2-4)

توقفت في مقالي السابق, عند التساؤل عن هوية الدولة العربية التي زوّدت إيران بالصواريخ, وبالطبع هي (ليبيا القذافي), والتي كان عبد السلام جلود, الذي يوصف بـ(الرجل الثاني), هو عرّاب صفقة العار تلك, والمتحمّس لها أكثر من القذافي نفسه, وكما سنبيّن ذلك لاحقاً.
في شهر تموز 1984, زار وزير الحرس الثوري الايراني, حينها؛(محسن رفيق دوست), سوريا حاملاً رسالة من (هاشمي رفسنجاني)، والتقى بحافظ أسد وطلب منه تزويدهم بصواريخ أرض-أرض، ولكن حافظ أسد, تملّص من الاستجابة, قائلا له: إن ما لديه من صواريخ تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي, واقترح عليه الذهاب إلى ليبيا, ومتعهداً بأن يتصل بالقذافي, ويوصيه بذلك !!.
ويقول رفيق دوست: توجهتُ إلى ليبيا للقاء معمر القذافي، والذي وافق فوراً على إرسال ثمانية صواريخ (سكود بي), إلى طهران، كوجبة أولى, ولكنه قال لي: فقط؛ أريد منكم أن تقصفوا السعودية, بأحد هذه الصواريخ !!, ووجّه بمرافقة خبير ليبي, وأن يمتثل لأوامري!!.
وقام(دوست), بزيارة ثانية للقذافي, الذي أمر بشحن عشرين صاروخا آخر على دفعتين. ولكن الإيرانيين تنصلّوا عن وعدهم للقذافي, ولم يقصفوا السعودية بأحد تلك الصواريخ, فالأسبقية كانت لضرب العراق, أما السعودية, فسيأتي الدور عليها لاحقاً.
ويروي جمال السامرائي؛(وهو عراقي عمل مستشاراً لدى القذاقي وقتذاك): إن ضابطاً ليبيّاً اسمه؛(عبد الباسط), حدّثه إنه شعر بالألم عند قيامه بتوجيه الصواريخ نحو بغداد, وكان العسكريون الإيرانيون لا يثقون به, فيطلبون تدقيق الاحداثيات قبل اطلاق الصاروخ. ويبدو إن (عبد الباسط) هذا, هو نفسه الخبير الذي أرسله القذاقي الى إيران, والذي عاد إلى ليبيا بعد رفض الإيرانيين اطلاق صاروخ على السعودية. وبعد أن شعر القذافي بالخديعة, توقف عن إرسال الصواريخ.
ويشير الوزير والدبلوماسي الليبي في عهد القذافي؛ عبد الرحمن شلغم, إلى معارضة الشعب الليبي لمسألة تزويد إيران بالصواريخ, وفيهم قطاعات واسعة من المثقفين والعسكريين داخل النظام نفسه, ومنهم اللواء أبو بكر يونس وزير الدفاع والرجل الثالث في ليبيا. ويضيف (شلغم), في مقابلة له مع قناة العربية؛ إن إحدى جرائم القذافي, هي دعمه لإيران, يوم قصفت بغداد بصواريخ ليبية.
ونختم هذه الشهادات, بما قاله الرائد عبد السلام جلود, الرجل الثاني في ليبيا ,حتى ابعاده في 1992, ووضعه تحت الإقامة الجبرية, ففي مقابلة صحافية له مع جريدة الحياة السعودية, أواخر سنة 2011, يقول ما نصه:؛( نحن أعطيناهم الصواريخ بلا مقابل.. حصل خلاف في موضوع الصواريخ..(معمر), كان متردّداً..قال لي: كيف ستضرب صواريخنا مدينة عربية ؟.. أنا كنت متحمساً, واقتنع)!!.
وبالمعنى نفسه تقريباً, يكرّر في مقابلة له مع قناة العربية في 2012, ضمن برنامج الذاكرة السياسية, ما يلي؛(كُنّا نزوّد الإيرانيين بالسلاح الليبي ونشتريه لهم من الخارج بإسم ليبيا, وزودناهم بصواريخ(سكود), وكان القذافي متردداً في موضوع تزويد إيران بالصواريخ لضرب بغداد, ولكنّي أقنعته بذلك)!!.
وعندما سأله المذيع: كيف تقبل لنفسك ذلك, وأنتم ترفعون شعارات القومية العربية ؟..فيجيبه جلود: إن الصراع الثوري يتطلب ذلك, وإنه يفهم خطورة هذا القرار(الجذري), ولكنه غير نادم على ذلك أبداً !!, لأن المهم من وجهة نظره, هو عدم إسقاط(الثورة الايرانية,لأن حال المنطقة سيكون سيّء جدا)!!. وعندما يقول له المذيع: ولكنكم قتلتم عراقيين بصواريخكم.. يجيبه جلود بكل وقاحة وتبجح, وهو يبتسم بملأ شدقيه: هذه طبيعة الصراع, يجب أن يموت فيه ناس, ولو كانوا أبرياء!!!.
والغريب إن هذا (الامّعة), وبعد هذه السنين الطوال, وانكشاف اكذوبة؛(الثورة الإيرانية), و(عدائها) المزعوم لأمريكا وإسرائيل, لازال (في ضلاله القديم),وولعه بتلك (الثورة)!!,التي دمرّت العرب وشوّهت الإسلام, ففي المقابلة نفسها مع(الحياة), يشير لزيارته لطهران ولقائه بـالدجال (خميني), في منتصف شباط 1979,بما يلي:(لا أبالغ إن قلت إنها كانت أهم زيارة في حياتي, تعلمت كثيراً منها واعتبرتها دورة تنشيطية لتفكيري الثوري, وكان اللقاء مع الإمام الخميني دافئاً وحميماً)!!!.
فهذه الصفاقة في القول والفعل, لا تحتاج إلى تعليق.. ومن سوء حظ الأمة العربية, أن يتسلط على مقدّراتها أمثال؛ حافظ أسد, وجلود, والقذافي,…الخ, الذين يتاجرون بشعارات العروبة, ويصطفّون بجانب أعداء الأمة التاريخيين والعقديّين, وأولهم الفرس المجوس.
في المقال القادم, إن شاء الله, سأكشف كيف تمكن جهاز المخابرات العراقي من وضع يده على دليل الإدانة الدامغ, لتورّط ليبيا في هذه القضية, وكيف كان الردّ العراقي الصارم على ذلك, وفحوى الرسالة القاسية والشديدة اللّهجة, التي بعثها الرئيس صدام حسين للعقيد معمر القذافي, جوابا على رسالة الأخير إليه ؟