يحكى ان لصا سطا على منزل يعود الى حائك، فامسك به الحائك، وعلم اللص انه مأخوذ، بعد ان رأى سيفا ماضيا بيد الحائك، فقال: انا لم ارد السرقة، وانما جئت لارشدك الى كيفية جعل النسيج ناعما باستخدام الشمع، واخرج قطعة شمع من جيبه وقال للحائك امسك طرف الخيط، وراح هو يكسو الخيط بالشمع ويتراجع للخلف، حتى خرج خارج الدار وربط الخيط باكرة الباب، ولما جاءت زوجة الحائك رأته ممسكا بالخيط، فسألته ماذا تفعل عندك، فقال: لقد شمّع الخيط، وحتى الان لم يعد، فصارت مثلا للذي يفلت من خطر محيق انه شمع الخيط.
ونصيحتي لمن لم يشمع الخيط يعد العدة لتشميعه، وطن سيبقى للكلاب السائبة والمتسولين، جميع ابنائه يريدون الحاق الخراب به، لم تبق مواطنة حقيقية، ولم يعد الوطن يتحمل احمالا اكثر من هذا، في التسعينيات هربت الناس من الجوع، والآن الجوع والموت، تسع عوائل من الانبار هبطت في مدينتنا، وبسبب الكفالة، ستشمع الخيط باتجاه الخالدية، بعد ان رحل آخر مسيحي من مدينتي، ودعت اليوم صديق طفولتي، كان سنيا لم يعد يطيق عزلته واغلاق بابه خوفا من الاحتكاك بالجيران.
كان واقفا لايعرف مايفعل بعد ان سمعنا انا واياه مشاجرة داخل المدرسة، طلاب في الصف الاول المتوسط، امام اولياء امورهم، فقال الاول للثاني: ( اذا ما اتحول احرك بيتك الليلة)، كيف تريدني ان ابقى، انا الجبوري السني،لم ادفع فصلا ولا اعرف من هو شيخ عشيرتي، انت تطلب مني المستحيل، وعشائركم سعرت ( الراشدي ) بخمسةعشر مليونا، ويأتون دوما بمتفننين، رأيت بعينك كم دفع صديقنا الكردي صاحب المولدة، لمشاجرة بسيطة، البقاء هنا صار انتحارا، برحيل صديقي انتفت صفة الاختلاط لمنطقتي العزيزة، وصارت مقفلة تماما.
سيرحل الانباريون صباحا، واضعين ارواحهم على اكفهم الى الخالدية، ليست الكفالة هي الوحيدة التي دعتهم الى هذا القرار، هناك لغط محموم عن ان داعش هي من امرتهم بغزو بغداد، فصاروا يخافون من سوء الفهم، واحتمالات تسلل عناصر من داعش ربما يقومون ببعض التفجيرات، فيكونون حصة الشعب الغاضب، خصوصا وان بعض الفضائيات تشحن بهذا الاتجاه، فصارت النار تضطرم وتحتاج الى من يكشف عن اوارها، ولذا فالوضع خطير جدا على النازحين.
لم نكن يوما ضد الفقراء لاننا منهم، وقد عانينا كثيرا من العوز، لكن الفقراء الآن تغيروا، لم يعودوا يعتنقون حركات التحرر التي سلاحها الفقراء انفسهم، صار الفقراء اليوم كالحرافيش، يهرولون خلف الفتوات، ويهتفون باسماء كثيرة، فضاع الخيط والعصفور، وصار تشميع الخيط في العراق ضرورة من ضرورات حق النفس على الانسان، بلد ينوء تحت وطأة الطائفية والمحاصصة والجهل، والسرقة ، بلد مملوء بالقتلة والطائفيين واللصوص وعديمي الذمة، الرشوة والتخلف ، لم تكد تنتهي معركة سياسية حتى تبدأ الاخرى.
آهِ اميركا، لم يكن انسحابا من العراق، كان قرارا بتدمير هذا البلد، الجميع ينتظر ويتوجس من مابعد داعش، والاجدى ان داعش اقوى بعد داعش، طائفية مقيتة وتدخلات اقليمية سعودية وايرانية وقطرية وتركية، لم اكن زرقاء اليمامة في يوم ما، لكنني ارى موتا محدق وفقرا مقلق، وشعبا يقتل بعضه بعضا، ودولا تدخل وحروبا تستعر، وعلى هذا الاساس فتشميع الخيط هو الخيار الاخير.