كثيرٌ من الأسر العراقية كانت تشكوا حالة الملل وفقدان الصديق ، ولمه الأصحاب والجيران وأواصر القربى ، لان العلاقات الاجتماعية الجميلة التي كانت متنفساً من أعباء الحياة والعمل تغيرت وتداخلت وغلبت عليها علاقات المصالح التي خدشت أجزاء من مشاهدها ، وحصار الأيام السيئة من العنف والإرهاب جعلت من الروابط الاجتماعية في خبر كان 0
وبعد الحملات الوطنية للأعمار والبناء نسجت من خيوط شمس العراق منظومات أضاءت مصابيح الشوارع والساحات وخصوصاً العاصمة بغداد فداعب نهارها الليل واستتب الأمن نسبياً ، وعادت تلك الروابط التي لمت شمل الأهل الأحباب والأصحاب 0
قبل أيام زارتني أحدى الصديقات وقضينا معاً يوماً ممتعاً تبادلنا فيه الحديث ومضى الوقت مسرعاً حتى العاشرة ليلاً .. قررنا إيصالها إلى بيتها في أطراف الرصافة ، كنت قلقة جداً وخائفة لأني لم أتذوق ليل بغداد المنعش منذ زمن .. انطلقنا وما أن رأيت الشارع الرئيسي لمنطقتنا حتى ابهرني ذلك المنظر الجميل لأعمدة تحمل مصابيح كلأليء تنشر خيوطاً ذهبية معلقة على امتداده فأنهت الظلام الذي كان مسيطراً عليه ، سرنا وكأننا في وضع النهار فالمحال التجارية والمطاعم الشعبية والمقاهي وقد ازدحمت بالناس 0
قلت .. نهاراً كل يوم أمر بهذا الشارع لم انتبه لتلك الأعمدة ومنظوماتها التي نصبت حديثاً ، لتكون بديلة لأعمدة التيار الكهربائي ، الذي غاب نتيجةً قدم بعض المحطات والعمليات التخريبية التي تعرضت لها المنشآت ، ونتيجة لحملات الإدامة للجزرات الوسطية زحزحت قاعدة البعض منها فمالت دون عن البقية ، ولكن أرى منظرها في الليل جميل جداً حيث إنها شامخة كنخيل بلادي تحمل المصابيح وألالواح بكبرياء رصت بالتوازي وبمهارة ومسافات متساوي تسر الناظرين ، أفاقت ذاكرتي بتلك البيوت البغدادية التي تجاورت لتسند بعضها البعض ، نور مصابيح الأعمدة غطى الخلل الذي حصل جراء الميلان أو العطل في بعضها 0
أكملنا المسير عبر الخط السريع الذي كاد لا يخلو من السيارات ، وتوزعت عليه نقاط حماة الوطن ما أن تراهم حتى تشعر بالراحة والطمأنينة وهذا إن دل على شيء فانه يدل على نجاح الجهود لاعادة سيطرة القانون والمؤسسات في إعادة الأمن بشكل كبير وملحوظ والقضاء على خفافيش الليل التي كانت تعمد على تخريب بغداد وإبقاء الحياة فيها شبه معدومة 0
ومروراً بالمنصور ثم الإسكان حتى جسر الأعظمية هناك أشجارا زينت بشرائط ونشرات من المصابيح الملونة زادت تلك المناطق جمالاً والقاً ، خطوة أخرى رائعة جملت بغداد ليكون ليلها أكثر متعة وجاذبية يحتضن الناس ويجعلهم يشعرون براحة نفسية ولا يدع مجالاً لدخول الخوف والضجر 0
وما أن عبرنا نهر دجلة الذي كان نائما مطمئناً لنكمل مشوارنا نحو الرصافة حتى زها بهاؤها بنور عانق الكرخ من خلال تلك المصابيح التي استمدت ضيائها من شمس النهار ، وبعد أن وصلت صديقتي إلى دارها قررنا أن نسلك طريقا أخر لنعود أدراجنا إلى البيت ونمتع أنظارنا بليل بغداد الحبيبة وبتلك الساحات التي فرشت ببساط اخضر وزينت بزهور والعاب ملونة جعلت العوائل تقضي ليالي هانئة ، ولسكون الليل جعل الطلبة ينعشون ذاكرتهم بالمطالعة ، وتكررت المناظر وكل منطقة أحلى من الأخرى بعد أن زرعت ساحاتها وشوارعها بمنظومات الطاقة الشمسية تلك الثروة التي أنعمها الله علينا من شمسنا الدافئة شمس بغداد التي لا تغيب ، ولو فكرنا بجدية لكنا مصدرين لها لان في بلدنا خبرات هندسية في أحلك الظروف صنعت بدائل من المستحيل وبالمقابل نحن بحاجة الى برامج شاملة لمشاريع بديلة أخرى نتجاوز بها أزمة الكهرباء.
إن الاعتماد على الطاقة الشمسية مشروع ذكي وذا فوائد مستقبلية توفر لنا أهم متطلبات الحياة ..
هنا يبقى السؤال مطروحا .. ؟ ترى هل تستطيع الجهات المعنية والشركات الوطنية من صناعة الألواح والقواعد والمصابيح والخلايا محليا ووفق مواصفات تلائم طبيعة أجوائنا وبأقل كلفة ، بدلا من استيرادها من مناشيء مختلفة 0