22 ديسمبر، 2024 11:00 م

شمالا نحو الجنوب  .. قصص تؤرخ بشاعة الحرب

شمالا نحو الجنوب  .. قصص تؤرخ بشاعة الحرب

ألهبت الحرب خيال العديد من المبدعين ، ودفعتهم أهوالها الى تأكيد رفضهم لها بمختلف الأدوات والمذاهب الأدبية ، وجاءت كتاباتهم في هذا الحقل بمثابة صرخة تستحث الضمير الانساني للوقوف الى جانب ضحاياها والسعي الى طمس وجهها القبيح ، ورغم الكثير الذي قيل فيها الا ان بشاعتها تبقى ماثلة أمام الأنظار ولاتغيب بالتقادم ، كما وتبقى كوارثها الاقتصادية والاجتماعية تنخر جسد المجتمعات التي اكتوت بنيرانها ، هذا بعض مما ارادت ان تعيد القول فيه قصص ( شمالا نحو الجنوب ) المجموعة البكر للقاص فاضل الفتلاوي . فهي قصص تتخذ من الحرب مادة استمدها القاص من ساحات الحرب وتحديدا الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الأولى حيث عاش القاص أهوال هاتين الحربين المدمرتين وسجّل قلمه باسلوب اليوميات مشاهداً من عالميها المليئين بالخوف والدم والتدمير والقبح .
في قصة ( شمالا نحو الجنوب ) التي حملت المجموعة عنوانها نتعرف على بطل القصة وهو جندي شاب يمثل جيل واسع من العراقيين اقتيد مكرها الى أتون حرب لاناقة له فيها ولا جمل حيث تكشف عن تمرده ورفضه لاحتلال دولة جارة وشقيقة لكنه عاجز ان يفعل شيء لهذا يعيش صراعاً داخلياً نتيجة وقوعه بين مطرقة السلطة واملاءاتها التعسفية ونفوره من أوامرها وسندان القناعات والمباديء الانسانية التي تربى عليها ، جاءت لغة القصة تقريرية ومباشرة خالية من الاستعارة والمجاز واعتمدت  على تسجيل وذكر الاسماء الحقيقية للأماكن والشخصيات وهذا مايترك الانطباع لدى القاريء بأن القصة توثيق لحدث تاريخي وقع بالفعل . كما تكشف لنا قصة  (البرحي لايرحل بعيدا ) تشبث البطل بالحياة وحرصه على ديمومتها من خلال قلقه على فسيلة البرحي من الخطر المحدق بالمدينة الأمر الذي يضطره نقلها الى مكان آمن ، وكذلك الحال في باقي قصص المجموعة ( نوارس الارض الحرام ) و ( رحلة السنونو الاخيرة ) و ( عناق مع الدنيا ) حيث يسجل فيها القاص التوتر الذي تعيشه ابطال قصصه بسبب اجواء الحرب التي تخيم على نفوسهم وحلمهم بالخلاص من كوابيسها المرعبة ، لكن المختلف في قصة ( صخرة وسط الهور)  هو اظهار الوجه الآخر للحرب فهي في بعض صورها تكشف المعدن الحقيقي للانسان من خلال استعداده للأيثاروالمسامحة والتكفير عن ذنوب الماضي وذلك بسبب المصير المجهول الذي يعيشه ابطال القصة ، ولكن يبقى الوجه القبيح للحرب هو السائد كما في قصة  (موسم الهجرة الحزين ) و ( ارهاب ) و ( بالاحمر ) التي تروي انعكاس الحرب ولون الدم على وجه وسلوك الطفولة البريئة.
 ان قصص ( شمالا نحو الجنوب ) صفحة تضاف الى أرشيف الحرب ، فهي خلجات انسانية سطرتها تجربة قاص يبدو انه عايش الحرب بكل ماتحمله من تدمير وتجاوز على الأرواح وعلى مستقبل البشرية وبالتالي لم يتمكن من تخطيها وآثر ان يسجلها بالشكل الذي قرأناه كي يسهم مع الآخرين في توثيق الجرائم التي ارتكبت ومازالت تُرتكب بحق الانسانية .